رحلة مُبدع «فلاح كفر الهنادوة»

أحمد رجب.. من 40 صفحة إلى «نص كلمة»

صورة

لم يصل الكاتب المصري الراحل أحمد رجب إلى حكمة الـ«نص كلمة» التي اشتهر بها، إلا بعد سنوات من الجهد، ورحلة طويلة مع صاحبة الجلالة، إذ كان مؤسس «أخبار اليوم» علي أمين، يدفع إلى الشاب الصحافي - حينها - أحمد رجب، بالمقالات الطوال، التي تصل إلى 40 صفحة، لكي يلخصها في سطور. ويبدو أن رجب عثر خلال تلك الفترة على بغيته من الكلمة، ووجد «عموداً» لا يشبه سواه، «ترويسة»، أو تلغرافاً لا يعرف الثرثرة، ولا المقدمات ثم العرض فالخاتمة، فـ«نص كلمة» كان مكثفاً، يضرب من الكلمة الأولى وحتى الأخيرة، وزيراً أو مسؤولاً، أو حتى حالاً عاماً أو خاصاً، لذا استحق رجب أن يكون هو أول من يبحث عن كلماته المتصفح لجريدة الأخبار المصرية.

رشح مصطفى أمين، صاحب «نص كلمة» إلى الرئيس الراحل محمد أنور السادات، كي يقود تحرير مجلة «آخر ساعة»، لكن السادات رفض، و«لم يوافق عليه لأنه لا يسمع الكلام، والواقع أن أحمد رجب يسمع كلام القارئ البسيط ولا يسمع كلام الحكام العظام، ويقبل يد العجوز الغلبان، ويبارز الوزير الخطير»، حسب كلمات مصطفى أمين في تقديمه لكتاب «نص كلمة».

ولم ينل قلم أحمد رجب من السادات بعد رحيله، وكان له موقف مشابه مع الكاتب محمد حسنين هيكل، فرغم أنهما كانا على موجتين مختلفتين، ناصر أحمد رجب هيكل، خصوصاً بعد حملة شعواء شنت عليه في قناة «الجزيرة» في عام 2011.

كتب أحمد رجب الذي ودّع القلم في 11 الجاري، انتقاداته، وجسّدتها ريشة الراحل، أخيراً، الفنان مصطفى حسين رفيق درب رجب، فتعلق القراء بشخصيات تسخر من كل شيء، وصارت من أبرز علامات مدرسة الكاريكاتير المصرية، ومنها «مطرب الأخبار»، و«فلاح كفر الهنادوة»، و«عبده مشتاق»، وغيرها.

اعتبر رجب، الذي أوصى أن يتم تشييعه إلى مثواه الأخير من أمام «أخبار اليوم»، أن الحياة «بلا ابتسامة فاقعة اللون.. يحيط بها الجليد من كل جانب.. وبين رحيق البسمة يذوب النقد البناء، ويتعاطاه الآخرون بلا أي غضاضة»، وذلك في مقدمة «يوميات حمار»، الذي يعد واحداً من أبرز كتبه الساخرة، التي من بينها «الحب وسنينه»، و«يخرب بيت الحب»، و«أي كلام»، و«الفهامة».

شغلت شخصية أحمد رجب، الذي كرمته جائزة دبي للصحافة أفضل كاتب عمود الصحافي الدورة الماضية، كثيرين، فنال البعض منها، معتبراً أن الرجل يعيش في برج عاجي، رغم كلماته المغموسة في هموم الوطن وقضاياه اليومية، من رغيف وحتى الكهرباء ومناوشات مجلس الشعب، وتصريحات الوزراء والمسؤولين.

وصف البعض رجب بالمتعالي، والكاتب الذي لا يحب لقاء أحد، وسار الرجل في طريقه الساخر، لا يعيّر انتباهاً. لكن صاحب كتاب «أحمد رجب.. ضحكة مصر» ينفي ذلك الجانب من شخصية أحمد رجب، ويشير المؤلف محمد توفيق إلى أن شخصية أحمد رجب مغايرة بالمرة لما اشتهر عنها، ويقول توفيق: «هناك صورة واحدة حاول كل من لم يعرفوا أحمد رجب تصديرها لنا، وهي أنه رجل عبوس ينتج الضحك ولا يستهلكه، ويتحدث عن البسطاء ولا يقترب منهم.. لكن بمجرد أن ألتقيت به وجدت رجلاً يجمع بين حكمة الفيلسوف، وخفة دم المضحك، وتواضع العالم، ورؤية المفكر، وشهامة ابن البلد.. وعرفت سر الصورة العبثية التي رسمها له من لم يعرفوه».

يستعرض الكتّاب جانباً مجهولاً للبعض عن أحمد رجب الذي تابعته العديد من الشائعات منذ زمن، كان من أبرزها قصة زواجه من الفنانة المحتجبة منذ زمن شادية، نتيجة التقارب بينهما خلال فترة الستينات، ما دفع رجب إلى كتابة مقال - كالعادة ساخر - بعنوان «أنا جوز شادية»، ويقول في جزء منه، حسب صاحب كتاب «ضحكة مصر» أيضاً: «فجأة كده أصبحت جوز شادية، وفجأة أيضاً كدت أتحوّل إلى طبق فتة لزملائي الصحافيين، خصوصاً زميلي المهذب المتربي المؤدب ابن الناسجليل البنداري الشهير باسم جليل الأدب».

وظلت تلك الشائعة حاضرة لزمن في الأوساط الخاصة والعامة، في الوقت الذي كان يبحث فيه رجب عن تطوير كلمته، واختزالها أكثر، وربما جعلها أكثر حدة ومضاء حتى تنال من كل ما يشوه وجه الوطن. ويقول مثلاً: «يا قوم اصحو: توجد جنوب الجيزة دولة فقيرة من العالم الرابع اسمها الصعيد، فيها جالية مصرية كبيرة يعيش أغلبها تحت خط الفقر».

تويتر