تَحدَّين الحرارة الشديدة والعواصف الرملية

بالفيديو.. 5 مواطنات يبحثن عن آثار الإمارات في ساروق الحديد

صورة

خمس مواطنات نجحن في قهر التحديات والصعاب في موقع ساروق الحديد، حيث استطعن استخراج آثار يعود تاريخها إلى 3000 عام قبل الميلاد، متحديات الطبيعة المناخية من الحرارة الشديدة، والعواصف الرملية، للتنقيب بين طبقات قشرة الأرض، التي تختزن بين طيّاتها إرثاً كبيراً يعود إلى حقب زمنية سحيقة.

خمس مواطنات: مريم آل علي، نورة الخوري، منال المسفري، مريم السويدي، وجواهر آل علي.

الوظيفة: منقب ومرمم آثار.

الإنجاز: استخراج آثار يعود تاريخها إلى 3000 عام قبل الميلاد.


  • لأول مرة يُكتشف في الإمارات موقع بهذا الحجم.. وهذا الثراء.
  • الموقع كان يضم قبل 5000 سنة ورشاً لمعالجة الذهب والفضة.. إلى جانب مجمع صناعات ضخم.
  • الساروق: ممرٌّ في الرمال

شرح مدير إدارة التراث العمراني والآثار في بلدية دبي، المهندس أحمد محمود أحمد، أن معنى كلمة ساروق هو الممر بين كثيبين من الرمال، وكلمة الحديد ترجع إلى انتشار خَبَث الحديد والنحاس، وهذه البقايا التي غطت مناطق عدة من سطح الموقع، هي المادة الناتجة عن عمليات صهر المعادن أثناء مراحل التصنيع، ويقع ساروق الحديد جنوب مدينة دبي، وتبلغ مساحة الموقع نحو كيلومتر ونصف كيلومتر مربع، ويقع في منطقة صحراوية خالية بالقرب من حدود أبوظبي، على بعد أميال من الفقع، وهي أقرب مدينة، ويُعتقد أنه تم اكتشاف من 10 إلى 15% من الموقع فقط.

تروي المواطنة مريم آل علي، لـ«الإمارات اليوم»، تجربتهن في البحث عن آثار الدولة في موقع ساروق الحديد، الذي اكتشفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في 2002، فتقول: «العمل في التنقيب والترميم أمر في غاية الصعوبة، نظراً لطبيعة المناخ الحار في تلك المنطقة، والتي تحتاج إلى صبر وطول بالٍ، لاسيما أن استخراج الآثار يحتاج إلى تنقيب لأشهر عدة»، مشيرة إلى أنهن يعملن في المجال منذ فترة ليست ببعيدة، وأحببن المهنة بحكم دراستهن تخصص جيولوجيا بترول، الذي له صلة كبيرة بالتنقيب، وعلوم الأرض، وغيرها.

وأضافت آل علي أنهن تلقين دورات تدريبية عدة في مجال التنقيب والترميم، بهدف اكتساب المهارات اللازمة للانخراط في العمل الميداني، لافتة إلى أنهن استطعن استخراج قطع أثرية من الذهب وسيوف وخناجر وأسلحة وغيرها، مشيرة إلى أنهن يعملن منذ الصباح الباكر حتى فترة الظهيرة، ويتوزعن في نقاط عدة للتنقيب، لاكتشاف النسبة المتبقية من الموقع التي تقدر بـ80%.

آل علي كشفت، أيضاً، أنهن يواجهن مخاطر عدة في العمل، منها طول المسافة بين منازلهن والموقع، حيث يسكن البعض منهن في المناطق الشمالية، إضافة إلى مفاجآت الطريق مثل الضباب والعواصف الرملية، موضحة أيضاً أنهن تلقين التشجيع والدعم اللازمين من القائمين على الموقع، الذين حرصوا على شرح كل التفاصيل عن الآثار، وطرق استخراجها لتكوين خبرة عنها. وتشرح آل علي أن عملية التنقيب عن الآثار تبدأ بالمسح اليدوي، وبالطرق والوسائل التقليدية مع الاستعانة ببعض وسائل التكنولوجيا الحديثة، ولا يتم استخدام الجرافات وسيارات الحفر والآلات في الموقع، نظراً لإمكانية تلف الآثار، لافتة إلى أنهن ينقبن بحذر تام للمحافظة على القطع المستخرجة وعدم إلحاق الضرر بها، حيث يتم تخزينها وترميمها فور اكتشافها للمحافظة على حالتها وشكلها.

وذكرت آل علي أنه بعد سنوات من التنقيب المستمر في الموقع، وصل عدد المكتشفات إلى نحو 18 ألف قطعة أثرية، لافتة إلى أن العمل في موقع ساروق الحديد يلقي على عاتقهن مسؤولية كبيرة للعمل بجد واجتهاد، لاكتشاف الموقع بشكل كامل في فترة قصيرة، لكي ينتقلن لمواقع أخرى لاسيما أن الدولة تعتبر ملتقى لمختلف الحضارات في الماضي، وتوجد فيها مواقع أثرية بمختلف مناطق الإمارات.

مؤكدة أن البلدية قامت بإنشاء مختبر، مزود بأحدث الأجهزة التي تستخدم في ترميم القطع الأثرية، خصوصاً المعدنية منها، التي تمثل الجزء الأكبر من القطع المكتشفة.

مركز صناعي ضخم

عن موقع ساروق الحديد، يقول مدير إدارة التراث العمراني والآثار في بلدية دبي، المهندس أحمد محمود أحمد، إن ساروق الحديد أصبح من أهم المواقع الأثرية في إمارة دبي، والذي تم اكتشافه من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عندما لاحظ اختلافاً في شكل الكثبان الرملية، وبدأت من بعدها عمليات الحفر والتنقيب والبحث.

وأضاف «منذ ذلك الحين بدأ علماء الآثار بالتنقيب، ووجدوا أدلة تثبت وجود نشاط بشري في الموقع يعود إلى أكثر من 5000 سنة، وقد كشفت أعمال الحفر والتنقيب عن أهمية موقع ساروق الحديد، الذي يعتبر أهم ما تم الكشف عنه حتى الآن في شبه الجزيرة العربية، بين الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن الأَول الميلادي».

وتابع «أسفرت أعمال الحفر في الموقع عن اكتشاف كمٍّ كبير من اللقى الأثرية فاقت جميع التوقعات، وتتنوع في أشكالها وصناعتها التي أثبتت أنه لأول مرة يُكتشف في الإمارات موقع بهذا الحجم وهذا الثراء والقدم التاريخي، وأكدت الدراسات أن ما تم الكشف عنه حَتَّى الآن ربما يكشف عن مركزٍ ضخمٍ لصناعة المعادن (نحاس - برونز - حديد)، وتصنيع الأدوات والأواني الفخارية المزخرفة والأسلحة الحديدية والبرونزية والنحاسية، بالإضافة إلى ذلك أثبتت الحفائر أن الموقع كان يضم أيضاً ورشاً لمعالجة الذهب والفضة والرصاص، إلى جانب تصنيع وتجهيز الخرز بمختلف أشكاله».

وأكمل أحمد أنه كان لموقع ساروق الحديد أهمية دينية أيضاً، إذ تم الكشف عن أعداد كثيرة من مواقد النيران كبيرة الحجم، محفورة في طبقة الجبس الطبيعية، ترجع للعصر الحديدي، لربما كانت تستخدم في طهي الولائم في فترات محددة كل عام، وربما كانت تجرى بعض الشعائر الدينية لتقديس الثعبان في الموقع إبان العصر الحديدي، إذ تم الكشف عن كم كبير من النماذج المعدنية للثعابين، تَمَّ طَبْعُها أو تشكيلها على بعض اللقى.

وأوضح مدير إدارة التراث العمراني والآثار في بلدية دبي أن موقع ساروق الحديد كانت له مكانة اقتصادية كبيرة خلال العصر الحديدي، كما كان مركزاً تجارياً ودينياً وملتقى لجملة من الطرق التجارية القديمة في الجزيرة العربية بصفة خاصة، والشرق الأدنى القديم بصفة عامة، ورغم صعوبة حياة الصحراء إلا أن القوم في العصر الحديدي في ساروق الحديد استطاعوا أن يستأنسوا الأبقار والماعز والإبل، إلى جانب اصطياد الحيوانات البرية مثل الغزال والأيائل والأرانب لأكل لحومها عامة، كما تشير القراءات إلى أن سكان ساروق الحديد قد اكتشفوا كذلك طرق استخراج المياه الجوفية.

بعثات وحفريات

من جهته، أوضح رئيس قسم الآثار، يعقوب آل علي، أن الفترات الزمنية، التي مرت على موقع ساروق الحديد هي الألف الثالث قبل الميلاد، إلى أواخر العصر الحديدي 600-300 قبل الميلاد، بل واستمر حتى القرن الأَول الميلادي، ومنذ اكتشاف موقع ساروق الحديد الأثري، توالت البعثات الأجنبية للتنقيب في الموقع والكشف عن كنوزه، خصوصاً بعد أن تم نقل مسؤولية الموقع إلى بلدية دبي، حيث تعاقدت البلدية مع العديد من البعثات الأجنبية لزيادة معدلات الحفر منذ عام 2015، حيث تم حفر مناطق كثيرة في الموقع لتزيد مربعات الحفر التي تم تنقيبها عن السابق نحو 214 مربعاً، خلال ثلاث سنوات قياساً بالسابق. وأضاف أنه يصل إجمالي القطع المسجلة إلى نحو 16 ألف قطعة أثرية، هذا بالطبع إلى جانب آلاف القطع التي تم الكشف عنها والمخزنة للدراسة وقبل ضم قسم الآثار والمعني بموقع ساروق الحديد للبلدية، لم تجر أي أعمال ترميم منظمة للقطع الأثرية التي كان يتم الكشف عنها، إلا من بعض قطع قليلة اُجريت لها أعمال ترميم دون توثيق أو تحاليل، وبعد ذلك قامت البلدية بإنشاء مختبر مزود بأحدث الأجهزة التي تستخدم في ترميم القطع الأثرية، خصوصاً المعدنية منها، والتي تمثل الجزء الأكبر من القطع المكتشفة. وذكر آل علي أن «إجمالي القطع المرممة، خلال الثلاث سنوات الماضية، وصل إلى نحو 597 قطعة أثرية (حديد، برونز، ونحاس) ما يُعد إنجازاً كبيراً للحفاظ على الآثار المكتشفة منذ سنوات طويلة والمكتشفة حديثاً»، لافتاً إلى حرص البلدية إلى جانب عملها في التنقيب عن القطع الأثرية والحفاظ عليها، عبر النشر والترويج للمواقع الأثرية في الإمارة بشكل عام، وموقع ساروق الحديد بشكل خاص، وذلك من خلال المشاركة في المحافل الدولية والمحلية من مؤتمرات ومعارض، بالإضافة إلى إنشاء متحف ساروق الحديد بمنطقة الشندغة، كمتحف مؤقت لعرض القطع الأثرية.

ونوه إلى أن البلدية تعمل على إصدار الكتب والمطويات، التي تشمل الدراسة العلمية للمواقع الأثرية وموقع ساروق الحديد، من أهمها كتاب أختام من موقع ساروق الحديد الأثري – كتالوج متحف ساروق الحديد باللغة العربية والإنجليزية.

تويتر