هذا لا يعني أنني أقف في الخندق ذاته، وأقاتل لأجل الهدف ذاته أيضا. ولكنه يعني إعجابي اللامتناهي بمقدرة هؤلاء الشعراء على الإيمان بمشروعهم الإبداعي، بصرف النظر عن رأينا فيه. لقد نجح شعراء قصيدة النثر في اجتياز العديد من العقبات التي واجهت مشروعهم. وأستطيع القول إنهم ربحوا معاركهم التي خاضوها واحدة إثر أخرى. ولكنهم لم يكلّوا ولم يتعبوا، رغم الجراح التي ترك بعضها ندوبا وبعضها لم. ولا يفوتني التنويه بأنهم هم الذين أثاروا هذه المعارك أكثر من خصومهم. هم الذين افتعلوا العديد من الخصومات مع آخرين موجودين وآخرين مفترضين، من أجل الدفاع عن مشروعهم، وتقديمه في كل مرة بكل ما يستجد لديهم من إضافات أو شروحات وإضاءات، مقرونة دائما بكثير من الكتابات في سياق المشروع نفسه. تمكن شعراء قصيدة النثر من وضع أنفسهم موضع تشكيك ومساءلة واستجواب، وقاموا بالرد على ذلك كله كجيش متماسك، أمام مشهد ثقافي عربي اتسم بالتفكك والتناثر وانعدام الانسجام حيال قضية واحدة. أثاروا كثيرا من الزوابع حول أنفسهم، ونجحوا في الخروج من دواماتها سالمين قادرين على مواصلة السير في قافلة متراصة. ظلوا سنوات يصرخون، تعبيرا عن الضيم الوهمي الذي يحيق بهم، بينما هم في الواقع يحققون انتصارات في أكثر من جبهة وجدوا عليها.
وما نزال نقول، إن أحداً لن يتمكن من الوقوف في وجه قصيدة النثر، وسوف تصل هذه القصيدة إلى مسافة ربما لم تتخيلها من قبل، ولن نعترض. ولكن، دعونا نرى أولا ما الذي سوف يستبطنه هذا المشروع الشعري، لأن ما رشح حتى الآن لا يكفي لاعتماده بديلاً كلياً على خارطة الشعر!
damra1953@yahoo.com |