هاني السعدي: الجرأة على ألسنة خونة ومجانين تحايـل على الرقيب

  السعدي: «صراع على الرمال» يستلهم خيال وأشعار محمد بن راشد

 

«أنا مستكتب ولست كاتباً في كثير من أعمالي، أضطر لوسم بطل ما بالجنون لتمرير جملة انتقاد للنظام السياسي على مقص الرقيب، وأتوقع حذف جملة حوارية، حتى قبيل تحويلها مشهداً، لأنها صادمة لصاحب المقص الذي يجب دائماً أن يظل منطقه حاكماً لإبداعي، أنبش باحثاً عن مبرر درامي من اجل الاستتار خلف ترميز او تلميح، وحينما يولد العمل على الشاشة الصغيرة، فإن بؤرة الضوء في النهاية تتسع للجميع دوني».
مجموعة من الجمل صاغها  الكاتب والسيناريست هاني السعدي في حواره مع «الإمارات اليوم»، منجز سيناريو الدراما الملحمية التاريخية «صراع على الرمال» المستمدة من خيال وأشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي أنتجها المكتب الإعلامي لسموه، وتعرض حصرياً على قناة دبي الفضائية خلال رمضان المقبل. السعدي الذي كتب للعرض الرمضاني أيضاً هذا العام الجزء الثاني من مسلسل «عصر الجنون» والجزء الثاني من «حاجز الصمت» الذي جاء بعنوان «خط أحمر»، ويعكف الآن على كتابة سيناريو جديد بعنوان «الحق الضائع» يتحدث فيه عن ضياع الأرصدة المالية الخليجية في البنوك الأوروبية، لم يخفِ عتابه على الكتابات الصحافية التي تركز على مختلف عناصر العمل الإبداعي من ممثلين ومخرج ومنتج، في الوقت الذي تتجاهل فيه دور كاتب النص، متحدثاً باستفاضة عن تجربته في الكتابة، مشيراً إلى أنه كتب حتى الآن نصوصاً تحولت إلى سيناريوهات لـ1000 ساعة درامية عبر 36 مسلسلاً و20 فيلماً تلفزيونياً طويلاً، وفيلم سينمائي وحيد، بدأها العام 1972 بسيناريو فيلم «ليل الرجال» الذي أخرجه حسن الصيفي وقامت ببطولته ناهد شريف وفريد شوقي بعدما تم «تمصير» لهجته السورية، مضيفاً: «رغم جملة الاعتراضات التي سجلتها للمخرج بسبب التصرف الشديد في النص الناجم عن «تمصيره»، إلا أنني كتبت سيناريو لفيلم مصري آخر هو «ولاعة الشيطان» كنت قد أرسلته مع صهري لعرضه على أحد المخرجين في القاهرة لكنه فقده، ثم اتجهت لكتابة مسلسلات إذاعية حتى العام 1982 الذي كتبت فيه أول مسلسل للتلفزيون السوري وهو «حارة نسيها الزمان».
 
ويستطرد السعدي «بعدها  كتبت (غضب الصحراء) ثم (البركان) وكلاهما  سيرة شعبية متخيلة أخرجهما محمد عزيزية أعقبتهما بسلسلة «الجوارح»، «الكواسر» ، «البواسل»، «الموت القادم إلى الشرق»، «المسلمون»، «آخر الفرسان» بإخراج لنجدت أنزور، الذي أنجزها برؤية إخراجية جديدة جعلت نقاد الدراما  يعتبرونها فانتازيا تاريخية.

 

نبض الشارع

وأكد السعدي أنه قبل أن يتناول بالكتابة شخصيات قصته يعمد إلى سبر أغوارها من خلال عدة طرق أبرزها الاختلاط بنماذج لتلك الشخصيات في الواقع، بمن فيهم المنبوذون والمهمشون اجتماعياً، مضيفاً: لا يمكن لشخصيات العمل الدرامي أن تبدو مقنعة للمشاهد إلا إذا كانت مستمدة من نبض الشارع، وهو ما يتجلى بشكل أوضح في الدراما الاجتماعية مثل «دائرة النار»، «أبناء القهر»، «أبو البنات»، «عصر الجنون»، «حاجز الصمت»، «أسياد المال»، «خلف القضبان»، «قانون الغاب»، «البارعون»، فحينما تواصلت على مدار 20 يوماً مع نزلاء مركز مكافحة الإيدز بدمشق، فضلاً عن النزول إلى المدارس والجامعات  خرجت بملامح بعض شخصيات «أبناء القهر» و«حاجز الصمت». والسعدي الذي يلقب أيضاً بـ«أبو البنات» يستقي الكثير من المعلومات عن شخوصه من بناته الخمس حيث يقول «أنا مستمع جيد لبناتي لأعرف ما الذي يؤرقهن ويسرّهن أو يزعجهن، وما  مشكلاتهن وما يشغل بال زملائهن، وغير ذلك من شبكة علاقاتهن التي قد لا تتوافر لي بشكل مباشر».

 

معوقات الإبداع

وفي ما يتعلق بأبرز إشكاليات الكتابة للأعمال الدرامية عربياً، اعتبر أن «هامش الحرية المحدود مازال أبرز معوقات الإبداع»، مشيراً إلى انه «حين يقال لك: يمكنك التطرق إلى أي موضوع شئت بعيداً عن انتقاد النظام، وإثارة الجدل حول ثوابت ومعتقدات مجتمعية وأخلاقية ودينية؛ فأنت مقيد عن الاقتراب مما يجب أن تحوم حوله وتخترقه وتحلله، ككاتب يحمل قضايا مجتمعه الحقيقية»، مستشهداً بأنه لم يستطع تمرير انتقاده لممارسات سياسية في أكثر من عمل إلا حينما يجري هذا الانتقاد إما على لسان شخصية مصابة بالجنون أو تنتمي إلى الطابور الخامس، وهو ما لجأت إليه في مسلسل «أسياد المال» الذي يتطرق إلى الشأن الداخلي السوري حينما قالت شخصية، اضطررت أن ألبسها ثوب الجنون: «الناس اللي فوق مو عارفين شو عم بيصير تحت، والناس اللي تحت مفكرين حالهم من الناس اللي فوق، لهيك طايرين بالناس» و«الكل راكض ورا الكرسي، والكرسي مخلوعة رجليه» و«فكركم ليش الشرطي بيرتشي؟ لأن راتبه ما عم بيكفيه هو ولاده».

 

اتهام

واعتبر السعدي أن «كاتب الدراما السينمائية يتمتع بسقف حرية أعلى قليلاً من نظيره الذي يكتب للتلفزيون الذي تخشى أجهزة الرقابة من سرعة وسهولة انتشار مواده الدرامية» مشيراً أيضاً إلى أن «المساحة الزمنية المختزلة نسبياً في العمل السينمائي مقارنة بالمسلسل تجعله أكثر قدرة على إيصال الفكرة والرسالة والقيمة التي يحملها العمل».

 

 وأسف السعدي لاتهام البعض له بأنه يسعى لتشويه صورة الفتاة المسلمة المحجبة بسبب مشهد تظهر فيه فتاتان محجبتان تقومان بخلع حجابيهما قبل انخراطهما في وصلة رقص بصالة للديسكو في مسلسل «أسياد المال» مضيفاً : «المشهد تم حذفه وقت بثه في التلفزيون السوري، في حين احتفظت به سائر المحطات، مثل انفينتي وغيرها، وكنت أسعى فيه لتوصيل رسالة مفادها أنه يجب ألا نحكم على الأشخاص بالمقاييس الظاهرية فقط».

 

مضيفاً: «حتى هذه اللحظة لا سبيل إلى معالجة الكثير من القضايا الشائكة إلا عبر الإغراق في الرمزية أو إلباس الشخصيات الثائرة والناضجة ثوب العميل أو المصاب بالجنون».

وفي ما يتعلق بمدى قدرة كاتب ما أن يتمثل قضايا مجتمع مغاير ويعبر عنها بنص تلفزيوني أو سينمائي اشترط السعدي أن يلم هذا الكاتب بالقضايا الأساسية التي تشكل هاجساً عند أبناء هذا المجتمع، معتبراً أن تشابه الأرضية الثقافية بين المجتمعات العربية تجعل من اليسير أن نجد كاتباً سورياً أو فلسطينياً على سبيل المثال، لعمل مصري، أو خليجي، والعكس.

 

 

 خيال جامح
 
 تصوير: مصطفى قاسمي
 

قال السعدي كاتب سيناريو المسلسل البدوي «صراع على الرمال» المستمد من خيال وأشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «وجدت متعة كبيرة في نسج سيناريو «صراع على الرمال» بفضل خصوبة الخيال الذي استمد ألقه من إبداع سموه الشعري عبر شخصيات ملحمية قوية وأفق واضح اختزلت المسافة بين الشعر والكتابة الدرامية في هذا العمل البدوي الملحمي الذي يشكل نمطاً جديداً في مجال الدراما البدوية».
وأضاف السعدي: «منذ أن استلمت أشعار سموه التي من وحيها سار العمل، وكل الشواهد في منظوري تؤكد أن الرهان على «صراع على الرمال» مصيب، لاسيما بعد أن سخرت له جهة إنتاجه، وهي المكتب الإعلامي لسموه، كامل الطاقة الإنتاجية من أجل صناعة عمل درامي عربي المحتوى والإنتاج عالمي المقاييس، بدءاً من إسناد إخراجه إلى القدير حاتم علي، مروراً بالدقة في انتخاب طاقم تمثيلي وفني مميز، والاتكاء على خبرات عالمية في ما يتعلق بالتدريب على المعارك الملحمية.

هذه طقوسي

«كنت أفتعل المشكلات مع زوجتي كي ترحل عن المنزل وتتركني أكتب في هدوء، والآن بعد إنجابي خمس بنات أضحت  الكتابة على خلفية ضجيجهن أحد طقوسي المقدسة»، ويضيف هاني السعدي، الذي بلغ به شغفه بالكتابة إلى درجة تسببت في رسوبه في الصف التاسع : «أبدأ في العادة بكتابة ملخص عن السيناريو المتخيل لأحداث المسلسل، لكنني لحظة البدء في الكتابة الفعلية لأولى الحلقات أنسى تماماً الملخص وأجعل الشخوص تحدد علاقاتها ومصائرها بأنفسها، إلى الدرجة التي تقودني فيها الأحداث أحياناً إلى مشكلات لا أدري كيف سيتم الخروج من مآزقها في العمل، قبل أن يحدث كل هذا في السياق الأحداث بشكل منطقي كتابياً وتلقائياً في آن واحد». ويضيف: «القصة قد تتسلل إلى مخيلتي أثناء القيادة أو في مقهى أو ناد أو حتى خلال حلم، وقبل الخلود إلى النوم تطاردني شخوص كتاباتي متراقصة، بعضها يستلهم نهاياته وأخرى تعترض على مصائرها قبل أن أهرب منها جميعاً مستعيناً بالنعاس». 

تويتر