الأخبار السارة

باسل رفايعة

   
  الأخبار التي لا تسرّ كثيرة في حياتنا، ويكفي أن تشاهد نشرة أخبار واحدة، فترى الأطفال يموتون بسهولة، وترى معارك بدائية ودامية تعيش مع الإنسان ألف عام، وتبقى شديدة النزف كأنها مفتوحة للتو.
 

لأخبار التي تسرّ دائما مستحيلة، ولكن حدوثها ليس أقلّ عذوبة من احتضان طفلك، ومن أنفاس حبيبتك، وهي غير الأخبار السياسية، أو إنها غير السياسة نفسها، لأنها مثل فرصة متوقعة أو معدومة، وهذا يفسر هبوطها اللذيذ على روحك، كما لو أنها طائر حط على كفك وفي منقاره غيمة صغيرة.
 
أن يكون لك طفل فهذا ليس حدثاً منتهياً، إنه من أذكى الأخبار السارة، فكل طفل خبرٌ سعيد لا ينتهي إلا بقانون الحياة، ومن أخباره المدهشة أن له اسماً، تدلله، وتغنيه، وتتكنى به.
 
أيّ دهشة أن تجد كائناً لا يمنحك النوم، ولديه احتجاج لا تقوى على احتماله ويختمه غالباً برعونة عذبة، حين يقول لك: أنا حُر.
أن تجد كائناً تحبه، ويقول لك إنه حر ليس إلا خبراً ساراً، ويستحق أن يتصدر أخبار الكون الفسيح، ويمسح سوادها، فطفلك يعرف معنى الحرية، إنه يعرف الفكرة، ويعبر عنها برفع الرأس، والتلويح باليد، والاعتداد بالقامة، وبعد أن تستفيق من لذتك في رؤيته يحفل بالحرية، تنظر بزهو غامض إلى تلك اليد الصغيرة المحتجة، وتذكر كيف كانت مثل زهرة بأصابع من حلوى. تلك اليد تهتز بغضب، فتودّ لو تنهض إلى تقبيلها، لتطلب الرضا والسلام أكثر فأكثر من الحياة. 
 
أن يكون لك طفل، تذكر جيداً ملامحه في القماط، وابتسامته المتخيلة في أول حمام، وتبليل ثيابك على حين غرة، ثم كيف حبا وسال لعابه، وكيف مشى وئيداً على قلبك، وأخذته إلى الحلاق، وتمنيتَ في طريق العودة أن تضعه في جيبك، فلا يرى الآخرون سحر هذه الأسطورة.
 
 إنه الطفل؛ أروع الأخبار السارة، وأكثرها دفئاً وحماسة.
 إنه الذي يعلمك حياة لم تعرفها، ولن تعرفها، فتذهب إلى التجريب والارتباك، ولا تعرف متى تحين المفاجأة التالية، أو الخبر المذهل التالي الذي يتفنن في تنويع الأحداث وتجميل الصدف، فيصبح هو خبرك المفضل والطازج، تُحدث أهلك وأصدقاءك عن أخباره الغزيرة، مثل كلماته الأولى، والجروح المتناثرة في عنقك ووجهك من معاركك الخاسرة مع أظافره، وبقعة الحليب على  قميصك عند الاحتضان الصباحي، قبل أن تغادر البيت. الخبر السار والفاتن أنّ طفلك ينمو.
 

 أنت لا غيرك ترى طفلك ينمو، فمن اتساع العيون، إلى سواد الشعر، إلى الضحك، والتقلب بعد الحمام، إلى قدمين تركضان خلف كرة، فيزداد قياس الأحذية، وما أجمله من مشي، كأن الأرض لم تعرف أبهى من تلك الأقدام.

 خبر سيئ ولئيم أن ترتفع حرارة طفلك، أن تجرحه آلة حادة، أن يغلق الباب على إصبعه، أن يعبث بمفاتيح الكهرباء، ولكن الخبر السار وسط هذا الألم هو أنه يشفى ويعيش، ويخبرك قصصاً عن الدلال والمكر لم تسمع بها في حياتك، فتقفز معه إلى الأيام، فتكبر ويكبر، فتعمّ الأخبار، وتخصّ البهجة.

baselraf@gmail.com

 

تويتر