Emarat Alyoum

سباق الأمم

التاريخ:: 02 أبريل 2008
المصدر:

منذ أن كتبت في الأسبوع الماضي عن تقنية «المناجم البحرية» التي تحل قضية التلوث، وتضاعف كمية المياه الناتجة عن محطات التحلية، وتفتح آفاقاً رحبة أمام العديد من الصناعات التعدينية، تلقيت عشرات الاستفسارات من جهات حكومية وشركات خاصة وأساتذة في الجامعات وأفراد عاديين، يتساءلون عمّا إذا كان ما كتبته حقيقة أم نوعاً من الخيال العلمي؟!
 
 وفي الحقيقة، فإن الدول والأشخاص الذين سيكتب لهم أن تولد هذه التقنية على أيديهم سيدخلون التاريخ من أوسع أبوابه، لأنه من رحم هذه التقنية ستخرج ثورة علمية واقتصادية وبيئية، تغير مفاهيم التنمية الاقتصادية، وتعيد رسم مساراتها وتضع لها قوانين وآليات عمل جديدة.
 
 وعلى حد علمي، هناك ثماني دول تتبارى الآن من أجل امتلاك ناصية هذه التقنية وفك شفرتها، هي أميركا وروسيا واليابان وألمانيا والصين والسويد والدنمارك وإسرائيل، ومن سيكتب له التفوق ستكون له الكلمة العليا في تشكيل المستقبل وصياغة قواعد لعبة التنمية، في عالم يشهد حرباً ضارية على الموارد وبصفة خاصة المياه.
 
وإذا كانت هذه التكنولوجيا مهمة للعالم بصفة عامة، فإنها حيوية ومصيرية للشرق الأوسط، الذي يعد أندر مناطق العالم في المياه، وبصفة خاصة منطقة الخليج التي تملك وحدها نصف محطات تحلية المياه الموجودة في العالم، والتي تمثل الرئتين اللتين تتنفس بهما.
 
وبكل تأكيد فإن دبي نجحت في أن تكون مركزاً عالمياً ناجحاً في المال والأعمال والسياحة والطيران وأشياء أخرى كثيرة، ولكن رؤية دبي أعمق وأشمل من ذلك بكثير، ولا تتوقف عند حد بناء أعلى برج أو إقامة أكبر ملعب للغولف أو أطول مضمار للسباق، وإنما تطمح لأن تكون مركزاً عالمياً للبحث العلمي والتطوير وعلوم المستقبل لتطوّع التكنولوجيا وتسخرها في البحث عن حلول لمشكلات المياه والتنمية والبيئة، ومواجهة تحديات المستقبل برؤية لا تنتظر الأحداث وإنما تصنعها.
 
هل يمكن أن نتخيل مثلاً حجم الوفر في الاستثمارات نتيجة مضاعفة حجم المياه المتاحة دون أن نبني ولو محطة واحدة جديدة لتحلية المياه؟
 
وهل يمكن أن نتخيل حجم الدمار والعدوان الذي تتعرض له الثروة السمكية والتنوع الأحيائي في البيئة البحرية نتيجة ارتفاع الملوحةألا بسبب المياه التي تصرفها محطات تحلية المياه في البحر؟
 
وهل يمكن أن نتخيل أن الخليج في عصر ما بعد البترول لديه مناجم لا تنضب من المعادن النفيسة ليس أقلها اليورانيوم والليثيوم والمغنيسيوم والذهب والنحاس، والتي تشكل عصب أي صناعة متقدمة؟
 
 إن قضية المياه ستبقى ولمئات السنين العنصر الحاسم في مستقبل شعوب المنطقة، والحد الفاصل بينألا الحرب والسلام، والهمجية والحضارة، والفوضى والاستقرار، والتخلف والتنمية، ومن لا يستطيع أن يبدأ اليوم قد لا تتاح له الفرصة لكي يبدأ أبداً، لأن قطار المستقبل لا ينتظر أحداً، والذين لا يجدون مكانهم بين مقاعده يجدون مكانهم تحت عجلاته.