عاشت بين إبداع سابق لوقته وجرأة فنية واجهها المجتمع بالرفض

بالفيديو: كاميل كلوديل.. «المجنونة» التي أدهشت منحوتاتها العالم

لكل إنجاز حكايته الخاصة التي تختلف مع اختلاف صاحبه ونظرته لما يحيط به، سواء كان لوحة فنية، أو منحوتة، أو تصميماً هندسياً، أو مجموعة أزياء، أو حدثاً غيّر مجرى التاريخ. ومهما اختلف العمل في تركيبته والخيوط غير المرئية التي شكَّلته، والتي لا تراها سوى عين صاحبه، تبقى الشخصية الملهمة، هي المعيار الوحيد الذي لا يتغير، وتبقى تلك العلاقة الغامضة والمثيرة للجدل بها، هي الشرارة الحقيقية التي تستفز الابتكار، فمن هن الملهمات في التاريخ؟


 

لطالما كان الذكاء هو أجمل ما يمكن أن تتزين به المرأة، وعندما يمتزج الأمر بالشباب والجموح والاختلاف التام عن المحيط، يصبح المبدع أمام ملهمة لا يمكن غض البصر عنها، وهو ما حدث للنحات الفرنسي الشهير أوغست رودن، الذي تحول إلى المدرب والحاضن والراعي والحبيب، للنحاتة الشابة كاميل كلوديل، التي تحولت تدريجياً إلى ملهمته الوحيدة ولعقود طويلة.

بين الحب، والتحدي، وبين الغيرة والريبة، والحنق والعطش للمزيد، عاشت كاميل كلوديل سنوات شبابها، وبين إبداع سابق لوقته، وجرأة فنية غالباً ما واجهت الرفض المجتمعي، وبين قسوة العائلة الثرية والحاجة، والنفي والاتهام بالجنون، انتهت حياة هذه الشابة في محاولة لم تنجح من أقرب الناس إليها لدفن إرثها الفني، وبالرغم من أن رفاتها ضاعت في مقبرة عامة، إلا أن منحوتاتها التي ادهشت العالم لاتزال حية في متحف يحمل اسمها، بينما تتشارك في آخر يحمل اسم النحات الذي ألهمهما وألهمته لعقود طويلة.

ولدت كاميل كلوديل، في «فير أون تاغدونوا» في شمالي فرنسا عام 1864، وهي الطفلة الثانية من ثلاثة أطفال لأسرة أرستقراطية تمتلك الأعيان والمزارع، بينما اعتمد والدها لويس بروسبر كلوديل على العمل في مجال رهن العقارات والتداولات البنكية، وترجع أصول والدتها إلى عائلة «شامبين» الكاثوليكية من مزارعين وقساوسة.

لأسباب غير معروفة، كانت كاميل قادرة على أن تحظى بحب ودلال ودعم والدها، الذي لم يرَ في ميول ابنته الإبداعية في النحت أمراً مختلفاً أو غريباً، بالرغم من أنها لم تكن هواية معروفة بين الفتيات، حيث عرفت كاميل بشغفها بالأحجار والطين منذ سن صغيرة، ليتحول دعم والدها إلى قرار في انتقال زوجته وأبنائه إلى باريس عام 1881، بينما قرر هو البقاء متابعاً لأعمال العائلة.

ملهمة

التحقت الابنة الموهوبة بـ«أكاديمية كولاروسي»، التي كانت المكان الوحيد الذي يقبل تعليم الفتيات الفنون، لتتعلم النحت على يد النحات الشهير ألفريد بوشير، لتقوم بعد ذلك باستئجار استوديو خاص بها وزميلات أخريات، ليتحول بوشير إلى المرشد والداعم لهن على مدى ثلاث سنوات، وانتقلت المهمة لاحقاً إلى صديقه النحات الشهير أوغست رينيه رودن، لتأخذ منذ تلك اللحظة حياة كلوديل منحى غير متوقع.

كانت كلوديل قادرة ومنذ اللحظات الأولى على أن تشد انتباه معلمها الذي يكبرها بالسن 25 عاماً، وتمكنت من أن تتحول تدريجياً إلى تلميذته الخاصة التي حظيت برعاية واهتمام شديدين نبع من نبوغها وموهبتها الفذة، لتبدأ العمل في ورشة عمل رودن في عام 1884، وأصبحت مصدر إلهامه، فكانت عارضته الخاصة، وصديقته الحميمة، وموضع ثقته، وعشيقته.

بالرغم من المشاعر القوية التي عاشها كل من كلوديل ورودن، وتأثر كل منهما إبداعياً بالآخر، الأمر الذي بدا واضحاً في أعمالهما والتقارب الكبير، وبالرغم من حبه الكبير لها، إلا أنهما لم يعيشا سوياً قط، نظراً لتردد رودن المستمر في قطع علاقته الطويلة بحبيبته روز بورت، المستمرة لعشرين عاماً.

غضب

لطالما كانت كلوديل الابنة المدللة لوالدها، إلا أن والدتها لم تشاركه المشاعر ذاتها، فلطالما كرهت والدتها واقع أنها لم تنجب صبياً بدلاً من ابنتها، وزاد تمردها وشغفها الإبداعي المجنون من رفض والدتها لها، لتصبح العلاقة العاطفية الساخنة بين التلميذة والمعلم، سبباً رئيساً لأن يثير حنق العائلة، وكانت النتيجة، ترك الابنة للمنزل، والانتقال إلى سكن قريب من ورشة رودن.

حاجة

مع استمرار عمل كلوديل في ورشة رودن، استمر التساؤل عما إذا كانت الكثير من الأعمال التي قدمها النحات الشهير هي بالفعل من صنعه، أم من صنعها، وإلى أي مدى أسهمت التلميذة الموهوبة في الإضافة على المشروعات التي كان يعمل عليها، خصوصاً أن المشهد الفني والثقافي الفرنسي آنذاك كان لايزال يرزح تحت عباءة ثقيلة من الرقابة تجاه المحتوى الجريء، إضافة إلى العنصرية تجاه الوجوه النسائية، ما كان يعني حاجتها المستمرة والدائمة الى مظلة رودن، ومع رفض أسرة كلوديل لها، خصوصاً بعد وفاة والدها وانقطاع الدعم المادي، أصبح اعتمادها على معلمها المسن أكثر من أي وقت مضى.

مع مرور السنوات امتزجت مشاعر الشغف والحب والتضحية بين كلوديل ورودن بمشاعر أخرى جديدة، اتخذت شكلاً تنافسياً أكثر، ومع اضطرارها لأن تعرض حياتها للخطر بعد أن أقدمت على عملية لإجهاض جنينها في عام 1892، أنهت كلوديل علاقتها الحميمة برودن، بالرغم من أنهما استمرا في اللقاء بشكل مستمر حتى عام 1898.

«عهد النضج»

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

يعتبر ميل كاميل كلوديل إلى تحويل المنحوتة لعمل سردي، يحكي ما يجول بداخلها أو ما تعيشه، إحدى أكثر الصفات التي ميزت أعمالها وجعلتها تقع تحت إطار «المختلف» عما كان يُقدم آنذاك، إلا أن منحوتتها «عهد النضج» التي تمثل نهاية علاقتها برودن، لم ترق له، حيث واجه العمل بردة فعل قوية من الصدمة والغضب، موقفاً وبشكل تام ومفاجئ دعمه لها، بينما شكك آخرون بكونه كان عامل ضغط على وزارة الفنون الجميلة آنذاك لإلغاء تمويل مشروع «الصب البرونزي» للمنحوتة.

تويتر