أميركية فلسطينية تسخر من إعاقتها و«إعاقات الأسوياء»

ميسون زايد.. «ستاند أب كوميدي» على مقعد

صورة

استطاعت الكوميديان ميسون زايد، وهي من صاحبات الهمم، وتعاني مرض الرعاش، أن تسخّر كل الإمكانات الذهنية والجسدية لتوظفها بسخرية أمام تحديين، التحدي الأول يكمن في نظرة المجتمع تجاه أصحاب الهمم، والتحدي الثاني نظرة أصحاب الهمم أنفسهم تجاه المجتمع، وكيف يكون الأمر متاحاً للاندماج، هذا ما تشعر به فوراً بعد مشاهدتك لها وهي تجلس على مقعد أمام جمهورها، الذي أتى ليشاهدها، أول من أمس، في جامعة نيويورك في العاصمة أبوظبي.

في لقائها مع محبيها، رفضت الخروج إلى المسرح دون أن تسمع الزغاريد، في القاعة التي فاضت بالجمهور من جنسيات عربية مختلفة، كانت ميسون جالسة على كرسي لتقدم ما يسمى «ستاند أب كوميدي»، التسمية التي لا تناسب حالة الجلوس لمصابة بمرض يجعلها ترتجف طوال الوقت إن وقفت، ستبدو وكأنها شاكيرا وهي ترقص بلا توقف، حسب ما عبّرت عنه، فكانت بداية ضحك متواصل لمدة ساعة.

ميسون التي تجيد اللغتين الإنجليزية والعربية، إضافة إلى لهجة الفلاحين الفلسطينيين، بدأت السخرية من نفسها، وقبلت مرضها وتصالحت معه، أمام مجتمعات تنظر إليها بشفقة، وهو ما رفضته منذ كانت طفلة، ولم ينج أحد من سخريتها الجميلة، حتى والديها وعمتها وجدتها وحماتها، بعبقرية تنتقد كل ما يعيق التطور. والسر في عرضها أنك لا تتعاطف مع إعاقتها، إنما تعجب بجرأتها وصراحتها، وقدرتها على رؤية كل ما يعيقنا نحن الأسوياء (فكرياً) عن أن نتمتع بالذكاء، هذا الجسد الذي يهتز فيه شخصية ثابتة، في مقابل أصحاء جسدياً يمتلكون شخصيات مهزوزة.

تساؤلات وحكايات

تتساءل ميسون «ماذا ستفعل لشخص يريد أن يبدي تعاطفاً معك حين يقول لك لو كنت مكانك لدفنت نفسي؟»، وتنتقل بعدها لتكمل جلستها المليئة بالضحك والسخرية من نفسها قبل السخرية من محيطها، تقول «والدي كان يشبه صدام حسين، وعند وداعه لي في المطار في أميركا يصرخ: الله معك، الله معك، فتخيلوا المشهد لفتاة، صحيح أنها أميركية الجنسية والمولد، لكنها تبدو بملامح عربية، والدها يشبه صدام حسين، ويردد كلمة الله أكبر طوال الوقت في المطار، من الطبيعي إذاً أن يتم توقيفي ضمن التفتيش الذي يقال عنه (عشوائي)».

ولزواجها قصة تشرح فيها جانباً من معاناة زوجها اللاجئ، فهي تراعي مشاعره، ولا تريد أن تقبّل الغرباء ممن يريدون أن يُسلّموا عليها، لأن زوجها يغار، وتؤكد أن الوصفة السحرية لفض أي خلاف بينهما هي جملة واحدة «شكلك اشتقت للمخيم وحابب ترجع اله».

فلسطين

ميسون الأميركية من ولاية نيوجيرسي تحديداً، وهي من أصول فلسطينية، تتحدث لهجتها الفلاحية الخالصة، متعلقة بأمثال جدتها ومفرداتها، ومتعلقة بالأعراس الفلسطينية التي قالت عنها «قررت أن أتزوج كي أعيد كل النقود (النقوط) الذي قدمتها في حياتي»، و«النقوط» هي عادة فلسطينية، عبارة عن إهداء بعض النقود للعروسين يوم العرس، كنوع من دعمهما في حياتهما المقبلة. وتتابع ذكر أسباب إقدامها على الزواج «في أميركا توجد عادة أن العروس ترمي باقة زهورها إلى صديقاتها كفأل للزواج، ولم استطع في حياتي أن أمسك واحدة»، وتضيف «اكتشفت ــ بما أنني فلسطينية ــ أنني صحيح لا أعرف أن أحصل على الأشياء، لكن أعرف كيف أطيّرها، كما طيَّرت باقتي إلى صديقاتي»، إشارة إلى رمي الحجر.

وتؤكد أن مشكلتها مع حماتها تتعلق بعدم قدرتها على الإنجاب «إذا أنجبت فسأموت، إضافة إلى أنني، بسبب مرضي، لا أستطيع أن أحمل طفلاً»، مؤكدة في الوقت نفسه «مع أنني لم أكسر شيئاً في حياتي».

وتقول عن علاقتها مع فلسطين «والدي كان يُصر في كل إجازة على أن نذهب إلى فلسطين، وكانت صديقاتي الأميركيات يستغربن تلك العادة، لكن والدي كان يريد منا أن نكون جزءاً حياً من تلك الثقافة، ونؤكد دوماً على حقوقنا»، وبسخرية «ثمة شيء يربطني بشكل شخصي مع فلسطين، فهي فيها انتفاضة، وأنا طوال الوقت انتفض»، في إشارة إلى حالة الرعاش لديها.

سخرية

ميسون زايد حالة ظريفة وساخرة للغاية، خصوصاً أن موضوع السخرية يتعلق بها شخصياً كواحدة من أصحاب الهمم تعاني مرض الرعاش، بسبب خطأ طبي، تحمل هذه المرأة الثقافات كلها، فهي المولودة في نيوجيرسي، إضافة إلى أصولها الفلسطينية، وما يؤثر فيها بشكل مباشر هو نظرة الشفقة التي يوجهها إليها الأسوياء دائماً، على الرغم من تأكيدها أن أصحاب الهمم يشكلون 20% من العالم.

القالب الذي تنطلق منه ميسون في عروضها هو السخرية، السخرية من نفسها، مروراً بمحيط عائلتها، وتطالب الناس باحترام عقول البشر، ونسيان الحالة الجسدية، لأن الحالة الجسدية ليس للإنسان يد فيها.

تويتر