Emarat Alyoum

أستراليا تقرّ بأخطائها بحق سكانها الأصليين

التاريخ:: 18 فبراير 2008
المصدر: إعداد: مكي معمري

 

بعد قرابة قرنين ونصف القرن من التفرقة وسوء المعاملة، قررت الحكومة الأسترالية أخيرا أن تقدم على لسان رئيس وزرائها كيفين رود اعتذارا رسميا، وتاريخيا، للسكان الأصليين في البلاد.
 
 
 ومن أسوأ ما وقع على السكان الأصليين أو ما يعرف بـ«الأبورجينز» من ظلم، ما سمّي بسياسة الاستيعاب، التي تم بمقتضاها انتزاع آلاف الأطفال الأصليين من عائلاتهم ليتم تربيتهم وتنشئتهم وسط  أسر بيضاء، خلال الفترة التي امتدت من أوائل القرن العشرين حتى عام .1970
 
ووصف رود في كلمة أمام البرلمان السياسات السابقة بأنها «خطأ عظيم»، وقال «نقدم اعتذارنا عن القوانين وسياسات البرلمانات والحكومات المتعاقبة التي ألحقت المعاناة وتسببت في الخسائر لمواطنينا الأستراليين.».
 
وطلب المسؤول الأسترالي «الصفح» عن المعاناة التي لحقت بأجيال من الأبورجينز وأحفادهم وعائلاتهم. ومن بين ضحايا سياسة الاستيعاب،   زيتا والاس(68 سنة) التي تم نقلها من مسقط رأسها لتعيش بين أسرة أوروبية الأصل، في 1947، 

وكان عمرها آنذاك سبع سنوات. وتقول والاس أنها لم تكن سعيدة مع عائلتها المضيفة، وترى أن اعتذار الحكومة لن يعوض السنوات التي سرقت من جيل كامل من الأستراليين الأصليين. وفي المقابل يدافع البعض عن تلك السياسة بالقول إنه إلى جانب سلب الأطفال من عائلاتهم،

وفر الرجل الأبيض الحماية والتعليم وفرصة الإندماج في الحياة المعاصرة، للكثير من هؤلاء الأطفال. ويرى المدافعون أن الأمر الذي لايجب إغفاله في هذه المسألة، هو دور العائلات المضيفة في انتشال أطفال السكان الأصليين من البؤس، والإهمال وسوء التغذية،
 
وهو الوضع العام الذي كان يعيشه معظم الأبورجينز، حسب رأيهم.  أبناء الشيطان تقول ولاس، ان التعويض المادي لا يهمها كثيرا، ولكن من شأنه أن يسد خللا كبيرا، وأن يساعد أسرا كثيرة تعاني الفقر والتهميش.
 
 
 وتضيف متحسرة، «نحن شعب مهزوم، دون هوية اعتزاز بالنفس..» وتستطرد والاس التي عادت إلى موطنها الأصلي قبل سنوات ،
 « فقد شعبي الرغبة في الحياة، وانتقل هذا الشعور إلى الأجيال الجديدة، الأمر  الذي دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى شرب الخمر وتعاطي المخدرات، كما يلجأ عدد كبير من شبابنا إلى الانتحار.»
 
وتستذكر والاس بعض اللحظات المهمة في حياتها، «كانوا يمنعوننا من التحدث بلغتنا الأصلية.. كانوا يقولون إننا لانؤمن بالله وأننا أبناء الشيطان».
ولم يكن الأطفال المنتزعون من عائلاتهم يعرفون شيئا عنها، وكان المشرفون عن تنشئتهم يقولون لهم إنه ليس «لديكم عائلات».
 
 
 ويقول ضحايا حقبة سياسة الاستيعاب إنها شهدت العديد من التجاوزات، منها الاعتداءات الجنسية والاستغلال الجسدي. خصوصية  اجتماعية عاش سكان استراليا الأصليون، مجموعات بدائية في شكل قبلي. وتكونت كل مجموعة من نحو 1500 فرد ترجع قلتهم في انهم يتوالدون في شهور معيّنة من السنة حسب معتقداتهم، ويعيشون على الصيد وجمع الثمار.
 
 
 اتخذوا من الكهوف المطلة على خلجان شمال استراليا الحالية مساكن لهم، واكتشفت آثار ترجع إلى 38 ألف عام قبل الميلاد قرب نهر «سوان» حول منطقة سيدني.

  ومثل ماحدث في أميركا، قام الأوروبيون بالتخلص من سكانها عند وصولهم إلى أستراليا، وإبادتهم في حملات منظمة، ولم يكلف الرجل الأبيض نفسه كثيرا لكي يتفهم احتياجاتهم أو يتعايش معهم.
 
 
 وربما يرجع السبب في هذا السلوك البعيد عن الحضارة والإنسانية، كون القارة الجديدة كانت منفى لمجرمي الإمبراطورية البريطانية العظمى، في ذلك الوقت، حيث وصل إليها 40 ألف مجرم منفي، على الأقل،  خلال الثماني سنوات الأولى لاستيطان أستراليا.
 
 
 يتحكم زعيم القبيلة، «الأنكاندوو»، في الموارد الاقتصادية للقبيلة ويتمتع بمكانة خاصة وله كامل الولاء والطاعة. واللافت للانتباه أن قبائل السكان الأصليين تتزاوج بشكل عشوائي جدا، فليس هناك ما يعرف عن شكل معين للأسرة، ونجد أن دور المرأة هامشي جدا، فالرجل يصنع الدروع والحراب ويذهب للصيد، ثم يطهو الطعام.
 
وتتحدث تلك القبائل 250 لغة ولهجة مختلفة أشهرها «الوارلبيري» و«البيتغانغاترا» .

 
 نفور من المدَنِية قامت الحكومة الاسترالية في السنوات الأخيرة بتنظيم حياة «الأبورجينز»، الذين يقدر عددهم بحوالي نصف مليون نسمة أي أقل من 3% من مجموع السكان، وذلك بإدخال برامج تعليمية عدة مزدوجة اللغات، لعدم وجود دراسات تطبيقية للغات الأصلية.
 
 
 غير ان الحكومة عملت ايضا على إدخال الديانة النصرانية في معتقدهم، وذلك ببناء الكنائس في أماكن تجمعاتهم، وحاولت جاهدة أن تضفي عليها لمسات من «المدنية الحديثة» وبعض المغريات، مثل إبراز فنانيهم ورسومهم، وتراثهم، وإقامة منظمات لحمايتهم، والدفاع عنهم.
 
 
ولكن إلى الآن بقيت هذه القبائل البدائية رافضة لمدنية الرجل الأبيض في مجملها غير آبهة بتقنياتها الحديثة، حيث فضلوا الخروج من كهوفهم ومساكنهم البدائية بعد جهد، إلى قرى نموذجية معدة لهم،
 
ولكنها بعيدة جدا عن عمران المدن، حول سهول وسط أستراليا، وبقيت سمة مهمة، وهي أنهم وإن كانوا إحدى أقدم الحضارات الموغلة في التاريخ، الموجودة بصفة حية بيننا الآن، فإن دورهم الحالي اقتصر على إسعاد السياح وجذب الباحثين والدارسين لتطور الجنس البشري.
 
 سياسة الاستيعاب 
 يقول تقرير «العودة إلى الموطن» الذي صدر في 1997  إن مالا يقل عن 100 ألف طفل، تم أخذهم عنوة من عائلاتهم، وشمل ذلك أجيال متعاقبة.

ويشير التقرير إلى أن واحدا من بين ثلاثة أطفال تم انتزاعه من عائلته، في الفترة مابين 1910 و.1970 هذا بالرغم من أن هذه العملية قد بدأت في الستينات من القرن التاسع عشر.
 
وترتكز  سياسة الاستيعاب على مبدأ «سيادة الأوروبيين». ويقول المؤرخون إنه إلى جانب استخدام القوة في أخذ أطفال السكان الأصليين، قام بعض هؤلاء بإعطاء أبنائهم طواعية. وتم وضع غالبية الأطفال في مؤسسات رسمية أو بعثات تابعة للكنيسة.
 
يذكر أن رئيس الوزراء الأسبق جون هاورد قد رفض تقديم الاعتذار لضحايا سياسة الاستيعاب. 

  تريفيرو، أول أسترالي من  السكان الأصليين يحصل على  تعويض مالي