Emarat Alyoum

«المدينة المحصنة» تفتـح قلبها لشعراء من العالم

التاريخ:: 16 سبتمبر 2014
المصدر: علي العامري ـــ طليطلة
«المدينة المحصنة» تفتـح قلبها لشعراء من العالم

احتضنت مدينة طليطلة الإسبانية مهرجانها الشعري الثاني، في الفترة من الخامس حتى السابع من سبتمبر الجاري، وسط احتفاء بالشعر والشعراء من مختلف دول العالم. وحقق المهرجان نجاحاً كبيراً على مدار أيامه الثلاثة، إذ دخل الشعراء بقصائدهم «المدينة المحصنة»، وهو أحد أوصاف طليطلة، التي تعد متحفاً في الهواء الطلق، لكثرة ما تضمه من آثار ومواقع تاريخية، حتى أنها دخلت سجل «اليونسكو» للتراث الإنساني في عام 1986، ويزورها كثير من السياح من مختلف دول العالم.

وشارك في المهرجان 41 شاعراً من العالم، من بينهم 15 شاعراً عربياً، ولم توجه إدارة المهرجان دعوة إلى أي شاعر إسرائيلي. وغابت الشاعرة الإسبانية كلارا خانيس، صاحبة «حجر النار»، عن المهرجان لظروف صحية.

وتعددت الأشكال الشعرية في اللقاءات التي بلغت 93 لقاء شعرياً، حيث قرأ كل شاعر بلغته الأم، وقرأ ممثلون الترجمة إلى اللغة الإسبانية. وشملت الأشكال الشعرية القصيدة المشهدية والصوتية والصامتة، وقصيدة الصورة، كما شارك شعراء من الصم والبكم.

في المدينة التي يلفها نهر تاخو «تاجو» من جهاتها الثلاث، كان الشعر هو الجهة الرابعة التي تمثل فضاء الإبداع. وتميز المهرجان بدقة التنظيم، بدءاً من رسائل الدعوات التي وجهت إلى الشعراء، حتى ليلة الاختتام التي شهدت أمسيات شعرية متعددة في «ثيغرّال دل أنخل» (بيت الملاك)، الذي يعد تحفة معمارية على ربوة تطل على نهر تاخو.

افتتاح

في حفل الافتتاح، الذي جرى صباح الخامس من سبتمبر الجاري في معهد للعلوم التقنية، تحدث عمدة مدينة طليطلة، إيميليانو سانشيز، عن أهمية مهرجان طليطلة الشعري، مؤكداً دعمه لاستمرار المهرجان السنوي. وقال إن «المهرجان يعد رافداً ثقافياً وجمالياً واقتصادياً أيضاً للمدينة»، موضحاً أن أهالي المدينة حريصون على دعمه، ليواصل دوراته السنوية، ويجمع شعراء من العالم في مدينتهم التاريخية.

وأضاف سانشيز أن الاستثمار في الثقافة جزء من رؤية المدينة، التي تشهد حركة متزايدة خلال أيام المهرجان، إذ يزورها كثير من المهتمين والمثقفين من مختلف مدن إسبانيا، لحضور فعاليات المهرجان التي تتوزع في مواقع متعددة.

كما أكدت المسؤولة الثقافية في طليطلة أهمية دعم المهرجان ومواصلته استضافة الشعراء والفنانين. ويعد مهرجان طليطلة النسخة الإسبانية لمهرجان سيت الشعري «أصوات حية من المتوسط»، الذي يقام في جنوب فرنسا سنوياً، كما يقام في تونس وإيطاليا.

وتحدثت مديرة مهرجان سيت الفرنسي، مايتي فاليس بليد، عن مسيرة المهرجان الذي بدأ في مدينة لوديف، ثم انتقل إلى مدينة سيت، ويستضيف سنوياً نحو 100 شاعر، علاوة على الموسيقيين والممثلين والحكواتيين والفنانين التشكيليين. وأكدت أهمية استمرار مهرجان طليطلة الشعري، وأهمية دعمه ليواصل فعله الثقافي في إسبانيا.

وقالت، لـ«الإمارات اليوم» بعد افتتاح المهرجان، إن «مهرجان سيت الفرنسي يسعى إلى إقامة نسخة منه في فلسطين»، مشيرة إلى أنها أجرت اتصالات مع الشاعر الفلسطيني غسان زقطان بهذا الشأن، مؤكدة أهمية أن يقام المهرجان بطبعة فلسطينية.

وأوضحت مايتي بليد أن المهرجان في فرنسا وإسبانيا وتونس وإيطاليا يقام تحت شعار «أصوات حية.. من المتوسط إلى المتوسط»، ويسعى إلى تعزيز الحوار الثقافي، وتفعيل حضور الشعر في الحياة العامة، خصوصاً أن فعالياته تقام في الأماكن العامة التي يؤمها الجمهور.

كما ناقش الشاعر جريس سماوي، وزير الثقافة الأردني الأسبق، مع مديرة مهرجان سيت الشعري فكرة إقامة طبعة من المهرجان في الأردن.

وقال، لـ«الإمارات اليوم»، إن «الأردن يحتاج إلى مهرجان بهذا الوزن والأهمية، ليجمع نخبة من شعراء العالم في عمّان، خصوصاً أن الإمكانات متوافرة ليغدو مهرجاناً متميزاً بمستوى عالمي».

تآخي الفنون

عرض ساخر

 http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/1953842%20(3).jpg

قدمت الفنانة الإسبانية، سيلفيا غونزاليث، ثلاثة عروض خلال مهرجان طليطلة الشعري، وتناولت فيها أوضاعاً اجتماعية وثقافية وسياسية وتاريخية بأسلوبها الساخر.

وفي أحد عروضها، تناولت حكاية الفنان التشكيلي إل غريكو، الذي عاش جزءاً من حياته في طليطلة، وتوفي فيها، وتضم المدينة متحفاً باسمه يحوي أعماله وأعمال عدد من الفنانين.

 تميز مهرجان طليطلة، في دورته الثانية، بتآخي الفنون، إذ جمعت فعالياته الشعر والموسيقى والفن التشكيلي والمسرح. وبلغ عدد القراءات الشعرية 93 قراءة، خلال أيام المهرجان الثلاثة، توزعت في مواقع متعددة في طليطلة التي توصف بأنها «مدينة التسامح»، إذ تجمع ثقافات الديانات الثلاث. وكان طارق بن زياد دخل المدينة عام 712 ميلادية، وانتهى الحكم العربي فيها في عام 1085 ميلادية. وتضم طليطلة الكثير من الآثار العربية، من بينها انتشار الفن المعماري المهجن، الذي يجمع عناصر عربية وإسبانية، ويسمى «المذخر».

وشارك في المهرجان 41 شاعراً من 21 دولة، بينهم 15 شاعراً عربياً، يمثلون الإمارات والسعودية والجزائر والأردن ومصر وفلسطين والعراق والكويت وسلطنة عمان والمغرب وليبيا وسورية وتونس. وحظيت المشاركة العربية الواسعة بترحيب من الأوساط الثقافية، ومن الصحافة، ومن إدارة المهرجان.

وقالت مديرة مهرجان طليطلة الشعري، الشاعرة أليثا مارتينيث، إن «المهرجان يعبر عن روح طليطلة، مدينة التعايش والتسامح والإخاء»، مشيدة بجهود الجهات الداعمة للمهرجان، وجهود المتطوعين من الشباب والشابات ومحبي الشعر، والأهالي الذين استضافوا الشعراء في بيوتهم، وكذلك الأهالي الذين استضافوا قراءات شعرية في باحات بيوتهم، لتكون ضمن مواقع فعاليات المهرجان.

وأكدت لـ«الإمارات اليوم» أهمية مواصلة دعم المهرجان، حتى يواصل دوراته سنوياً. وقالت إن «إرادة إدارة المهرجان وأهالي المدينة والمتطوعين متوافرة بقوة، من أجل أن يستمر المهرجان الشعري»، معبرة عن أملها مساندة جهات ثقافية ورعاة في دعم المهرجان، الذي يستمر ثلاثة أيام في واحدة من أجمل مدن العالم.

وأضافت مارتينيث أن المهرجان أصبح وجهة أساسية لكثير من الزوار، من مختلف المناطق في إسبانيا، إذ إنهم يأتون إلى طليطلة لحضور الفعاليات الشعرية والموسيقية والتشكيلية والمسرحية والأدائية، في فضاء تاريخي عريق. وأوضحت أن الفعاليات لهذا العام أقيمت في مسارح ومقاهٍ وفي الساحات والحدائق والمتاحف وباحات البيوت التقليدية.

وأوضحت أن «مهرجان طليطلة للشعر يذهب إلى الجمهور في مواقعه، وهي الفكرة الأساسية التي تقوم عليها الفعاليات، حيث تنظم أكثر من فعالية في الوقت نفسه، ويذهب الشعراء الى الساحات والمقاهي والحدائق التي يرتادها الجمهور عادة».

ورشة جمالية

تضمن مهرجان طليطلة الشعري، في دورته الثانية، قراءات شعرية مرافقة بموسيقى صوفية في معظمها، وتزاوج بين الآلات الموسيقية الشرقية والغربية، علاوة على فعاليات موسيقية مستقلة، وتحولت المدينة إلى «ورشة جمالية» على مدار أيام المهرجان الثلاثة، بحضور جمهور كبير يصغي إلى الشعر بلغات متعددة، إلى جانب اللغة الإسبانية.

ونظم المهرجان معرضاً للكتاب في ساحة البلدية «بلازا دل أيونتامينتو»، المجاورة لكاتدرائية طليطلة. وتضمن المعرض كتباً بلغات متعددة أيضاً، معظمها بالإسبانية. وعرض الشعراء كتبهم المترجمة، ووقع بعضهم للجمهور على الكتب، أو على القصائد التي نشرت في كتاب المختارات الشعرية، الذي أصدره المهرجان، وضم قصيدة لكل شاعر بلغته الأم وباللغة الإسبانية، كما تضمن المهرجان مطبوعات فنية، كل كتاب بمثابة عمل فني.

وشهدت الساحة الرئيسة للمهرجان الافتتاح الشعري بمشاركة عدد من الشعراء، قرأوا من على شرفة تطل على الكاتدرائية أمام جمهور كبير.

تعددية الأصوات

قال عضو اللجنة الوطنية المنظمة للمهرجان، الشاعر والروائي محسن الرملي، لـ«الإمارات اليوم»، إن «مهرجان طليطلة في دورته الثانية ضم فعاليات متعددة من الشعر والرسم والرقص التعبيري والمسرح ومعرض للكتاب، بمشاركة 41 شاعراً، وعدد من الموسيقيين والمسرحيين والرسامين». وأضاف أن «المهرجان ضم كل الاتجاهات الشعرية في العالم، من القصيدة الصوتية والقصيدة المشهدية والقصيدة الصامتة وقصيدة الصورة، إلى جانب الشعر المحلي في طليطلة». وأوضح أن 42 شاعراً شاركوا في المهرجان من 21 دولة بست لغات.

وأضاف الرملي أن المهرجان ضم أكبر مشاركة عربية في مهرجان غير عربي، قياساً بمجمل عدد المشاركين من مختلف الدول، من حيث عدد الشعراء، وتعدد الأجيال والأصوات الشعرية.

وأكد أهمية المهرجان، مشيراً إلى أنه جمع شعراء من حوض البحر المتوسط، ومن دول غير متوسطية أيضاً.

وقال إن «إدارة المهرجان لم توجه دعوة إلى أي شاعر إسرائيلي، وهذا دليل مهم على احترام المهرجان رغبة وموقف الشعراء العرب».

وأضاف أن «طليطلة لم يسبق لها أن استضافت مهرجاناً دولياً للشعر، وكان نجاح الدورة الأولى العام الماضي دافعاً لاستمرار المهرجان في دورته الثانية، التي حققت نجاحاً منقطع النظير على كل المستويات». وأشار إلى تزايد عدد المتطوعين من الشباب والأهالي للدورة الجديدة، إذ ضم المهرجان هذا العام طاقماً من 200 شخص، في لجنته المنظمة، وهيئة إدارته، ومن المتطوعين.

وحول الدعم الرسمي للمهرجان، قال الرملي إن «الأزمة الاقتصادية تسببت في أضرار للوضع الثقافي، ولكن مع كل هذا دعمت حكومة طليطلة المهرجان بمبلغ 10 آلاف يورو، وخدمات متنوعة بقيمة 15 ألف يورو». وأوضح أن المدينة قائمة على السياحة، لكن مهرجانها الشعري أصبح رافداً جديداً لاقتصادها. وأفاد بأن أهالي المدينة يتمنون استمرار المهرجان «يريدون تكريس جانب ثقافي معاصر في حياة طليطلة، لذلك قام أعضاء جمعية أصحاب فناءات البيوت بفتح باحات بيوتهم لإقامة النشاطات خلال المهرجان، كما قدموا لوازم الضيافة للمشاركين والجمهور».

وتضم مدينة طليطلة أكثر من 700 فناء منزلي ذات طابع معماري عربي، تتضمن بئراً ومغسلة ومقاعد ونباتات زينة متنوعة، وهي بمثابة فضاء لكل بيت.

وذكر أن التطوع في الدورة الثانية جاء مضاعفاً، وذلك بعد نجاح الدورة الأولى، ومعظم المتطوعين من طلبة المدارس الثانوية والمعاهد، إضافة إلى العائلات التي استضافت الشعراء في منازلها.

عربة الشعر

في ساحة «أيونتامينتو»، بجانب مكتب مهرجان طليطلة الشعري، ومقابل الكاتدرائية، كان يتحرك شاعر وشاعرة، يتبادلان قراءة نصوص منتقاة من «قائمة القصائد» التي أعداها للجمهور، ضمن فعاليات المهرجان.

عربة الشعر واقفة في الساحة، والجمهور يأتي ليصغي لقصائد من خلال إبريق شاي موصول بأنابيب، في تجربة جديدة تشير إلى أن «الشعر غذاء الروح».

ومثلما يذهب الناس إلى المطاعم ليختاروا وجباتهم من قائمة الطعام، كذلك يختار الجمهور قصيدة من «القائمة» ليسمعها بصوت الشاعر، وقصيدة ثانية بصوت الشاعرة.

 

مختارات شعرية في كتاب

تضمن كتاب المختارات الشعرية «أنطولوجيا»، الذي أصدره مهرجان طليطلة الشعري 41 قصيدة، باللغات الأصلية للشعراء، والترجمة إلى اللغة الإسبانية. وكتبت مديرة المهرجان أليثا مارتينيث، ومديرة مهرجان سيت الشعري في فرنسا، مايتي فاليس بليد، مقدمتين للكتاب.

وجاءت القصائد للشعراء: علي الحازمي (السعودية)، لميس سعيدي (الجزائر)، محمود شرف (مصر)، نجوم الغانم (الإمارات)، أنخل غويندا، أنتوميو ميانديث روبيو، كارلوس أبيلا، كلارا خانيس، ديفيد تراشمانتا، فرانثيثكا أخوييرا، خوسيه ماريا كامبرينيو، ماريا لويثا مورا ألامادا، ميخيل أنخل ثامبيدرو، مونيكا كالدييرو، أوسكار أخوادو، فيكتور لوبيث، نوني بينيخاث، بيخونيا بوثو، خوادالوب خيراندا، خوسيه مانويل لوثيا، أوسكار كورييسس (إسبانيا)، جانين غداليا، بيير غويري، ميشيل ثيون (فرنسا)، عبدالهادي سعدون، محسن الرملي (العراق)، كلاوديو بوزاني (إيطاليا)، جريس سماوي (الأردن)، محمود النبهان (الكويت)، محمد الفقيه صالح (ليبيا)، محمد أحمد بنيس (المغرب)، زاهرالغافري (عُمان)، علي العامري (فلسطين/ الأردن)، كاثيميرو بريتو (البرتغال)، صالح دياب (سورية)، يوسف رزوقة (تونس)، لاورا خيورداني (الأرجنتين)، باتريثيو سانشيز روخاس (تشيلي)، لويس رفائيل (كوبا)، ألفريدو ألنكارت (بيرو)، أحمد يماني (مصر).