Emarat Alyoum

أسباب اقتصادية وراء تفجّر العنـــــــف في كينيا

التاريخ:: 23 فبراير 2008
المصدر: عوض خيري

موجة العنف التي اجتاحت كينيا، وأودت بحياة أكثر من 700 شخص، وهجّرت 300 ألف منهم، اثر اعادة انتخاب موي كيباكي رئيساً للبلاد، يرجعها الكثيرون لاسباب عرقية او قبلية،
 
الا ان كثيراً من المحللين الاقتصاديين في شرق القارة الافريقية يشيرون الى ان السبب يعود في المقام الاول لاسباب اقتصادية. وكانت هذه القلاقل والازمة الانسانية قد تفجرت بسبب اعادة انتخاب موي كيباكي رئيساً للبلاد وسط ادعاءات المعارضة - بقيادة زعيم الحركة الديمقراطية البرتقالية المعارض رايلا اودينغا - بحدوث تزوير في الانتخابات، وتقارير المراقبين الدوليين التي تتحدث عن تجاوزات بليغة في عملية الادلاء بالاصوات.

احد كتاب الاعمدة الصحافية المشهورين في الصحف الكينية يشير الى ان المشاغبين في المناطق الحضرية كانوا يحرقون منازل جيرانهم سواء كانوا ينتمون لحزب كيباكي، حزب الوحدة الوطنية، او الحزب المعارض لا لشيء سوى التنفيس عن ظلمهم الاجتماعي. ومع ان المشاغبين هاجموا مجموعات عرقية بعينها - يوجد في كينيا اكثر من 40 قومية - فإن الجزء الاكبر من التوتر الذي قاد لتلك الاحتكاكات لم يكن ناتجاً عن نزاعات عرقية، بل وفقاً لافتتاحية صحيفة «زي صن داي نيشن» الكينية، بسبب النظام الاقتصادي في البلاد، حيث ان «كينيا تتبنى نظاماً رأسمالياً وحشياً لا يتسم بالانسانية، والذي يشجع على التنافس الشرس، من اجل البقاء والثروة والقوة، فالذين يفشلون في هذا التنافس يعيشون كالبهائم في المدن العشوائية».


 مظالم اجتماعية

يعيش في العاصمة الكينية اكثر من 60% من السكان في منازل من الصفيح والاخشاب، والبعض من هذه المنازل يقع على مرمى حجر من الاحياء المترفة. ووفقاً لتقرير بعنوان حقائق وأرقام عن الظلم في كينيا، اصدرته جمعية التنمية العالمية ومقرها نيروبي، فإن كينيا تأتي في الترتيب العاشر عالمياً والخامس افريقياً من حيث التفاوت في اقتسام الثروة.

ووفقاً لاحصائيات برنامج التنمية التابع للامم المتحدة لعام 2004 فإن اغنياء كينيا يكسبون 56 مرة اكثر من فقرائها، وإن 10% فقط من السكان يسيطرون على 42% من ثروة البلاد. ويعتقد الكاتب الصحافي في الـ«فايننشيال تايمز» البريطانية، مايكل هولمان، بأن «الفجوة تتسع بين الاثرياء والمعدمين، ومن ينظر الى هذه الازمة فقط من منظار الولاء القبلي والصدامات العرقية يفته عنصر حيوي في الصورة الكينية»،

ويواصل بقوله: «تضاعف عدد السكان خلال الـ 25 عاماً الماضية ليصل الى 31 مليون نسمة، وتتزايد اعداد البطالة، والذين لا يملكون اراضي، وهؤلاء هم الذين يفضلون الخروج للشارع مدفوعين باليأس والقنوط الذي يتجاوز النعرات القبلية لانه ليس لديهم ما يخسرونه». 

معضلة الفساد

وهناك المنافسة المريرة حول الاراضي الخصبة الشحيحة لاسيما في منطقة الوادي المتصدع، وهي المنطقة التي شهدت اسوأ اعمال العنف العرقي. فالانقسام الحقيقي في كينيا ليس بين المجموعات العرقية بل بين الاغنياء والفقراء،

ويرى احد المحللين «ان الفساد يمثل معضلة المعاضل في كينيا، وكما هو الحال في كثير من الدول الافريقية الا ان النفاق الغربي لا حدود له»، ويضيف «ولهذا السبب يصف العالم الغربي كينيا كدولة ديمقراطية لانها حليفة له على الرغم من ديكتاتورياتها طويلة الامد، ولا يصبح الفساد امراً مهماً الا اذا هدد مصالح الشركات الغربية».
 
المنتقدون لكيباكي، الذي وصل للسلطة عام 2002، يتهمونه بالفشل في معالجة الخلل في اقتسام الثروة، والتركيز بدلاً من ذلك على التنمية الاقتصادية خلال السنوات الخمس الماضية. وقبل مجيئه للسلطة وسط فرحة غامرة، وأمل بعد 24 عاماً من الحكم الاتوقراطي، تحت قيادة دانيال اراب موي، تدنت نسبة التنمية في البلاد الى 1.6% بالسالب،

 
ووصلت العام الماضي تحت رئاسته الى 5.5%، وكان الاقتصاديون قد توقعوا قبل الانتخابات ان تصل الى 7% هذا العام. الا ان هذا النمو كان انتقائياً في الاشخاص المستفيدين منه، في الوقت الذي يرى فيه الفقراء ان القوة الشرائية للعملة المحلية (شيلنغ) تتضاءل امام هذا النمو.

تقول ايجنيس نالياكا، التي تقطن منطقة عشوائية، انه قبل مجيء كيباكي للسلطة «كنا نشتري السكر بقيمة 45 شيلنغ، ووصل الان إلى 65 شيلنغ، وكان كيلو زيت الطهي 50 شيلنغ ليصل اليوم الى اكثر من 100 شيلنغ»، مشيرة الى ان اسعار الايجار في المدينة العشوائية تضاعف خلال السنوات الخمس الماضية. 

خلفية تاريخية  

عام 600 بدأ العرب يستوطنون المناطق الساحلية؛ ليطوروا عبر القرون محطات تجارية سهلت اتصال شرق افريقيا بالعالم العربي والهند والامبراطورية الفارسية.
 
وفي القرن السادس عشر حاول البرتغاليون ايجاد موطئ قدم لهم في الساحل الكيني، الا انهم تراجعوا امام قوة الدول الساحلية والعمانيين العرب اواخر القرن السابع عشر الميلادي. 

وفي 1830 سيطر العمانيون على الساحل الشرقي لافريقيا، وفي 1895 تشكلت المحميات البريطانية في شرق افريقيا، وفي اوائل القرن العشرين استوطن البيض المناطق العليا من كينيا، ومدوا خط السكك الحديدية من ممباسا الى بحيرة فكتوريا. 

وفي 1920 اصبحت محميات شرق افريقيا تابعة للتاج البريطاني في كينيا ويشرف عليها الحاكم البريطاني.

في 1944 شكل الاتحاد الكيني الافريقي حملة لاستقلال البلاد عن بريطانيا، وفي 1947 اصبح جومو كنياتا زعيماً للاتحاد. لكن في 1952 بدأت مجموعة تعرف بالماوماو شن حرب عصابات ضد المستوطنين البيض، وأعلن الحاكم العام حالة الطوارئ، وأودع كنياتا السجن، لادانته بإدارة الماوماو، وتم فرض الحظر على نشاط الاتحاد، ولم يفرج عنه الا عام 1952 الا انه ظل قيد الاعتقال التحفظي.

وفي عام 1960 رفعت حالة الطوارئ، وبدأت بريطانيا خططاً لاعداد الكينيين لحكم الاغلبية، وبموجب ذلك تم تأسيس حزب الاتحاد الوطني الافريقي الكيني، على يدي توم مبويا وأوغنغا اودينغا.
 
نالت كينيا استقلالها عام 1963 وتم تعيين كنياتا رئيساً للوزراء. وفي 1964 تم تأسيس الجمهورية الكينية ليصبح كنياتا رئيساً لها، وأودينغا نائباً له.

وفي 1966 ترك اودينغا من قبيلة لو الحزب بعد انشقاق عقائدي ليؤسس حزب الشعب الكيني. فجر اغتيال الوزير توم مبويا القلاقل العرقية في البلاد، وحظرت الحكومة حزب الشعب الكيني واعتقلت اودينغا، مفسحاً المجال امام حزب الاتحاد الافريقي ليخوض الانتخابات بمفرده.
 
وفي 1974 اعيد انتخاب كنياتا. توفي كنياتا عام 1978 خلال رئاسته ليخلفه نائبه دانيال اراب موي. وفي يونيو 1982 اعلن المجلس الوطـني كينيا دولة ذات حزب واحد. وفي اغسطس 1991 شكل ستة من زعماء المعارضة منبر استعادة الديمقراطية بينهم اودينغا، وحظرت الحكومة الحزب واعتقلت اعضاءه.

وفي 1991 قرر مؤتمر عقده الحزب الحاكم السماح بتعدد الاحزاب. وفي 1992 اعيد انتخاب موي عندما حصل حزب الاتحاد الوطني الافريقي الكيني على اغلبية كبيرة، وفي 1997 حصل موي على فترة رئاسية اخرى في انتخابات سادتها موجة كبيرة من الانتقادات، وكان من بين معارضيه نائبا الرئيس السابقين كيباكي اودينغا، ابن اوغينغا اودينغا.

في ديسمبر من عام 2002 كسب كيباكي نصراً ساحقاً على اوهورو كنياتا زعيم حزب الاتحاد الوطني الافريقي الكيني منهياً 24 عاماً لموي في السلطة، وأربعة عقود لحزب الاتحاد الوطني الافريقي الكيني في السلطة
.