Emarat Alyoum

السعودي عزيز محمد يسرطن «ك» بالتعاسة.. قبل المرض

التاريخ:: 14 مارس 2018
المصدر: إعداد: محمد إسماعيل mismail@ey.ae
السعودي عزيز محمد يسرطن «ك» بالتعاسة.. قبل المرض

يضبط بطل رواية «الحالة الحرجة للمدعو ك» انفعالاته - من الخارج على الأقل - على موجة واحدة، يتحكم فيها عند الدرجة صفر، تنتظر كقارئ أن يبرح مكانه، بلا طائل.. هو هو من قبل المرض ومن بعده: حالة حرجة، في تخليه عمن سواه، وعزلته المنزلية والمجتمعية، في عافيته وسقمه، حتى وهو ينتظر أن يودع الحياة في لحظة ما.. ورغم ذلك فإنه «حالة» حافلة بالصخب من الداخل، تتحاور مع الماضي والحاضر في صمت، تبدو نموذجاً للّامنتمي المقطوع من شجرة، رغم كل من حواليها، لا تريد عواطف مجانية من أحد، وتستعلي حتى على المرض الخبيث الذي يُدعى السرطان.

كل هذا وأكثر يمثله «المدعو ك» في رواية السعودي، عزيز محمد، التي تتخلى عن الإهداء، كما تستغني عن الأسماء، فتكتفي بالكاف، دلالة على الراوي، وليست حظوظ الآخرين أفضل، إذ يطلون بصلات القرابة والأوصاف لا الأسماء: الأم، الأب، الأخ، الأخت، الجد، العجوز الجالس إلى جواري في العمل، المدير ذو لغد الديك. وفيما تغيب أسماء هؤلاء، تحضر أخرى من عوالم الكتب، من المؤلفين: كافكا وهيمنغواي وموراكامي وتوماس مان، وحتى شخصياتهم، وكأن الراوي ينتمي إلى هؤلاء، لا إلى المحيطين به، يشبه صبّارة على مكتبه في العمل، أصابتها التعاسة والاصفرار، وتزوي رغم مواظبته على سقايتها بالماء، وكأنها تشبه الواقع البائس (في عيني الراوي الذي يغمره سيل عارم من الكآبة).

مستفز

«المدعو ك» قد يستفز متلقياً فيرفضه، لأن ذلك الكائن يطلّ كأنه مكتفٍ بذاته، ظالم لنفسه قبل المرض وحين العلاج الكيميائي والإشعاعي، وقد يتقبّل قارئ آخر تلك الشخصية، فثمة أشباه لها ونظائر على الأقل، وإن قلّوا، وربما في كل إنسان جزء من ذلك «المدعو ك»، إلا أنه مسيطر عليه، أو متوارٍ بعيداً جداً في الظل. والاختلاف على تلك الشخصية، ينطق بحرفية مَن وراءها.. «صنايعي» الرواية الذي يحرك «المدعو ك» بشكل مغاير، المؤلف عزيز محمد، الذي يمسك بكل الخيوط، رغم أنها الإطلالة الأولى له في ذلك العالم المزدحم بالسرد الحقيقي، وكذلك محاولات ادعائه. يبثّ «المدعو ك» يومياته في 40 أسبوعاً، ورغم أن ذلك هو الإطار الزمني للرواية، إلا أن الشخصية تضرب إلى ما قبل ذلك بكثير، تنبش في اليوميات البعيدة، في اليوم الأول للمدرسة ودموعه، والطالب المنطوي الذي يجلس بالمقعد الثاني، خوفاً من المواجهة، ويكون الأول دوماً، ليس حباً في التعلم ولكن لضيق صدره من أن تطول أعوام الدراسة عاماً إضافياً، يستعيد، خلال أسابيع المرض، تفاصيل بلا حصر، لا يترك مساحة للآخر، لأنه مستغنٍ عنه، ولذا يصفه هو ويحكم عليه، بل ويحاكمه، يصدم عوّاده من زملاء العمل والجيران، وكأنه يقول لهم ليتكم لا تعودون مرة أخرى، يكفيني كمبيوتري المحمول وبعض الكتب.

لا قضايا كبرى

لا تصلح رواية عزيز محمد التي تنافس على «البوكر العربية»، لقارئ ينتظر عملاً على هواه، أو حبكة حافلة بالتشويق وصدى القضايا الكبرى، والشخصيات المتصارعة التي تتحول وتحب وتكره وتَجرح وتُجرح، فثمة عالم مصغر حافل بالتعاسة، يعكسه «المدعو ك»، بإمكانك أن تحمله من السعودية وتضعه بأي حيز آخر ولن يتبدل، لا تعنيه أحاديث السياسة وقضايا الساعة ولا حتى مباريات الدوريات المشتعلة، وحينما يستشيره زوّاره عن رأيه في الحاصل، يرد بأن أخطر القضايا هي التغير المناخي وآثاره المدمرة على كوكبنا، ما يجعل هؤلاء في حيرة، فما عن هذا سألوا، علاوة على السخرية التي تتمدد في أرجاء الرواية، وتتحكم بلغتها، وكأنها كوميديا سوداء، حافلة بالتهكم على كل ما يدور، أو أن الراوي قد بتر شيئاً اسمه التعاطف، مع الذات أو مع الآخر.

جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو لأعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.