Emarat Alyoum

جماليات الغياب

التاريخ:: 03 مارس 2008
المصدر: زياد خداش
 خلود وقوة الحب في القلب يحتاجان إلى نقصان فيه، هزيمة ترجه، توقظ فيه الجمال الكامن، جراح ما أو آثار خطوات دامية لتنين شرس لا أعرف اسمه، صخرة ثقيلة تحاول سد طريقه وخنق أنفاسه، الحب مخلوق غامض لا يحب الطرق المعبدة،

تراه دوما في الجبال والوديان، يقتات على الشجر، ولا يشرب إلا ماء البحيرات المليئة بالتماسيح، يتنقل عبر الهواء بين مكان وآخر، لا يؤمن بالأحذية والمدارس والأديان والملابس، والمؤسسات، عارٍ هو تماماً،
 
صديق للريح، هو طفل الثلج وخازن لروح الشمس، وحافظ سر المطر، بري جدا وطري حد التحطم. ويابس حتى القسوة. هو ملتقى الفصول كلها، بل الفصول نفسها. هو أشقى تعبير عن حيلة الطبيعة في ترتيب الحياة،

لكن الخدعة لا تنطلي على الطبيعة نفسها، إذ انها سرعان ما تتفاجأ بنفسها ترفض هذا الخداع الجميل، فترتب النهايات الفظيعة المناسبة وتبتكر البدايات الحلوة، التي تقود دوما إلى ملل ورتابة، ثم موت وحنين.
 
الحب الذي يبقى هو ذلك الذي يقف دائما على حافة قلق وخوف أو انهيار، أما ذلك المكتمل والسهل والسريع والمستقر فهو خدعة سمجة، تنتظرنا على مفارق زمننا، لا حب حقيقيا دون صراع ودون نهايات مؤلمة وبدايات مراوغة،
 
ودون غياب، لا أتخيل عاشقا سعيدا لا ينهض في الليل قلقا على جسد حبيبته، من عيون صديقه أو زميله المفترسة، لا افهم عاشقا حقيقيا يستبعد خيانة صديقته له أو خيانته لها، ما هي الخيانات؟ إنها فرصة للتأمل، للمراجعة،
 
لنظر من زوايا أخرى نخافها، انه جرس إنذار لحريق سيأتي، منبه وفيٌّ لصباحاتنا المتأخرة، إنها جماليات الصلة مخبأة في ثوب جريمة أو اعتداء، الخيانات لا تعني عدم الحب أو انتفاءه،
 
بالعكس تماما إنها الحب نفسه معبرا عن ضجره من نفسه ومن الآخرين وباحثا عن مناطق جديدة ليجرب فيها انفجاراته الغريبة واتساعاته، المتناقضة والمتعددة، السعادة هنا تماما،
 
في الصراعات والتوترات والحنين والخوف وجنون القرارات والهرب والاندفاع والغباء، والبكاء والقسوة، أفكر الآن في قيس وليلى، أو روميو وجولييت، ماذا لو تزوج هؤلاء؟

أكنا سمعنا بحكاياتهم؟ إن نظرة ساحرة غير مفهومة وخائفة وجانبية واحدة من امرأة جميلة تمر بنا في الشارع أو تصادفنا في المستشفى، أو أي مكان آخر تعادل عندي علاقة كاملة وطويلة،
 
شاهدت مرة فيلماً أميركياً بطله رجل يبحث عن امرأة ابتسمت له من خلال زجاج حافلة مرت به وهو يجلس في شرفة منزله، ظل البطل يبحث عن المرأة المبتسمة دون جدوى،
 
ويقيني انه لو عثر عليها، لضجر ربما من طريقة حديثها أو فقدان عينيها للعمق أو غباء تحليلها للأمور، لكن مخرج الفيلم كان ذكيا جدا، فقد أنهى الفيلم بخطوات البطل المتعبة وهو يبحث عن المرأة في مواقف الحافلات في الولايات كافة.
 
البرق هو سر الحب، وجهه، وعنوانه وموطنه، يومض بسرعة، ويختفي، لكنه يعود من حيث لا ندري، لا وقت له، لا تفسير لشكله. كما الأشياء المدهشة والساطعة التي تبقى في ذاكرتنا إلى الأبد حين تتعمد بالغياب والنقصان والجراحات والألم.
 
مكتوب على الجمال المرعب أن يكون ناقصاً، مشوهاً، محاصراً، مرفوضاً، أما الجمال المقنن والكامل والمقبول والمحتفى به والمتفق عليه فهو أشبه بمؤامرة على طبيعة البشر الحيوية والمتدفقة بالتنوع والمغامرة والطاقة والتحفز والركض،
 
لذلك فنحن نكاد نجن من متعة وجمال القبلة المسروقة في سيارة مركونة بخوف بجانب شارع. في يوم سائل يمطر بحزن ونعومة، الغياب هو البقاء   مرافئ   zkhadash@yahoo.com