Emarat Alyoum

«شربة» الحاج محمود!

التاريخ:: 29 فبراير 2008
المصدر:
قبل أن يكون هناك طب أو أطباء، كان المشعوذون ينادون في الأسواق على «شربة» الحاج محمود التي تطيل الأعمار وتجلي الأبصار وتحوّل العجوز إلى صبية وتجعل العميان يبصرون والبكم خطباء مفوهين.
 
وإذا كان علاج البشر قد تخلص من هذه الخرافات في القرن الحادي والعشرين فإن علاج الاقتصاديات مازال للأسف الشديد يعيش في جهالة العصور الوسطى، ومازال هناك من يعتقد أن هناك  دواءً واحداً لكل الأدواء، وأن ما يصلح لدولة بعينها يصلح بالضرورة لبقية الدول، حتى وإن اختلفت الظروف وتباينت الأسس والمعايير.
 
أقول ذلك بمناسبة الضجة التي أثارتها تصريحات محافظ البنك المركزي الأميركي السابق الان غرينسبان في المنتدى الاقتصادي بجدة، حيث قال إن تعويم عملات الدول التي تعاني اقتصادياتها من التضخم قد يكون هو الحل للخروج من مأزق التضخم، وقد فهم البعض خطأً أن غرينسبان يقصد الاقتصاديات الخليجية رغم انه حدد شرطاً مهماً لنجاح وصفته العلاجية،
 
وهو أن تكون الاقتصاديات التي تطبق ذلك قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من التنوع الاقتصادي، والبعد عن الاعتماد على سلعة واحدة مثل البترول، وهو شرط لا ينطبق على معظم الاقتصاديات الخليجية.
 
وما ينطبق على الأخذ بوصفة غرينسبان ينطبق أيضاً على الإصرار على المقارنة بين نموذج العملة الأوروبية الموحدة ونموذج العملة الخليجية الموحدة، فاليورو رغم كل ما حققه من نجاحات ليس النموذج الوحيد الذي يتعين على الجميع اقتفاء أثره، والمعايير التي طبقتها الدول الأوروبية قد لا تناسب بالضرورة معايير الوحدة النقدية الخليجية المقترحة،

التي يجب أن تكون نابعة من طبيعة وهيكل الاقتصاديات الخليجية. وليس من المعقول أن تتعاطى الاقتصاديات الخليجية التي حققت في المتوسط معدل نمو اقتصادي خلال السنوات الخمس الماضية يزيد على 5% منشطاً لخفض أسعار الفائدة الذي يحتاجه الاقتصاد الأميركي للهروب من شبح الركود،
 
لأن ما يواجه الاقتصاديات الخليجية حقاً هو التضخم وليس تحفيز النمو، والإصرار على الدواء نفسه سيؤدي إلى خروج التضخم عن نطاق السيطرة، وسيقود إلى مضاعفات مرضية أكثر خطورة.

ورغم أن مصدر التضخم في دولة مثل الإمارات هو إيجارات المساكن التي تشكل نسبة 65% من نسبة التضخم حسب تصريحات محافظ المصرف المركزي،
 
إلا أن البعض يتصور أن تقليد الكويت بفك الارتباط مع الدولار هو الحل، وهو إجراء لم يَحُل دون أن يقفز معدل التضخم في الكويت إلى 6.5%. إن قضية مواجهة التضخم هي أخطر قضية تواجه الاقتصاديات الخليجية الآن، والإصرار على أن يكون الحل موحداً للجميع سيخلق متاعب أكثر مما يحل من مشكلات،

وعلى كل دولة أن تحدد قائمة الخيارات المتاحة أمامها ومزايا وعيوب كل بديل في إطار حوار وطني مفتوح يأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأفراد والشركات والحكومات، وبعد ذلك تتخذ القرار الذي يحقق مصلحة الجميع، أما نظرية دواء لكل الأدواء فقد عفا عليها الزمن
.