الوضع القانوني للجـزر بعد قيام دولة الإمارات

جزء من محضر إجتماع عقد في اكتوبر 1971 بين المعتمد البريطاني وليم لوس وصاحب السمو الشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة والذي اعترف فيه لوس صراحة بعزم بلاده تسليم الجزر الثلاث لإيران

تمَّ في مدينة دبي في الثاني من ديسمبر من عام 1971، الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بعد يومين اثنين من احتلال إيران جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وإنزال قواتها في الجزء الشمالي من جزيرة أبوموسى بناء على مذكرة التفاهم التي أبرمتها مع إمارة الشارقة برعاية الحكومة البريطانية.

 

ويبدو أن إيران ابتغت من هذه الخطوة الاستباقية لرحيل البريطانيين وقيام دولة الإمارات، فرض سياسة الأمر الواقع على حاكمي الشارقة ورأس الخيمة والدولة الاتحادية العتيدة، على الرغم من أن قيام الاتحاد لم يكن ليثنِها (حسب رأي الكاتب) عن تنفيذ مخططها في الاستيلاء على الجزر الثلاث التي كانت أطماعها فيها قد بلغت حداً جعل الشاه محمد رضا بهلوي يهدد بعدم الاعتراف باتحاد الإمارات، بل وبمحاربته إذا ما شكل عائقاً أمام تحقيق طموحه في الحصول على هذه الجزر.

 

موقف القانون الدولي
في الوقـت الذي أعطـت فيـه بريـطانيا الضوء الأخضر لقوات شاه إيران لغزو واحتلال جزيرتي طنب الكبرى وطنب والصغرى في 30 نوفمبر من عام 1971، كما سيتبدّى لنا من خلال الوثائق التي سنعرض لها لاحقاً، فقد اقتضت مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية بعيدة المدى إبقاء جزيرة أبوموسى تحت السيادة المنقوصة لإمارة الشارقة، خصوصاً أن الشركات البريطانية ومن بعدها الشركات التابعة لحليفتها الولايات المتحدة كانت قد بدأت في استغلال الثروات المعدنية التي تتمتع بها هذه الجزيرة. 

 

ولهذا فقد اكتفت الحكومة البريطانية بإنزال أقدام جيوش الشاه إلى جزء من الجزيرة عن طريق ممارسة الضغط والإكراه على حاكم الشارقة الشيخ خالد بن محمد القاسمي لتوقيع مذكرة تفاهم تفضي إلى تقاسم السيادة عليها مع إيران.

 

وقد وافق الحاكم على ذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن علم أن الجزيرة لا محالة واقعة في أيدي الإيرانيين دون مقابل، وبموجب هذه المذكرة تمكنت إيران من السيطرة العسكرية على النصف الشمالي منها، واستمر الوضع قائماً على هذا الحال حتى عام 1992 عندما قامت بالتعدي على الجزء الخاضع للولاية العربية من الجزيرة ومحاولة السيطرة عليه. 

 

قانونية مذكرة التفاهم
تُمثل مذكرة التفاهم المبرمة عام 1971 بين حكومة الشارقة وإيران حول تقسيم جزيرة أبوموسى أهمية بالغة من الناحيتين القانونية والسياسية؛ نظراً لما ترتب عليها من تغيير للأوضاع السيادية التي كانت قائمة على الجزيرة منذ عقود طويلة، خصوصاً أنها أبرمت في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة الحساسية.

 

ونشير بدايةً إلى أن هذه المذكرة نصت على أنه «لا إيران ولا الشارقة ستتخلى عن المطالبة بأبوموسى، ولن تعترف أي منهما بمطالب الأخرى».

 

أي أنها في مجملها لا تقدح بحق إمارة الشارقة الأصيل في السيادة الكاملة على الجزيرة، اتساقاً مع واقع خضوعها للولاية العربية قبل وأثناء توقيع تلك المذكرة.

 

أما الطرف الإيراني فقد نُصّ على حقوقه المماثلة في المذكرة ولكن ليس بحسبانه صاحب سيادة فعلية سابقة على توقيعها، وإنما كطرف ذي وجود طارئ أنشأت له هذه المذكرة مركزاً جديداً للتعسكر على أجزاء من الجزيرة؛ ولهذا يتضح من خلال التدقيق على بنود المذكرة سالفة الذكر أنها تتضمن تمييزاً في وصف المراكز القانونية لطرفيها.

 
فهي تَسِم الوضع الإيراني على الجزيرة بأنه احتلال، أو وجود عسكري، أو حسب النص الإنجليزي للمذكرة They will occupy areas وهو ما جاء في (البند 2) منها الذي نص على أنه «سوف تصل قوات إيرانية إلى أبوموسى وتحتل مناطق ضمن الحدود المتفق عليها في الخريطة المرفقة بهذه المذكرة». 

 

كما أضافت الفقرة (أ) من البند ذاته أنه «تكون لإيران ضمن المناطق المتفق عليها والمحتلة من القوات الإيرانية صلاحيات كاملة». أي أن القوات الإيرانية تضع يدها على أراض في صورة احتلال أو تواجد عسكري، أو وفقاً لنص المذكرة   Areas Occupied by Iranian Troop وذلك بعكس وصف الوجود العربي القاسمي على الجزيرة الذي أشارت إليه المذكرة على أنه من أعمال السيادة الإقليمية الأصيلة.

 

وذلك ما يؤكده البند (2/ب) من المذكرة الذي قضى بأن (تمارس الشارقة صلاحيات كاملة على بقية أنحاء الجزيرة) أو بحسب بالنص الإنجليزي:
 Sharjah will have full jurisdictio over dnalsi eht fo  redniamer  eht
إن قراءةً متأنيةً لبنود المذكرة السابق الإشارة إليها ستقودنا إلى استنتاج في غاية الأهمية والخطورة، مفاده أن الضغط البريطاني على حاكم الشارقة للقبول بوجود إيراني في الجزيرة قبل انسحابها من منطقة الخليج، وفي ظل غياب الأدلة التاريخية والقانونية الحاسمة لدى إيران لإثبات ادعاءاتها، كلها ظروف ألقت بظلالها على صياغة تلك المذكرة بحيث جاءت غامضة وغير واضحة، وبصيغة لم يشهد لها تاريخ المعاهدات والاتفاقات مثيلاً.

 

فاستهلال هذه المذكرة بعبارة نافية للسيادة لكل من طرفي الاتفاقية، كالقول إنه «لا إيران ولا الشارقة ستتخلى عن ادعائها بأبوموسى ولن تعترف أي منهما بمطالب الأخرى عليها» لهي صياغة غاية في التعقيد والإبهام، وتندرج ضمن الأساليب التي اشتهرت بها الدبلوماسية البريطانية عبر تاريخها الاستعماري الطويل من تعمد الإيهام والغموض في صياغة المعاهدات والاتفاقات باللغة الإنجليزية، وذلك حتى يمكن لها تفسيرها بأسلوب مغاير يخدم أغراضها إن دعت الحاجة إلى ذلك في المستقبل.

 

أهلية تعاقد طرفي المذكرة
إذا ما تحرينا مدى توافر أهلية التعاقد الذي يحكمه القانون الدولي في طرفي مذكرة التفاهم، ستتضح لنا حقيقة مؤداها أن الطرف الإيراني كان كامل الأهلية عند إبرام هذه المذكرة، بينما كانت أهلية الطرف العربي منقوصة ولا تسمح له القيام بالتصرفات القانونية ذات الطابع الدولي. فما هو فحوى هذه الاتفاقية؟ وهل تضمنت تخويلاً للطرف العربي لإتيان التصرفات الدولية بصورة مستقلة، أم أنها أحْصَرتهُ بقيود والتزامات عزلته عن العالم الخارجي ومنعتهُ عن القيام بالأعمال القانونية المرتبطة بالمجتمع الدولي؟ 

 

إن الإجابة عن ذلك لا تحتاج إلى كبير بيان، فبنود تلك الاتفاقية تقطع قول كل خطيب، إذ تعهد فيها كل حاكم من حكام إمارات الساحل المتصالح بما يلي: 1- لن أدخل بأي حال من الأحوال في اتفاقات أو مراسلات مع أي دولة فيما عدا الحكومة البريطانية. 2- لن أوافق على إقامة أي وكيل لأية حكومة أخرى في الأراضي الواقعة تحت ملكي دون موافقة الحكومة البريطانية. 3- لن أتنازل أبداً ولن أبيع ولن أرهن أو أسمح بأي صورة من الصور باحتلال أي جزء من الأراضي الواقعة ضمن أملاكي إلا للحكومة البريطانية. 

 

إن المتمعن ببنود هذه الاتفاقية يلاحظ أنها جاءت خلواً من أية إشارة تقضي بمنح إمارة الشارقة ممثلةً بحاكمها، الأهلية اللازمة للقيام بالتصرفات القانونية الدولية، باعتبار أن الأهلية تمثل شرطاً جوهرياً للقيام بتلك التصرفات بل وتُعد الأساس الذي يتوقف عليه بحث الشروط الأخرى اللازمة لصحة أي تصرف قانوني.

 

وتبعاً لذلك فإن مذكرة التفاهم يعتريها البطلان المطلق، تأسيساً على انتفاء شرط الأهلية القانونية اللازمة لصحة انعقاد المعاهدات في أحد طرفي هذه المذكرة، إذ إن صدور التصرف من كائن ليس أهلاً لإنشائه يؤدي إلى بطلانه وانعدامه نظراً لعدم صدوره من شخص دولي، فضلاً عن مخالفتها نصاً من نصوص اتفاقية «فيينا» لقانون المعاهدات لعام 1969 الوارد في المادة (6) منها والذي يقضي بأن «لكل دولة أهلية إبرام المعاهدات».

 

ويقول أحد الباحثين الإيرانيين المهتمين بمسألة الجزر واسمه (بيروز مجتهد زاده) إن ايران «لم تكن تتفاوض مع الشارقة لأنها كانت محمية بريطانية في زمن توقيع مذكرة التفاهم، وبالتالي فإن شؤونها الخارجية كانت من مسؤولية الحكومة البريطانية، وهو ما يعني أن إيران عندما وقعت هذه المذكرة، إنما وقعتها مع بريطانيا وليس مع حكومة الشارقة».

 

غير أن بيروز ربما كان يجهل (قبل أن ينتهي إلى هذا الرأي) أن اتفاقية الحماية التي تكلم عنها قضت بمنع الحكام الموقعين على الاتفاقية من القيام بأية تصرفات قانونية تمسّ سيادة الأراضي الواقعة تحت سلطتهم لمصلحة أية دولة أخرى غير الحكومة البريطانية، إذ قطع كل منهم على نفسه عهداً بالقول: «لن أتنازل مهما كانت الأحوال أو أبيع أو أرهن أو أسمح باحتلال أي جزء من أملاكي إلا للحكومة البريطانية».

 

ما يعني (في نظر الصيادي) بطلان هذه المذكرة لسببين: الأول، لأنها أُبرمت بالمخالفة للتعهدات التي قطعها حاكم الشارقة على نفسه في اتفاقية الحماية الموقعة مع بريطانيا عام 1892، وهي تعهدات لا نحسب أن بالإمكان إلغاءها لمجرد صدور إقرار من الحكومة البريطانية لأي تصرف لاحق من قبل هذا الحاكم أو غيره من الحكام الموقعين على الاتفاقية سالفة الذكر؛

 

إذ إن الإخلال بأي من التعهدات السابقة يعني القيام بتصرفات ناقلة للسيادة، وهو أمر حظرته اتفاقية الحماية بصورة جازمة وقطعية، فضلاً عن أن هذه الاتفاقية لم تمنح بريطانيا صلاحية إسباغ صفة المشروعية على أي تصرف مخالف لأحكامها.

 

كما أن بريطانيا لم تكن مخولة بموجب هذه الاتفاقية، بالتفاوض أو بالتنازل لدولة أخرى أو السماح لها باحتلال أي جزء من الأراضي الواقعة ضمن سلطة أطراف اتفاقية الحماية، بل إن مقتضيات المسؤولية الدولية تُحتَّم عليها، بصفتها مسؤولة عن سلامة أراضي الإمارات المتصالحة المتعاقدة معها، الالتزام بحماية إمارة الشارقة من أي اعتداء يقع على سيادتها أو ينتقص منها.

 

ويثبت ذلك ما صدر عن نائب ملك بريطانيا في الهند اللورد (كيرزون) في الخطاب الذي ألقاه على حكام الإمارات المتصالحة في شهر أكتوبر من عام 1903، وأكد فيه أن بريطانيا: «سوف تتمسك بسياسة الوصاية والحماية التي منحتكم السلم وضمنت حقوقكم لخير حقبة خلال المائة عام هذه، ونتيجة للعلاقة معكم فقد أصبحت الحكومة البريطانية بموافقتكم حامية للسلم والأمن بين القبائل، وقد توثقت عرى الروابط السياسية بين حكومة الهند وبينكم، والتي بمقتضاها أصبحت الحكومة البريطانية حامية لكم، وقد آلت كل إمارة من الإمارات المعروفة بالإمارات المتصالحة، على نفسها ألا تدخل في اتفاق أو مراسلات مع أية دولة أخرى، ولا تسمح لمندوب أي حكومة أخرى بالدخول إلى أراضيها، وألا تتنازل عن أي شبر من أراضيها، وهذه الاتفاقات ملزمة لكل فرد منكم، ولقد تمسكتم بها تمسكاً نّ عن أخلاقكم، كما أن هذه الاتفاقية ملزمة بالمثل للحكومة البريطانية».

 

شرط المشروعية في المذكرة 
إن صحة انعقاد المعاهدة تقتضي أن يكون الموضوع الذي اتفق عليه أطرافه ما يبيحه القانون، وتقره مبادئ الأخلاق، ولا يتعارض مع تعهدات والتزامات سابقة.  فقيام دولتين أو أكثر ، على سبيل المثال - بإبرام معاهدة تتضمن تنازلاً من قبل إحداهما عن إقليم لا تملكه أو عن مستعمرة أو محمية ليس لها حقاً فيها لمصلحة دولة أخرى، يُعد من الأعمال التي تمثل انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة.

 

فكيف كان انتهاك كل من بريطانيا وإيران ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية «فيينا» لقانون المعاهدات لعام 1969 من خلال مذكرة التفاهم؟ وما هي النتائج المترتبة على هذا التصرف؟ فقد تضمنت هذه الوثيقة الصادرة عن المقيم السياسي البريطاني بدبي في 18 فبراير 1969، نصاً جاء فيه: «إنني أعتقد إنه من الأفضل ألا نفعل شيئاً وندع الإيرانيين ليواجهوا الموقف بأنفسهم، كما أنه لا يوجد شيء يمنعهم من الاقتراب من الشيخ خالد حاكم الشارقة، كما فعلوا مع الشيخ صقر حاكم رأس الخيمة.

 

ولا نحتاج لأن نقحم أنفسنا في إجابات سلبية من الشارقة لطهران». ويمكن أن نتلمس خيوط هذه المؤامرة من خلال وجهات النظر والتصريحات الصادرة عن أهم المسؤولين البريطانيين في المنطقة حول الجزر الثلاث، ومنهم (جوليان ووكر) آخر معتمد سياسي بريطاني في الخليج والذي كان ضمن الفريق المكلف بالتوسط لحل مشكلة الجزر الثلاث برئاسة السير (وليم لوس).

 

ففي معرض جوابه عن اقتراح الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، حاكم إمارة رأس الخيمة، بتاريخ 10 مايو 1971 بوضع خريطة لحدود دولة الإمارات قبل الإعلان عن قيامها وتسليمها للأمم المتحدة وذلك دون الالتفات إلى موقف شاه إيران من مسألة الاتحاد، قال ووكر: «من الصعب عدم الاهتمام بالإيرانيين، حيث نحن حريصون بعلاقة الإيرانيين بالمنطقة وأمنها».

 

واتساقاً مع ثبوت تواطؤ بريطانيا لمصلحة الجانب الإيراني لإخراج الجزر الثلاث من سيادة العرب القواسم على النحو الذي استبان لنا في ما سبق، فإن مذكرة التفاهم تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً استناداً لما جاء في المادة (53) من اتفاقية «فيينا» لقانون المعاهدات لعام 1969، التي نصت على أنه «تُعتبر المعاهدة باطلة بطلاناً مطلقاً إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام». 

 

الإكراه في مذكرة التفاهم 
الإكـراه، بالإضـافة إلى الغلط والغش وإفساد ممثل الدولة، عيوبٌ وأسبابٌ إذا ما لازمت المعاهدة وصمتها بالبطلان؛ إلا أن ما يعنينا هنا هو عيب الإكراه باعتباره العيب الوحيد المتعلق بالمسألة محل البحث، ولذلك سنمسك عن تناول العيوب الأخرى، لعدم إمكانية تطبيقها على هذه المسألة.

 

ويبدو من الأهمية بمكان، قبل التحقق من مدى توافر عنصر الإكراه في مذكرة التفاهم، التذكير بما انتهت إليه اتفاقية «فيينا» لقانون المعاهدات لعام 1969 في ما يتعلق بالإكراه، وكيف حَسمَتْ الجدل الفقهي حول مدى اعتباره مبطلاً للمعاهدة إذا كان موجـهاً ضد الدولة، عندما قضت ببطلان المعاهدات الواقعة تحت الإكراه سواءٌ وقع على ممثل الدولة أو على الدولة ذاتها.

 

فقد نصت المادة (51) من الاتفاقية سالفة الذكر على أنه «لا يكون لتعبير الدولة عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة أي أثر قانوني إذا صدر نتيجة إكراه ممثلها بأفعال أو تهديدات موجهة ضده». 

 

أما المادة (52) من الاتفاقية ذاتها فقد قضت بأن «تُعتبر المعاهدة باطلـة بطلاناً مطلقاً إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعـمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الواردة في ميثاق الأمم المتحدة».

 

لقد كشفت إحدى وثائق مكتب رئيس مجلس الوزراء البريطاني ما دار من حديث أدلى به الشاه أمام وزير الخارجية السير دوغلاس هيوم في مبنى السفارة الإيرانية ببروكسل بتاريخ 10 يوليو 1970

 

وجاء فيه: «توصل الإيرانيون إلى أنه لن يكون هناك فراغ ولن تكون هناك حاجة لأحد ليحل محل البريطانيين، وقد بدأت إيران علاقاتها مع الكويت وكانت لها دائماً علاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية.

 

وفي الوقت ذاته زاد النفوذ الروسي ووصل النظام البعثي إلى السلطة في العراق ومعه سياساته التوسعية والعدوانية، وتقوم السفن الروسية بزيارات متكررة إلى العراق، وتحظى روسيا بنفوذ كبير في تلك الدولة، وعلى سبيل المثال في تحقيق المصالحة بين العراقيين والأكراد، وهكذا فإن حلم بطرس العظيم بنفوذ روسي يمتد إلى الخليج قد تحقق».

 

وإذا كانت هذه هي التركة التي تنتظر الشاه، فقد سعت بريطانيا إلى ترضيته بالجزر الثلاث، خصوصاً أن أطماعه في البحرين كانت قد انهارت. وهو ما عبر عنه الشاه في اللقاء ذاته بقوله: «بعـد زوال مشكلة البحرين عن الطريق فمن الضروري أن تعود الجزر إلى إيران». 

 

ويمكن استشراف تطابق رأي الشاه مع وجهة النظر البريطانية (منليم لوس) مع الشيخ صقر بن محمد القاسمي، حاكم رأس الخيمة، في 30 أكتوبر .1971 

 

فعندما سأله الشيخ صقر عن سبب عدم تخلي الشاه عن الادعاء بملكية الجزر الثلاث كما تراجع عن ادعاءاته في البحرين، رد عليه لوس بعبارات تحاكي حديث الشاه السابق الإشارة إليه؛ إذْ قال: «هو تَراجَعَ عن البحرين لأجل الجزر».

 

 ثم أضاف «الشاه تخلى عن البحرين والشعب ما وافق وما ممكن يتراجع عن الجزر». حقوق ملكية الوثائق والخرائط للكاتب 
 
ضغوط وتهديدات


الشاه محمد رضا بهلوي يهدد بتسوية الجزر الثلاث بالطائرات القاذفة خلال لقائه وزير الخارجية البريطاني السير دوغلاس هيوم بالسفارة الإيرانية في بروكسل بتاريخ 10 يوليو1970 .

تُظهر الوثائق التاريخية حجم الضغوط والتهديدات البريطانية- الإيرانية التي تعرض لها حاكمي رأس الخيمة والشارقة لحملهما على التنازل عن الجزر الثلاث.  أما التهديدات البريطانية فقد تضمنتها تصريحات الوسطاء البريطانيين ورجال الدولة العاملين في منطقة الخليج خلال الفترة التي سبقت توقيع مذكرة التفاهم واحتلال جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

 

ففي لقاء عقده (لوس) مع الشيخ صقر حاكم رأس الخيمة بتاريخ 14 سبتمبر 1971، يرافقه كل من المقيم السياسي والمعتمد السياسي، قـال (لوس) بلغة مليئة بالضغط المعنوي: «أنتم تتكلمون عن مصلحة رأس الخيمة، ونحن لا نرى مصلحة لشعب رأس الخيمة إذا لم تتفقوا مع إيران، لأن إيران ستأخذ الجزر». 

 

وفي اللقاء ذاته حرص المقيم السياسي على الإسهام في محاولة بث الخوف في نفس الحاكم من رد الفعل الإيراني، حيث قال: «أنا متأكد ماية بالماية من الأحـسن لرأس الخيـمة أن توافق، وإذا لم توافـق فسـتأخذ إيران الجـزر».

 

أما المعتمد السياسي فقد كان أسلوبه أكثر ترويعاً، إذ حذر الحاكم من أن إيران قد تقدم على احتلال إمارته برمتها إن هو رفض تسليم الجزيرتين، وهو ما عبر عنه بقولــه: «إذا لم تنحل (يقصد حل القضية بتسليم الجزر لإيران)،  سيوجد الاحتكاك، وسينزلون في رأس الخيمة ولا يمكن تردون عليهم، حيث إن عندهم قوة، والمملكة لا تملك قوة لمواجهتهم، ونحن نريد الاستقرار، ولكن هذا سيتعبنا كثيراً».  

 
تهديدات إيرانية متواصلة  

خط تقسيم جزيرة أبوموسى بين إيران وإمارة الشارقة وفقاً لمذكرة التفاهم. (الجزء الشمالي) الخاضع لسيطرة إيران، (الجزء الجنوبي) الخاضع لولاية دولة الإمارات.

لم تقتصر التهديدات الإيرانية لحاكمي الشارقة ورأس الخيمة على تصريحات الشاه، وإنما أضحت لغةً استمرأتها ألْسِنةُ المسؤولين الإيرانيين، ومنهم (علي فهرا زيان)، الذي كان مسؤولاً في جهاز المخابرات (السافاك)، الذي زار الشارقة رسمياً في شهر أبريل 1969 لمقابلة حاكمها الشيخ خالد بن محمد القاسمي، وقدم عروضاً لترغيب الحـاكم ودفعـه للتنازل عن جزيرة أبوموسى. 
 
محمد رضا بهلوي.. أطماع معلنة. 
 
فقد كشفت إحدى الوثائق البريطانية الحوار الذي دار بينه وبين الشيخ خالد، والذي جاء فيه، ضمن أمور أخرى، أن (فهرازيان) طلب من الحاكم التنازل عن الجزيرة بهدف بناء قاعدة عسكرية فيها للدفاع عن المنطقة مقابل التخلي عما تحويه من ثروات بترولية ومعدنية لإمارة الشارقة، وفي اللقاء أخرج (فهرازيان) خريطة وأشار فيها إلى أن خط الوسط المقترح للفصل بين الأملاك الفارسية والعربية في الخليج يجب أن يمتد ليمر من جنوب جـزيرة  أبوموسى، بحيث تصبح الجزيرة ومياهها الإقليمية ضمن السيادة الإيرانية؛ وقال (فهرازيان) بلغة ترهيب وتهديد مبطن: «إن إيران ببساطة لا تنوي أن تستولي على هذه الجزيرة بالقوة كما أخذت الهند «جوا» أو كما أخذ اليهود فلسطين التي لن يتمكن العرب من استردادها مرة أخرى».  
 
التسوية القانونية للنزاع الإماراتي ــ الإيراني 

غوغل إيرث

أهم ما يميز كتاب «التسوية القانونية للنزاع الإماراتي - الإيراني» على الجزر الثلاث، الذي هو في الأصل أطروحة ماجستير تبنّت جامعة الدول العربية نشرها في كتاب، في سابقة هي الاولى من نوعها، مستواه العلمي، إضافة الى كونه يلامس بعداً مهماً من أبعاد العلاقات العربية الإيرانية، والمتمثل بالنزاعات الحدودية. وفي الواقع تعتبر قضية الاحتلال الايراني للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى، حائلاً دون تطوير العلاقات الخليجية - الايرانية خصوصاً، والعربية - الايرانية عموماً. إذ إن سياسة ايران تجاه منطقة الخليج هدفها التمدد الاقليمي خارج حدود الدولة. وهذا هو واقع الحال منذ أيام حكم الشاه حتى الآن، وإن اختلفت الاساليب وتنوعت الأدوات. 

 

لهذا فإن اثارة اسئلة تتعلق بالاهمية الاستراتيجية للجزر الثلاث، ووضعها القانوني قبل قيام دولة الاتحاد وبعده، والأسانيد التي يعتد بها الطرفان الاماراتي والايراني للتأسيس لحقه في الجزر الثلاث، ورأي القضاء الدولي في تلك الاسانيد، باتت مسألة لا غنى عنها في مشوار البحث عن تسوية سلمية للنزاع بين الجانبين.

 

يقع الكتاب في 469 صفحة من القطع الكبير، ويضم خمسة فصول، الاول منها يتعرض للوضع التاريخي والسياسي للجزر قبل قيام دولة الامارات، ويناقش الدور الذي لعبه القواسم في صراعهم مع البريطانيين والفرس، اضافة الى الاهمية الاقتصادية والاستراتيجية للجزر. بينما يناقش الفصل الثاني الوضع القانوني للجزر بعد قيام الدولة، ويتعرض لموقف القانون الدولي من مذكرة التفاهم حول تقسيم جزيرة أبوموسى، والآثار المترتبة على احتلال الجزر الثلاث وأهمية تسوية النزاع بالطرق القانونية.


أما الفصل الثالث فيتعرض لأسانيد السيادة لكل من دولة الامارات وإيران على الجزر الثلاث، ويشرح بالتفصيل أسانيد السيادة الاماراتية والحق التاريخي العربي في الخليج وجزره، ودعائم هذا الحق. كما يناقش الحق القانوني في الجزر وممارسة وظائف الدولة عليها. ويأتي على أسانيد السيادة الايرانية، ودعاوى الحق التاريخي الفارسي في الخليج وجزره. 

 

وفي الفصل الرابع يتعرض الكاتب لأسانيد طرفي النزاع في ميزان القضاء الدولي. اما الفصل الخامس والأخير  فيتعرض بالتفصيل للنزاع على الجزر في ضوء المبادئ القانونية الحاكمة لتسوية المنازعات الحدودية والاقليمية، مع الاستشهاد بنماذج نزاعات حُلت قانونياً كالنزاع على طابا بين مصر وإسرائيل، وجزيرة حنيش بين اليمن وإريتريا. ونظراً لاهمية هذا الكتاب فقد وجدنا أن نقدم له عرضاً على خمس حلقات، إضافة لحلقة خاصة للوثائق التي تعرض للمرة الاولى ليس بهدف تثبيت حق ثابت، وإنما تعميماً للفائدة.    


                                 «2 ــ 6»   

 
 
 
عبداللطيف الصيادي 

يعمل محاضراً بأكاديمية شرطة دبي.
وهو حاصـل على ماجسـتير في القانـون الدولي العام، ودبلوم دراسات عليا في القانون الدولي العام. 
وحائز على شهادة ليسانس شريعة وقانون.    
 
   
تويتر