آذار نفيسي تبوح بـ «أشياء كنت ساكتة عنها»

كاتبة إيرانية تواصل إفشاء الأسرار

صورة

من جديد؛ تعاود الكاتبة الإيرانية آذار نفيسي «إفشاء الأسرار»، لتؤكد في ذكرياتها التي صدرت بعنوان «أشياء كنت ساكتة عنها» أنها ضد السكوت، وأنها تواصل النبش في تاريخها العائلي المتماس مع أزمة بلدها، كيما تكمل تفاصيل لوحة كبيرة.

لم تكتفِ آذار نفيسي بما قدمته من سيرة من قبل في «أن تقرأ لوليتا في طهران»، ذلك الكتاب الذي لقي صدى كبيراً حين صدوره قبل سنوات؛ إذ تروي في «أشياء كنت ساكتة عنها» حكايا عن العائلة، وصوراً عن إيران القديمة التي ترعرعت فيها، و«قصة أسرة تتكشف إزاء خلفية عهد مضطرب من تاريخ إيران السياسي والثقافي».

بروفيسور متمردة

آذار نفيسي أستاذة جامعية، تحمل لقب بروفيسور. عملت بتدريس الأدب الغربي في جامعة طهران والجامعة الإسلامية الحرة وجامعة العلامة الطباطبائي. في سنة 1981 فصلت من جامعة طهران بعد رفضها ارتداء الحجاب. في 1994 حصلت على منحة من جامعة إكسفورد. وفي 1997 غادرت هي وأسرتها إيران، واستقرت في الولايات المتحدة الأميركية. كتبت في العديد من الصحف العالمية، ومن مؤلفاتها: «أن تقرأ لوليتا في طهران» (سيرة في كتاب)، و«ضد الأرض» دراسة نقدية عن روايات فلاديمير نابوكوف، و«بيبي والصوت الأخضر».

تبرّر آذار نفيسي سبب العودة إلى الذكريات بقولها «هكذا يأتي الماضي إلينا، لا يأتي بصورة رقيقة وناعمة، بل يأتي كالسكين، ودوماً بصورة غير متوقعة، ويأتي بهيئة شذرات، تحاول أن تلملم القطع الصغيرة، لكنك لا تستطيع أن تفهمه فعلاً إلا إذا تقبلت طبيعة كونه لا يمكن أن يستعاد، وأنه متشظٍ». فالمؤلفة تحاول لملمة ذلك الماضي، وإذا كانت في كتابها الأول «أن تقرأ لوليتا في طهران» قد انشغلت بذاتها أكثر، وبقضية الحرية التي حاولت انتزاعها غلاباً، وما تعرضت له من مضايقات، فإنها في «أشياء كنت ساكتة عنها» تنطلق من يوميات الأب أحمد نفيسي، وكذلك الأم نزهت نفيسي، ولا تغيب الحرية التي تعد القضية الأبرز لدى الكاتبة، التي أجبرت على الهجرة من وطنها، والاستقرار في أميركا. بدأ الوالد المولع بالأدب والفلسفة، وجلال الدين الرومي، وفريد الدين العطار و«شاهنامه» الفردوسي، في كتابة يومياته، وابنته في الرابعة من العمر، وأعطاها إياها بعد عقود، وكانت قد جرت في النهر أحداث بالجملة، فتغيّر شكل إيران كلياً، وتعرّض الأب لحكاية درامية خلال الستينات من القرن الماضي، إذ علا نجمه ووصل إلى منصب محافظ طهران، ثم سجن باتهامات الفساد، وأفرج عنه بعد ذلك وبرئ من تهم الفساد، إلا أن تهمة العصيان والعيب في الشاه لم تسقط عنه، لذا حرم تولي وظائف.

بسلاسة تنتقل آذار بين الشأن الشخصي والعام، تقتبس من يوميات الأب، وتعلق عليها، تسرد قصة من تراث بلادها الحافل بالأساطير والشعر، وتعود إلى أزمات، داخل بيتها وخارجه، تروي تفاصيل قد يتحرّج البعض من البوح بها، لكن يبدو أن آذار ضد الصمت بكل صوره؛ فكما تنتقد الشأن العام والتضييق على الحريات، تنتقد أمها وبعض فصول حياتها الأولى مع زوجها وولديها، إلا أن ذلك الانتقاد يصل قبل النهاية إلى شيء آخر، تكشف عنه قراءة كتاب «أشياء كنت ساكتة عنها»، الذي نقله إلى العربية المترجم العراقي علي عبدالأمير صالح، وصدر عن منشورات الجمل.

تقول الكاتبة معلقة على موت أبويها، وعدم استطاعتها توديعهما للمرة الأخيرة، والإطلالة عليهما قبل الرقدة الأخيرة: «لقد قيل لي مراراً إنها لم تكن غلطتي ألا أكون حاضرة عندما توفي أبواي، لكن هذه الأقوال كلها لم تمنحني العزاء، ولا أشعر بأنني أفضل حالاً، لأن السياسة حقيقة هي التي منعتني من رؤية أبويّ، ولا أشعر بالسلوى لأن بنات أخريات تعين عليهن أن يعانين أكثر مني، كأولاد مديرة مدرستي القديمة، الذين كانوا بعيدين عندما وضعوا أمهم في كيس وشنقوها، أو قتلتها زمرة الرمي بالرصاص، إنني ألعن الأنظمة الشمولية لأنها تعلق مواطنيها من نياط أفئدتهم. علمتني الثورة ألا أجد العزاء في مآسي الناس الآخرين، وألا أشعر بالامتنان لأن أناساً آخرين كانوا يتعذبون أكثر مني. الوجع والخسارة، كالحب والفرح، فريدان وشخصيان؛ لا يمكن تخفيفهما من خلال المقارنة بالآخرين.

تويتر