المشاركة والمقاطعة

يوسف ضمرة


تعالت أصوات عربية عدة، من المثقفين والكتاب والأدباء العرب، تدعو إلى المشاركة في معرضي باريس وتورينو، على رغم دعوة الكيان الصهيوني ضيف شرف على المعرضين، في الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين، وإقامة الكيان العنصري على أرضها. حجة هؤلاء، هي أن الغياب العربي يترك المنبر شاغرا للعدو وحده. والغياب العربي يُعلي من صوت العدو أكثر، ويجعله أكثر وضوحا، ما دام ليس هناك صوت آخر مناقض له بالحجة والدليل والوثيقة والتاريخ والفن والأدب.

 

هؤلاء يريدون إيهامنا بأن المشكلة تتمثل في الغياب العربي، وفي الحضور الصهيوني، ما يجعل الغرب أسير صوت واحد فقط. الآن، يريد بعض الليبراليين العرب الجدد، إقناعنا أن مشاركتنا في هاتين التظاهرتين الثقافيتين، ستقلل من الحضور الكبير للعدو الصهيوني، وتفرده بالمواطن الغربي.


ويريدون إقناعنا أن المقاطعة فعل سلبي لا جدوى منه، ولا طائل من ورائه. لأن الصوت العربي سيظل مكتوما وحبيس الصالات العربية والمنابر الإعلامية العربية التي لا تصل إلى القارئ الغربي الذي لن يكون في مقدوره الاطلاع على وجهة النظر العربية في هذا الموضوع، ما يعني انحيازه بالضرورة إلى وجهة النظر الصهيونية. وهو انحياز لا يمثل قناعة حقيقية، بمقدار ما هو محصلة غياب صوت أساسي، وحضور صوت واحد فقط.


وعلى الرغم من أن النيات الحسنة لم تعد واردة كثيرا في هذه الأيام، إلا أننا سنظل نفترض وجودها عند أصدقائنا الليبراليين الجدد.. دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكنا نقول لهم: هل المقاطعة حقا فعل سلبي؟ وهل المقاطعة فعل عبثي؟ وهل المقاطعة هي فعل الضعفاء والمجردين من الحجة والرواية التاريخية المقنعة؟ وهل المقاطعة لا تترك أثرا في المشهد الغربي، ولو كان هذه الأثر سؤالا أو شكوكا أو ظنا أو محاولة للتفكير في السبب والعلة؟


لم يعد أحد يشك اليوم في جهل العالم الغربي بالقضية الفلسطينية. وخصوصا تلك النخب الثقافية والسياسية في ذلك العالم. ولنكن واثقين بأن هذا العالم يعرف جيدا، وخصوصا بعد ثورة الاتصالات في العقود الأخيرة، ما يحدث في فلسطين، بل وما حدث في الأصل منذ اليوم الأول.


 انظرواـ فقط ـ كم مؤسسة مدنية ورسمية غربية تحاول الإسهام في إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. فهل هذا دليل معرفة أم دليل جهل؟ المقاطعة فعل كالمشاركة تماما. صوت. إعلان وموقف. وهو من أكثر المواقف والأفعال سهولة في الوصول، ومن أكثرها إثارة للتساؤلات والبحث فيما وراءها. والمقاطعة احتجاج أعلى من احتجاج الصوت على المنابر. وهو احتجاج يصيب العقل الغربي في جوهره، ويخزه في أكثر مواضعه حساسية وتأثرا. 


سوف يطرح الغربي سؤالا جوهريا: وبعد؟ وإلى متى؟ وسيدرك أن ستين سنة من الظلم الذي وقف الغرب وراءه ومعه، لم تجعل الطرف الآخر قابلا للنسيان والغفران والتسامح. فالوطن لا يحتمل النسيان والغفران والتسامح!


المقاطعة فعل يتعدى الاحتجاج إلى العقاب أيضا، حين يشعر الغرب أن بعض سهام الغضب تصيبه أيضا بسبب احتفائه واحتفاله بكيان غاصب. ونقول إلى هؤلاء: لقد أوصلنا صوتنا إلى العالم كله. بل ويمكن القول من دون مبالغة، إن هذه «المرونة» العربية، والخيار الاستراتيجي! كانا سببا كبيرا في غض الطرف عن جرائم العدو الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، على مرأى  العالم كله ومسمعه.

damra1953@yahoo.com
تويتر