Emarat Alyoum

مضاد حيوي

التاريخ:: 18 فبراير 2008
المصدر: يوسف رفايعة

 

الأميركيون في مأزق، اقتصادهم في مأزق، وسياستهم في مأزق، ودولارهم في مأزق، لكنهم يعالجون الأمر بأفضل الطرق الممكنة، ويبدو أن بن برنانكه رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يحاول «ترقيع» انفلات السياسات النقدية في الماضي، والتي لم يجد الرجل أي تفسير لها، سوى إلقاء اللوم على آلان غرينسبان، هذا الاقتصادي العتيد الذي سبق برنانكه في رئاسة المجلس، ووضع أهم النظريات الاقتصادية في العصر الحديث.


المهم، يحاول الأميركيون الآن الحيلولة دون انحسار اقتصادي، ويواصلون خفض سعر الفائدة بلا هوادة، وهم مقبلون على خفض جديد هذا الأسبوع، والخفض هنا يعمل بمثابة المضاد الحيوي لالتهاب الحلق، المفعول بطيء لكنه فعّال وشافٍ، هذا إذا كان لديك التهاب في الحلق، أما إذا كنت تعاني حموضة في المعدة، مثلاً، فإن ذلك المضاد لن يفيدك في شيء، بل سيزيد الأمر سوءاً، تماماً كما يحدث الآن في الدول التي تربط عملاتها بالدولار، وتتبع خطى «الاحتياطي الفيدرالي»، ونحن من تلك الدول، حيث خفض الفائدة مؤلم كمن يرشّ الملح فوق الجروح!


الكويت، إحدى الدول التي تنبهت إلى ضرورة فكّ الارتباط بالدولار الضعيف، وهو قرار صعب، ذو تبعات كثيرة، لكنها اتخذته معتمدة على نفسها في تحديد مسار عملتها، وحتى الآن نراها تنجح في ذلك. السعودية الآن تفكر جدياً في رفع قيمة الريال أمام الدولار، والإمارات أيضاً، لكن الأمر غير واضح تماماً في ظل تضارب التصريحات التي تصدر عن المصرف المركزي الذي يقول تارة إنه يفكر في الأمر، وتارة أخرى إنه لن يقوم بخطوة منفردة عن دول الخليج، وقبل ذلك تلويحات بفك الارتباط مع الدولار، ولا يخفى على أحد أثر تلك التصريحات في الأسواق محلياً وعالمياً.


نعود إلى المضاد الحيوي، ونسأل عن الإجراءات التي نتخذها لمكافحة التضخم وزيادة المعروض النقدي في البلاد، وتبعية الدرهم للدولار الذي يجرّه إلى أسفل، ونتساءل عن رفع قيمة الدرهم ومتى سيحدث ذلك؟، وننتظر أيضاً أي توضيحات يمكن أن يقدمها لنا خبراؤنا الذين لم نعد نعرف ما هو موقفهم.


كثير من أولئك الخبراء، عندما سمعوا قبل أشهر تصريحات لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تحدث فيها عن وضع الدرهم وارتباطه بالدولار، استشفوا أن الارتباط باقٍ بشكل مطلق، خرجوا إلى الصحافة محذّرين من فكّ الارتباط، ومتغنّين بمآثر الدولار والارتباط به، ثم جاء محافظ المصرف المركزي ليقول كلمته الشهيرة إننا «وصلنا إلى مفترق طرق مع الدولار»، ليخرج أولئك الخبراء أنفسهم محذّرين من الإبقاء على الارتباط بالدولار، وداعين إلى فكّ الارتباط «العاجل» لحماية العملة الوطنية! 


وإذا كان صنّاع القرار في البلاد يعتمدون على هؤلاء الخبراء في تحديد أفضل «مضاد حيوي» لمعالجة الوضع، وإذا كان الخبراء أنفسهم يميلون مع الريح، فكيف لنا أن نعرف ما هو الأفضل لنا، هل نبقى نتبع خطى «الاحتياطي الفيدرالي»؟ أم نبحث عن مضاد حيوي مفيد لحالتنا دون أن نرجع إلى الخبراء؟ أم نلجأ إلى التداوي بالأعشاب، أو ربما إلى أولئك الذين يصنعون التمائم!