مؤسسة الشارقة للفنون تنظم معرضاً للفنان الفلسطيني الفطري

عبدالحي مسلّم.. من «الطـيران» إلى الفن التشكيلي

صورة

يجسد الفنان عبدالحي مسلّم الذاكرة الشعبية الفلسطينية في أعماله الفنية، منذ بداية السبعينات، حين هجر الطيران لينشغل بالفن التشكيلي، ويشكل مدرسة فنية خاصة به، على الرغم من عدم التحاقه بأي كلية للفنون.

عبدالحي مسلّم فنان فطري، ترك العمل العسكري في سلاح الجو الأردني في السبعينات، ليخوض تجربة التحليق عبر الفن، وهو على مشارف سن الـ40. وكانت فلسطين هي عنوانه الأول في كل مراحله الفنية، إذ أنه تناول الطقوس الشعبية، ورصدها وجسدها في أعماله التي يستخدم فيها نشارة الخشب مع الغراء، ليشكل «طينة» العمل التي يشكلها بيديه، قبل أن يلونها باستخدام ألوان الأكريليك. وتبدو أعمال الفنان النحتية، ومنحوتاته البارزة على سطح الخشب، بمثابة سيرة شعبية لطقوس الشعب الفلسطيني، في أفراحه وأحزانه. وتمثل أعمال الفنان تراجيدية الطين واحتفالياته في الوقت نفسه.

واحتفاء بتجربة الفنان عبدالحي مسّلم، تنظم مؤسسة الشارقة للفنون معرضاً للفنان يضم 31 عملاً، يفتتح في السبت المقبل في «قلب الشارقة». ويأتي المعرض الذي يستمر حتى 10 يناير المقبل، في المباني الفنية للمؤسسة، بمبادرة من الشيخة حور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، وبالتنسيق مع رئيسة مؤسسة خالد شومان ودارة الفنون في العاصمة الأردنية عمّان، الفنانة سهى شومان.

ويمثل المعرض مختلف مراحل الفنان منذ مطلع السبعينات حتى نهاية عام 2012، إذ لم يعد بمقدوره مزاولة الفن منذ عامين.

وعن معرضه في الشارقة، قال «هذا المعرض هو الأول لي في الشارقة، ويضم 31 عملاً من النحت البارز، تمثل مراحل تجربتي»، موضحاً أن المعرض يضم أعمالاً عن الحياة الشعبية والنضال الفلسطيني وحركات التحرر العالمية. وأشار إلى أن المعرض بمبادرة من الشيخة حور، والفنانة الفلسطينية سهى شومان، مبدياً رغبته في أن تقوم مؤسسة الشارقة للفنون بطباعة بطاقات ومفكرات سنوية وقمصان وملصقات تحمل صوراً لأعماله الفنية، ما يسهم في وصول رسالته إلى أكبر عدد ممكن من الناس.

عبدالحي مسلّم، الذي ولد في قرية الدوايمة في الخليل عام 1933، تنقل في دول عدة، منذ التهجير الأول نتيجة الاحتلال الإسرائيلي، وظلّ طوال مسيرته الحياتية والفنية يرصد الحياة الشعبية الفلسطينية ويوثقها بطريقته في النحت البارز والمنحوتات، خلال أكثر من 40 عاماً. وتركز أعماله كلها على التحرر ومعاني الفداء والصمود، وكذلك توثق الطقوس الفلسطينية من الأعراس والملابس التقليدية وتفاصيل الحياة الشعبية. وترصد أعماله المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، كما ترصد تضحيات الشعب الفلسطيني ونضالاته ضد الاحتلال.

وفي لقاء في منزله في جبل القصور في عمّان، قال الفنان عبدالحي مسلّم لـ«الإمارات اليوم» عن مسيرته الحياتية «كان حلمي أن أصبح مقاتلاً في سبيل تحرير فلسطين، لكن لم يحدث ذلك، فأحسست أنني أقاتل بالفن»، مؤكداً أن «الفن الملتزم لا يقل عن الطلقة، إذا كان في الطريق الصحيح من أجل القضية الفلسطينية».

وعن شؤون الفن وشجونه أضاف «أشعر بالقطيعة في الوسط الفني، مع أنني هربت من العسكرية إلى الفن كونه عالماً جمالياً وأخلاقياً». لكنه أكد أن لديه رسالة يريد أن يوصلها إلى العالم، ويرى أن أعماله التي بلغ عددها أكثر من 800 عمل فني خلال مسيرته، مكرسة لفلسطين والحرية والعدالة، كما أنها ترصد بشاعة الاحتلال الإسرائيلي، وتؤكد أن الحرية هي سيرة الشعوب في كل العالم على الرغم من المعاناة.

وأردف أن «جانباً من أعمالي توثق فنياً الطقوس الشعبية الفلسطينية والأزياء وتفاصيل متعددة من المواسم الزراعية»، مشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول باستمرار السطو على تراث الشعب الفلسطيني، ويحاول تزوير التاريخ.

في البيت الذي يحمل الرقم (62) استقبل الفنان عبدالحي مسلّم «الإمارات اليوم»، على الرغم من تعبه، لكن روح الفن كانت أقوى من المرض. يقع البيت على سفح الجبل، ويتكون من ثلاثة مستويات، الأول مكان إقامة العائلة، والثاني معرض الأعمال الفنية، والثالث محترف الرسم. وكان الفنان، الذي يبلغ من العمر 81 عاماً، يتوكأ على عكاز، قد نزل الدرجات الـ38 إلى المحترف، حيث كان الحوار، ومشاهدة الأعمال الفنية التي حرص على لفها بقطع من البلاستيك الشفاف للمحافظة عليها. كما كان يحتفظ بأرشيف من الصور والمقالات الصحافية عن أعماله خلال أكثر من 40 عاماً.

عن علاقاته بالفنانين التشكيليين، قال عبدالحي مسلّم «خلال السنوات الـ10 الأولى من ممارستي الفن التشكيلي، لم أتعرف على أي فنان. لكنني تواصلت مع بعضهم بعدما شكلت مدرستي الخاصة بالفن»، مشيراً إلى أنه في مؤتمر للفنانين في بيروت عام 1979، التقيت الفنان الراحل مصطفى الحلّاج، وكان أكثر فنان شدني».

تبدو أعمال الفنان مسلّم امتداداً فطرياً للفن الكنعاني وكذلك الآشوري، وقال «عملت بالفن بفطرية وبساطة من دون معرفة بمسيرة الفن في التاريخ، لكنني لاحقاً اكتشفت قربي من الفنان الكنعاني، وقربي من الفن الآشوري أيضاً».

عرضت أعمال الفنان الفلسطيني في كثير من الدول، إذ أقام أكثر من 35 معرضاً شخصياً. وكانت دارة الفنون في عمان كرمته في فبراير الماضي خلال احتفالها بمرور 25 عاما على تأسيسها، ونظمت معرضاً له، بالإضافة إلى عرض فيلم عن سيرته الحياتية والفنية.

الفنان مسلّم الذي عاش في فلسطين منذ ولادته عام 1933 حتى عام النكبة 1948، ثم في الأردن وليبيا ولبنان وسورية، ثم عاد إلى عمّان حيث يقيم في جبل القصور، قال إن دارة الفنون في عمّان ومتحف محمود درويش في رام الله التفتا إلى تجربته باهتمام بالغ، بينما كثير من المؤسسات الثقافية الفلسطينية لم تقدم له شيئاً. وأضاف «أحلم بمتحف يضم أعمالي الفنية المتبقية التي يزيد عددها على 400، بحيث أشرف على المتحف، ليكون سجلاً فنيا للقضية الفلسطينية والتراث الشعبي الفلسطيني»، مؤكداً «أحسست بقيمة أعمالي خارج الوطن العربي، حين أقمت معارض في دول عدة».

وروى أن في هلسنكي أصبح منزل فنان فنلندي مزاراً، يؤمه الزوار من كل العالم، مع أنه لا يضم سوى 60 عملاً فنياً. كما روى قصته حين كان في يوغسلافيا «في الفندق الذي كنت أقيم فيه طلبت مواد من نشارة الخشب والغراء من إدارة الفندق، وبدأت أعمل، وهناك حضرت فنانة، وكانت أمها ترتدي ثوباً فلسطينياً، تدعي أنه إسرائيلي، فصعقت وأخبرتها حكاية الثوب الفلسطيني»، وأضاف «منذ تلك اللحظة الفارقة أصبحت أركز في أعمالي على الثوب الفلسطيني بمختلف تطريزاته وإدخال كلمات من الأغاني الشعبية».

 

طقوس الصيف والشتاء

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/2042545%20(1).jpg

قال الفنان مسلّم في شهادة له إن هناك العديد من الطقوس والأعمال التي تقام في قرية الدوايمة خلال فترة الصيف (موسم الحصيدة وقطاف الزيتون) وبعدها يستعد الأهالي للأعراس والطهور. بينما يقل نشاط الناس في الشتاء، ما عدا السهرات في المضافات وممارسة ألعاب مثل الشدة والصينية أو الخويتمة، التي تستعمل فيها فناجين القهوة السادة بالإضافة إلى خاتم.

وتحدث عن بعض العادات التي تؤكد على التكافل الاجتماعي، مثل «العونة» حيث تقوم عائلات بمساعدة عائلات أخرى في موسم الحصاد وقطف الزيتون. وتساعد النساء في جلب المياه والطين عندما تحتاج عائلة إلى تطيين بيوتها قبل موسم الشتاء أو لبناء بيت جديد.

طفولة الفن

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/2042545%20(2).JPG

قال الفنان الفلسطيني عبدالحي مسلّم «كنت في طفولتي أحب اللعب بالخشب وأحاول صنع أشياء صغيرة منه، وكنت كثيراً ما أذهب إلى مشغل النجار في القرية وأراقبه وهو يقوم بصناعة الأبواب والشبابيك. وكنت أشاهده أحياناً وهو يقوم بترميم الثقوب بعجينة نشارة الخشب مع الغراء الأبيض»، مضيفاً «بدأت في العمل بتجميع بعض قطع الخشب على شكل رجل وبيده بندقية، وأقوم بعجن النشارة وإلصاق القطع بعضها بعضاً وأنتظر حتى تجف وأقوم بطلائها بالألوان العادية التي تستعمل لطلاء الخشب ولم يكن لديّ أي دراية أو خبرة باستعمال الألوان الخاصة بالرسم».

أنجز الفنان، آنذاك، 10 قطع، جزء منها تجسيد للفدائيين بلباسهم المبرقع، والحطة المرقّطة. كما أنجز بعض الأعمال لامرأة فلسطينية ورجال باللباس الفلاحي، «خلال شهرين من إنجاز هذه المجموعة بدأت أشعر بارتياح نفسي بعض الشيء». وكانت أولى مشاركاته في «جناح فلسطين» في معرض طرابلس الدولي في ليبيا عام 1972. وكان أول معرض شخصي له نظمه الاتحاد العام لطلبة فلسطين، فرع طرابلس ليبيا، بمناسبة عيد الثورة عام 1978.

الدراسة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/2042545%20(3).JPG

روى عبدالحي مسلّم أنه أكمل بنجاح الدراسة حتى الصف السادس الابتدائي «لا توجد في قرية الدوايمة صفوف أعلى من الصف السادس، لذلك كانت آخر مرحلة دراسة لي شهادة الصف السادس عام 1946، ولم يكن باستطاعتي مواصلة الدراسة خارج القرية لظروف حالت دون ذلك، ولكن بعض زملائي حالفهم الحظ بالدراسة في قرية دورا، وبعضهم في قرية بيت جبريل».

 

 

إشارة تراجيدية

عاش الفنان الفلسطيني الفطري عبدالحي مسلّم طفولته في قرية الدوايمة، بين كروم العنب والتين والزيتون، وفي الحارات. وكانت أول إشارة تراجيدية في حياة الطفل ابن الأعوام الخمسة تمثلت في وفاة والده. وأفاد الفنان عن تلك المرحلة «توفي والدي وأنا في الخامسة من عمري، وكانت عائلتي تضم أربع بنات وأنا، وكانت والدتي حاملاً وكانت الأمنية أن تنجب ولداً، لكنها ولدت شقيقتي الخامسة». لذلك كان كثيراً ما يرافق والدته وشقيقاته في حفلات النساء خلال الأعراس، وكان يستمع إلى الأغاني الشعبية ويشاهد طقوس العرس، خصوصاً الحناء وتحضير الولائم وموكب الزفاف وحلقات الدبكة. وأردف «كثيراً ما كنت أرافق والدتي وشقيقاتي إلى حفل النساء في بيت العروس، خصوصاً عندما تذهب الصبايا حاملات الحناء من بيت العريس إلى بيت العروس، وكن يقمن بالأغاني ابتداء من بيت العريس حتى يصلن إلى بيت العروس، وكان يتقدمهن رجل مسن من أهل العريس، طقوس الحناء تستمر لمدة يومين، وفي اليوم الثالث تذبح الذبائح ويبدأ أهل العريس من الصباح تحضير الطعام من أجل تقديمه في المساء جاهزاً».

وأضاف «بعد وفاة والدي تكفلت بنا والدتي وشقيقاتي الكبيرات في فلاحة الأرض وأشجار الزيتون والعنب والتين، وكانت تواصل الليل بالنهار للحفاظ علينا واستمرار حياتنا دون الحاجة إلى أحد».

هذه المعايشة كانت واحدة من المرجعيات الأساسية في تجربة عبدالحي مسلّم الفنية، حيث أنجز كثيراً من الأعمال التي تصور موكب العرس وطقوس الزواج، مع إضافة عبارات من الأغاني والقصائد الشعبية.

وذكر الفنان عبدالحي مسلم أن الفترة من عام 1955 حتى 1970 كانت مرحلة حافلة بالنسبة له، من حيث الوعي وممارسة العمل السياسي، خصوصاً ما يتعلق بفلسطين، النكبة والتهجير والتشريد وعدم الاستقرار، والصراعات التي كانت تدور حول المنطقة، «حينها زاد وعيي وحلمي وطموحي أن أقوم بأي عمل لخدمة فلسطين»، وذكر أن القائد الشهيد ياسر عرفات كان يطلع على أعماله الفنية في مرحلة بيروت.

 

 

تويتر