Emarat Alyoum

«الشعر في الخشب».. منحوتات تضج بالحياة

التاريخ:: 27 سبتمبر 2016
المصدر: ديانا أيوب – دبي
«الشعر في الخشب».. منحوتات تضج بالحياة

يحيل الفنان اللبناني شوقي شوكيني الخشب الى أجساد ومجسمات تجريدية، فهو يصوغ من هذه المادة الصلبة لغة تنساب عبر أوتار الخشب، ليروي لنا رحلته الخاصة مع تشكيل وقولبة المادة. ويقدم غرين آرت غاليري مجموعة من أعمال الفنان في معرض افتتح أخيراً بدبي تحت عنوان «الشعر في الخشب»، يضم منحوتات ورسومات تعود الى مراحل زمنية مختلفة من مسيرته، ويبرز الهوية التي ظل محافظاً عليها الفنان، على الرغم من تغير الوسائط وكذلك النمط الذي عمل عليه على مر السنين، حيث بقي محافظا على روح واحدة نجدها حاضرة في كل الأعمال.

يقدم المعرض الذي يستمر حتى 30 أكتوبر مجموعة من المنحوتات الخشبية التي حاول الفنان أن يصوغها شعرا فنيا خالصا، فهي لغة قائمة بذاتها، يدعونا الفنان الى توغلها وفهمها عبر الأشكال المتعددة التي يمنحها للخشب، والتي تكون تجريدية أو تمثل الإنسان. نلمس من خلال الأعمال تعاطياً خاصاً مع الكتلة، فهنا نجده يحفر الخشب، ويحيل الكتل والمجسمات الى تراكيب فوق بعضها بعضاً، تحمل بداخلها الكثير من الفراغات التي تبرز الضوء الذي بدوره يتداخل مع النحت فيصبح من أجزاء العمل. هذا البناء الذي يتجسد عبر الخشب يتكون من خلال الدمار، فكل تكوين وبناء يحتاج بالمقابل الى تدمير وإزالة، هكذا يتلاعب شوكيني بالخشب وسط معادلة يوازن فيها بين مرادفي التدمير والبناء. كل ذلك يجعل منحوتات شوكيني تضج بالحركة، فنرى في المنحوتات الكثير من الصخب والحياة، وتتجسد هذه الحياة في الوتر الذي يتعمد إيجاده في كل المنحوتات على شكل خط رفيع، ما يجعلها أبعد ما يكون عن السكون.

نلمس من خلال المعرض الذي يشتمل على أعمال تمتد إلى أربعة عقود من حياة الفنان كيف تطور أسلوبه عبر السنين، وكيف كان النحت يأخذ أشكالاً جديدة دون المساس بالهوية، مع عدم إغفال التأثر الواضح بالتكعيبية، الذي برز بشكل واضح في الرسومات التي كانت تعبر بشكل مباشر عن رؤية الفنان النحتية. الرسومات الموجودة في المعرض تنقسم الى قسمين: ملونة، وأخرى بالرصاص، وتحمل الأخيرة الكثير من التكوينات التي تشبه المنحوتات، حتى إنها تكاد تكون ترجمة فعلية لها. هكذا تتجسد في المعرض الأعمال بين الآنية والذاكرة، فنجدها تحافظ في أجزاء منها على الواقع، بينما في أجزاء تبدو كما لو أنها حلم بعيد المنال.

شوكيني قال لـ«الإمارات اليوم» عن معرضه: «تنتمي الأعمال الموجودة في المعرض الى مراحل عدة، فهي تمتد من مرحلة السبعينات الى عام 2016». ولفت الى أنه حافظ على هويته في الفن خلال تلك المراحل، فأعماله كانت تتطور مع الوقت، موضحاً أنه بدأ أعماله في كلية الفنون الجميلة في باريس، وتطورت وحملت الكثير من التغيير، اذ كانت في البداية تصويرية، ثم انتقلت الى مرحلة التجريد، الذي كان عبارة عن تجريد يرمز للطبيعة أكثر من كونه تجريدا خالصا، فهو يمثل الطبيعة كما تكون من الداخل وليس كما نراها بالعين المجردة، ويمكن وصفه بالتجريد العضوي.

ولفت شوكيني الى أنه اختار الخشب كونه مادة حية، ولأنه يحب الشجر، منوهاً بأنه يستخدم الخشب باحترام، كون مصدره الشجر الذي هو شيء مبارك، واصفاً نفسه بالنحات قبل أي شيء، ويعبر عن نفسه وفكره ورؤيته للحياة من خلال النحت. وشدد النحات المقيم في فرنسا على أن الانسان يعني له الكثير، ويجسده في أعماله لأنه يرى أنه يعيش في صراع دائم للبقاء، وهو مستمر في الحفاظ على توازنه، فهناك طاقة عند الانسان وتجذبه الى الجهتين، إما للخير أو الشر، لذا وسط هذه الدوامة يحافظ على التوازن كي يحافظ على وجوده أولاً، ووجوده مع الآخرين ثانياً. وأضاف: «الإنسان لديه نوع من الشرخ والميول كي يعيش صراعا خفيا وداخليا وضمنيا لا واع، يدفعه الى الانشقاق والانفصام، ولكن بقدرته واندماجه في المجتمع يحافظ على وحدة شخصيته، فيحافظ على النسق الكامل كي يبقى مكتملاً». أما من الناحية التقنية في العمل، فنوه بأنه لا يواجه تحديات كثيرة تذكر، منوهاً بأن الخشب هي المادة التي تلمسه أكثر، إذ اهتم بالحجر في فترة من حياته، ولكن الخشب جذبه، ولهذا اختار أن يكمل طريقه مع هذه المادة.

أما العمل على الرسم واللون فلفت الى أنها تمثل فترة زمنية وتجربة خاصة، منوهاً بأنه استخدم ألوان الاكواريل، وهي عبارة عن تركيب تجريدي، فيها مقاربة من النحت، كما أنها تأخذ اسم مكان، أو أنها تمثل أماكن كانت مسكونة وباتت مهجورة.

سيرة فنية

ولد الفنان شوقي شوكيني عام 1946 في بلدة شوكين في لبنان. ودرس الفنون في باريس، وحصل على جائزة النحات الشاب عام 1978، ثم نال بعدها جائزة منظمة تايلور عام 2010. درس الفنون في الجامعة اللبنانية، وكذلك في جامعة اليرموك في الاردن، ثم انتقل بعدها الى الإقامة في باريس. قدم مجموعة من المعارض في بلدان عدة، منها في باريس، والكويت، والقاهرة. اقتنيت أعماله في مجموعات ومؤسسات فنية، منها متحف الفن المعاصر دي كال دي مارن في فرنسا، ومعهد العالم العربي في فرنسا، والمتحف العربي للفن الحديث في الدوحة، والمركز الوطني للفنون في فرنسا.