Emarat Alyoum

«هدرة» تستعيد الكوميديا الرصينة.. و«حضرة حرة» من المهجر

التاريخ:: 13 يناير 2018
المصدر: محمد عبدالمقصود ـــ تونس
«هدرة» تستعيد الكوميديا الرصينة.. و«حضرة حرة» من المهجر

حالة من الارتياح سادت أوساط حضور فعاليات مهرجان المسرح العربي، في ثاني أيام دورته العاشرة التي تستضيفها العاصمة التونسية، حتى الـ16 من الشهر الجاري، مبعثها عرضان نالا استحساناً وإشادة جماهيرية ونقدية، مثّلا الحدث الأهم، في يوم جاء ثرياً بالتفاصيل.

صورة وماكياج

تفوّق الصورة والجمالية التقنية على بقية عناصر العمل كان واضحاً في «الجلسة»، حيث تناغمت ألوان الملابس المصممة بجهد لافت مع الإضاءة المعتمدة في لوحات العرض، خصوصاً الخافتة منها التي تماشت مع رقصات وحركات ممثلي «الجلسة»، كما شكل الماكياج المختار بدوره نقطة مضيئة أخرى في العمل المصري.

أيمن زيدان: أين مُنظّرو المسرح؟

لم تحظَ ندوة مسرحية تحدّث فيها الفنان السوري أيمن زيدان، بالحضور المتوقع، على الرغم من أن الرقم المعلن لضيوف المهرجان، من مسرحيين وإعلاميين، هو 600 ضيف.

وقال زيدان «أين المنظرون والنقاد الكثر في المسرح العربي؟ لماذا نشاهدهم في تجمعات لا علاقة لها بفن المسرح، ويغيبون عن هكذا ندوة».

وبالرغم من وجود عروض متعددة في هذا اليوم، إلا أن مشهد المسرح الجزائري كان الأبرز، بسبب تلك الحالة التي تمكنت بها مسرحية «ما بقات هدرة»، من مفاجأة من لا يتوقعون الكثير بحضور المسرح الكوميدي، في المهرجانات الرسمية، ليكون المؤدى، عمل كوميدي رصين، نجح في خلق جماليات يبحث عنها الجمهور، ويُرحب بالاشتغال عليها المنتمون للأوساط النقدية أيضاً.

وبإخراج وتأليف محمد شرشال، استضاف المسرح البلدي، العرض الجزائري، الذي استعان فيه مخرجه بوجوه علتها رسومات المهرجين وملابس تناسقت مع تلك الوجوه، وكأننا في البداية أمام عرض تقليدي، ربما يكون متكرراً على الخشبات العربية لمئات المرات، ضمن عروض استوحت سذاجة المهرجين لصناعة مواقف كوميدية.

وعبر أداء تمثيلي متمكن، ورؤية اخراجية لم تغيّب الخط الكوميدي الرئيس على طول الخط، تنقّل العمل، بتكثيف مناسب، ليعرض صراعاً بين «سلطة» الأب المهيمن، الكاريكاتيري في هيئته الضخمة، وملابسه التقليدية الرسمية، وبين أبناء في أطوار عمرية مختلفة، في حضور «الأم»، التي تحتضن الجميع، بلا استثناء، رغم انحيازاتها لبعضهم، ومعاناتها من سطوة «نظام» الأب.

العمل دخل في تحدٍّ جديد، جعله يبدو أقرب إلى فنيات التمثيل الصامت، وكأن المسرحية بصدد ورطة حقيقية، لكن بفضل الأداء المبهر للممثلين، جاءت هذه المساحة التي أخذت حيزاً طويلاً من العمل، لتفجر مزيداً من جماليات الأداء، والحلول الإخراجية معاً، في ظل أعمار مغايرة قام منحها للممثلين، الذين تقازموا ليصبحوا أطفالاً، شديدي الإقناع على خشبة استقبلت تهنئة المنافسين على الجائزة الكبرى، قبل عشاق المسرح الجزائري، ليكون ختام العرض بمثابة استبيان حقيقي يجيب بالإيجاب حول ما إذا كان المسرح الكوميدي العربي لايزال قادراً على صناعة أعمال تُرضي الجمهور، وتخلص للمعايير النقدية في الوقت ذاته.

ولم يغب المسرح السوري في «المهجر»، كما تصطلح عليه الآن أدبيات «المسرح العربي»، عن المسابقة الرسمية للمهرجان، بل حرص الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبدالله، على تقدير الجهد المبذول من قبل المسرحيين العرب بالمهجر عموماً لإنتاج أعمال تعكس قضاياهم وطموحاتهم.

حيث احتضنت قاعة الفن الرابع بالعاصمة التونسية، أول من أمس، المسرحية السورية الألمانية «حضرة حرّة» لأسامة الحفيري.

وتطرح «حضرة حرّة» عبر نسق ممتدّ من الرقصات والمشاهد تنقّل «المغترب» من حالة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر، مصوّرة صعوبة هذا «التنقل» أو الانتقال، فكأنه يحمل الكرة الأرضية فوق رأسه، وكأنه يحاول التخلّص من شيء ما عالق في ذاكرته، ولكن دون جدوى.

وتعد المسرحية عملاً مشتركاً بين مسرحيين سوريين يعيشون في «المهجر» وزملاء لهم من العالم العربي يقاسمونهم العيش في ألمانيا.

مسرح «الريو» في تونس العاصمة أيضاً كان على موعد مع عمل مسرحي مهم، قدم المسرح المصري، عبر مسرحية «الجلسة»، بصورة مغايرة عما ظهر بها في الدورتين الماضيتين، اللتين ابتعد فيهما عن دائرة المنافسة على جائزة المهرجان الكبرى، بالرغم من أن العمل دار أيضاً في فضاء عوالم الجن والأساطير، التي أنتجت في مجملها الكثير من الأعمال المتشابهة.

واختار المخرج المصري مناضل عنتر خوض مغامرة فنية تتداخل فيها عوالم الإنس والجن، تتشكل الأساطير والحكايا الموروثة في حركات وكلمات أبطالها. قوى تدّعي الشر وأخرى الخير تتصارع على فتاة شابة تعاني مساً شيطانياً، تتناقلها الأيادي هنا وهناك، تارة تغادرها الأرواح الشريرة، وفي أطوار أخرى تعود إليها أكثر قوة. وفي سياق العرض المصري، الذي استعان مخرجه بأداء حركي راقص تم توظيفه بشكل فاعل لخدمة الدلالات النفسية للشخوص، يحاول رجلا دين إنقاذ الفتاة، متسلحين بقوة إيمان، تضعف أحياناً في مواجهة ألاعيب الإغواء وإثارة الشك والخوف المتقنة من طرف محركي العالم السفلي.