Emarat Alyoum

الحفر على الجلد والنحاس.. فن وحرفة

التاريخ:: 16 فبراير 2008
المصدر: جويس شماس - دبي

 

كونه بلداً سياحياً بامتياز، لطالما عرف لبنان بانتشار الحرف والأعمال اليدوية التي تلقى إقبالاً لافتاً من السائحين، ورغم اختلاف الأسباب، والدوافع، يحاول عدد من الشباب اللبنانيين التعبير عن أحلامهم ومواهبهم، في الجناح اللبناني في القرية العالمية، في محاولة للحصول على الشهرة والانتشار وكسب المال، ثم العودة إلى وطنهم بغية توسيع أعمالهم والعمل على تحقيق رغباتهم.

 
 
قلادة الصبا
في عيد ميلاده السادس عشر، تلقى تسولاغ «سلسالاً» تتدلى منه قلادة على شكل حوت هدية صغيرة من والدته، وما لبثت الهدية أن نالت إعجاب أصدقائه ورفاقه في نادي الكشافة، فطلب من والدته شراء المزيد بغية بيعها للأصدقاء والاستفادة من ثمنها.

بدأ تسولاغ عمله في مجال الأكسسوارات، كتجارة وباب للربح المادي، لكنها تحولت إلى حرفة يدوية حين قرر تصميمها وابتكار اشكالها بنفسه؛ شعر بأنه يملك القدرة على اختراع أشياء جديدة وغير موجودة في السوق المحلية، وبامكانها ان ترضي جميع الأذواق.

وعلى الرغم من دراسته المحاسبة، امتهن تسولاغ مهنة تصميم الحلي من سلاسل وخواتم وأقراط وأساور وحقائب يد وأحزمة. بالإضافة إلى ذلك، شرح الشاب اللبناني أنه يرسم على الجلد والنحاس أو بمعنى آخر يحفر على الجلد الطبيعي أو النحاس.
مستعملاً إحدى أدوات الصاغة، يمسك تسولاغ ما يشبه القلم ويحفر على جلد البقر أو الماعز الطبيعي 100% أسماءً أو أشكالاً، وحسب طلب الزبون لأن العملية تتم أمام ناظريه وكيفما يشاء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحفر على النحاس، إلا أن بعض المهمات لا تتم على الفور وتتطلب الكثير من العمل الذي يتوجب القيام به في المعمل، ويضيف أن رأس القلم مصنوع من الماس الحقيقي.


يتقن تسولاغ القيام بعمله، لكنه يعترف أنه أخطأ العديد من المرات فجرح أصابعه، ويديه، وأتلف الجلد والمواد المستعملة، وقال إنه واجه صعوبات في البداية غير أن رغبته في تحقيق حلمه دفعته للمثابرة والصبر والجهد. ومع مرور الوقت، امتلك الشاب اللبناني الخبرة اللازمة بحيث أصبح ماهراً ويملك أحلاماً بالتوسع والشهرة وجني الكثير من المال في حين لم يقصد أي معهد أو مدرسة لتعلم أصول المهنة بل تخلى عن اختصاصه الجامعي».


بين الفن والتجارة، يرغب تسولاغ في توسيع فريق عمله المؤلف من أربعة أشخاص، وإيصال ابتكاراته إلى أكبر عدد ممكن من الناس، لكنه يشدد على أنه يحب عمله لأنه يعطيه الفرصة كي يبدع ويتفنن في صناعة أشياء تعتبر ضرورية وأساسية في حياة كل امرأة وفتاة. وبغية العمل المنظم تحت راية الأعمال اليدوية والحرفية، تقدم تسولاغ بطلب للانتساب إلى نقابة الحرفيين في لبنان، وقد تمت الموافقة على الطلب لأنه  شارك في المعارض اليدوية والحرفية وليس التجارية. يرى تسولاغ أن الفن والتجارة أصبحا متلاصقين في هذا العصر، خصوصا أنه يريد أن «يضرب عصفورين بحجر واحد». 


لا يعتبر تسولاغ نفسه فناناً بل شخصاً موهوباً، يحمل في رأسه أفكاراً جميلة، لكنه يرغب في أن يتكلم الناس عن عمله وأن يصفوه بالفنان، خصوصا انه يقدر موهبته وعمله. وفي المقابل، يشعر أن عمله كفنان أو حرفي يتحول إلى تجارة بعد تصميم القطعة الأولى وجعلها نموذجاً لعدد كبير من القطع؛ ويشرح «أن مصمم الأزياء فنان عندما يصمم ويخيط فستاناً واحداً إلا أنه يتحول إلى تاجر حين يخيط 12 فستاناً متشابهاً، وكذلك الحرفي». 


في النهاية، يأمل تسولاغ بأن تتحول هوايته التي بدأها في سن المراهقة إلى علامة فنية وتجارية معروفة في لبنان والعالم.


لقمة عيش
 أما أحمد سكر فاكتشف موهبته وحبه للرسم منذ صغره، بحيث أكد له معلم الرسم في المدرسة بأنه يحمل في داخله «بدايات فنان موهوب»، غير أن انتسابه إلى كلية الفنون الجميلة لم يكن متاحاً ما جعله يتخصص في الحقوق والعلاقات الدولية.
وبعد خمس سنوات من الدراسة، وجد سكر نفسه أسير الواقع المر الذي أجبره على احتراف مهنة الرسم كي «يجني لقمة عيشه».


في سوق البرغوث ووسط مدينة بيروت، بدأ أحمد بتنفيذ فكرته الجديدة؛ رسم لوحة زيتية تتضمن اسم الزبون، فقد اكتشف أن الأسماء تعني كثيراً للبشر خصوصا أسماءهم الخاصة، ويقول «اعتقدت أني سأرسم لوحة أو اثنتين أو عشراً في اليوم غير أن الإقبال الشديد على لوحاتي جعلني أغير رأيي، لأعمل جاهداً على تكثيف فني بغية كسب المزيد من المال»، ويضيف أنه يحتاج «نحو 10 دقائق لرسم اللوحة مباشرة أمام الزبون» ومع مرور الوقت، صار سكر يرسم اللوحات «الاسمية» على الطلب، وحتى دون أن يرى الزبون لشدة ما أعجب الناس بما يفعله، فكانوا يأخذون هذه اللوحات كهدايا وتذكارات إلى أحبابهم وأصدقائهم.   

 

وعلى الرغم من عدم ارتياده أي معهد أو خضوعه لريشة معلم، نمّى أحمد موهبته بنفسه، فكان يجلب الكثير من الكتب لتعلم قواعد الرسم إلا أنه يشعر بأن الرسام الحقيقي هو من يترك نفسه يرسم ويطلق العنان لمخيلته وإبداعه كي ينتج لوحة تعبر عن إبداعه وموهبته الواضحة.

أما عن الفرق بين الرسام المتعلم والرسام بالفطرة، أكد أحمد أن القواعد تقيد المرء في إطار وحدود ما يعيقه من إبراز موهبته وخصوصا الرسام ويشير إلى نوعين من الرسامين؛ الفئة الأولى تلك التي تتلقى دروس الرسم ثم تبتعد عن الدراسة مدة معينة لتترك الإبداع يظهر لاحقاً والثانية التي تبدأ الرسم ثم تلتحق لاحقاً في مدارس فنية لتتعلم بعض القواعد.

ويوضح أن بعض الفنانين رسموا لوحات مستعملين «تكنيك» الخشبة أو الإسفنج أو الشعر الملون بدل الريشة ونجحوا، مشيداُ بتجربة رسامين خالفوا القواعد ونالوا في المقابل شهرة كبيرة مكنتهم من تأسيس مدارسهم الخاصة مستخدمين أشياءً بسيطة لكن مؤثرة ولافتة للأنظار، وأضاف أنه ليس نادماً على عدم تعلمه المبادئ الفنية للرسم لأنه يعتبر نفسه موهوباً ويسمي نفسه رساماً.
 
وفي الوقت نفسه، يرى سكر أن كل إنسان فنان وليس من يغني أو يرسم أو يؤلف شعراً، فالطبيب فنان في مهنته والمحامي والصحافي والطباخ وغيرهم كذلك... ويستدرك أحمد قائلاً «إن بعض المغنين لا يتمتعون بموهبة الصوت الجميل لكنهم يتمكنون من كسب قاعدة شعبية كبيرة لاعتمادهم على تقنيات تجذبهم، فيما أصواتهم غير جيدة من الناحية التقنية، وبعيدة عن الفن الأصيل».

 

  يرسم أحمد لوحات زيتية لمناظر طبيعية منذ أيام الجامعة، كما شارك في عدد من المعارض الفنية لكنه يصاب بخيبة الأمل حين يقوم برسم لوحة جميلة تطلبت منه الكثير من الجهد في حين لا يدفع الزبون مبلغاً يساوي قيمتها الفنية، ويقول «أنزعج حين أشعر بأن عملي وجهدي وفني وتعبي يضيع سدىً، فضلاً عن أن أفكاري قد لا تعجب كل الناس ما يجعلني محبطاً في بعض الأحيان».

 

 ويضيف أن اللوحات الفنية لا تدر الكثير من المال، لذلك اتجه إلى الفن التجاري بحيث يعبر عن موهبته ويؤمن لنفسه عملاً سهلاً ومرغوباً من قبل الناس، أي لوحة جميلة وبسيطة تعجب الكل ولا تخلو من الفن. ومن ناحية أخرى، يحب سكر أن يرسم لوحات ذات بعد  ثالث «ثري دايمنشن» يشعر الناظر إليها أنها منظر متداخل لرغبته في إثبات قدراته وإمكاناته الفنية. 


ومنذ خمسة أعوام، يداوم الرسام اللبناني على المشاركة اليومية في مهرجان دبي للتسوق والقرية العالمية حيث يطرح أفكاره الجديدة، خصوصا أنه يرى أن مدينتي بيروت ودبي هما منطلق شهرة ونجاح أي فنان.

وبغية مجاراة المجتمع الخليجي المحافظ والمتدين، يرسم أحمد لوحات المناظر الطبيعية التي تخلو من الأشخاص أو الكائنات الحية، فمن الممكن أن توضع اللوحة في مكان للصلاة ما يحبذ الابتعاد عن صور المخلوقات الحية، ولذلك يفضل استبدالها بالأسماء.

 

يشرح أحمد أن تاريخ استعمال الأسماء في الرسومات واللوحات بدأ في زمن الفراعنة  ليمتد ويطال شعوباً وحضارات عدة، كما انتشرت في أوروبا، ويقول «يعتبر الفنان اللبناني المعروف وجيه نخلة من أكثر الرسامين الذين ركزوا على كتابة الاسم في اللوحة ولكن بطريقة مبهمة وغير واضحة، وقد قلده آخرون، فيما يحب أحمد ابتكار أفكار جديدة مثل الاسم الذي يوضع على المكتب أو المنضدة، ويتمنى أن يؤسس شركة مفاجآت،حيث أكد استعداده على ابتكار اختراعات خاصة وغير موجودة في الأسواق، حسب طلب الأشخاص.