«طيران الإمارات للآداب» يصحب ضيوفه إلى «العوير»

قصائد شعرية تضيء صحراء دبي

صورة

يقصد الزوار والمقيمون في هذه الأيام «البر» أو الصحراء، لقضاء أوقات ترفيهية مختلفة استثماراً للطقس الجيد، من اجل العودة لبضع ساعات إلى ثقافة «أهل المدر»، التي كانت سائدة في مناطق كثيرة على امتداد إمارات الدولة، لكن هدف ضيوف مهرجان طيران الإمارات للآداب، في ليلة أول من أمس، حينما توجهوا إلى صحراء دبي، في منطقة العوير، كان مختلفاً، حيث نشدوا الاستمتاع بأمسية شعرية شديدة الخصوصية.

خصوصية المكان

الأجواء المختلفة لأمسية «أبيات من عمق الصحراء» خلفت لقطات مختلفة، وغير مألوفة، وفي سرعة ملحوظة تآلف الجميع مع خصوصية المكان، وبعد أن نفدت جميع الآرائك المعدة لجلوس الضيوف على رمال صحراء «العوير»، لم يجد البعض وسيلة للمتابعة سوى افتراش الرمال التي حافظت على دفئها رغم غياب الشمس.

مسؤولو هيئة دبي للثقافة، سعيد النابودة، د.صلاح القاسم، ياسر القرقاوي، خليل عبدالواحد، وغيرهم لم يجدو سوى الحل الأخير، بعد أن فضلوا مغادرة الخيم التي عمرت بعضها بالرقاق والخمير واللقيمات وغيرها، من اجل أن يظلوا على تماس مع منصة الشعر.

ترجمة «منقوصة»

 حرصت إدارة مهرجان طيران الإمارات للآداب على التنويه بأن «الترجمة غير متوافرة» إلى العربية في هذه الأمسية، دون أن تذكر أسباب ذلك، رغم أنه كان بالإمكان الاستعاضة عن الترجمة الفورية، من خلال ترجمة نصية مكتوبة، للقصائد التي اختار الشعراء إلقاءها.

رغم ذلك جاءت الترجمة الوحيدة المتوافرة بالنسبة لقصائد المعلا والبدور إلى الإنجليزية، دون توافر العكس، باستثناء قصيدتين فقط إحداهما صينية والأخرى ألمانية.

عدد من الضيوف العرب والإعلاميين أعربوا عن انزعاجهم من تجاهل «العربية»، وغياب الترجمة في محفل وسيلته الأولى هي الكلمة، رغم أن الموسيقى ظلت مصاحبة لمختلف القصائد الملقاة.

«أبيات من عمق الصحراء»، هو عنوان تلك الأمسية التي تتجدد سنوياً بحلول موعد المهرجان، واستمدت ألقها العام الماضي من تشريف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فعالياتها، فيما كان بيت لسموه، هو فاتحة التذوق الشعري في تلك الليلة، حيث عكف فنان إماراتي متخصص في التشكيل بالماء والرمل على تكوين بيت من إبداعات سموه جاء فيه: «من حبي الصعب أطرب كلما يصعب.. متعود بالشدايد هايم هيامي».

ليحيل إلى واحدة من روائع قصائد سموه، حيث جاء البيت الذي عانقت ألفاظه رمال المكان، الضوء على نحو لافت، وأصبح بمثابة ايقونة للشعر في المكان، الذي عادت ملامحه لثقافة الصحراء بكامل تفاصيلها.

وتناوبت الشاعرة الإماراتية خلود المعلا، والشاعر الإماراتي خالد البدور، على إلقاء الشعر مع نخبة من الشعراء الضيوف، الذين ألقوا قصائدهم بلغات بلادهم، فتنوعت القصائد بين العربية والإنجليزية والألمانية والصينية، فيما ظلت روح الشعر، والإحساس به واحداً، في أمسية جاور فيها الشعر إطلالة القمر على رمال منطقة العوير في دبي.

ومع اكتمال توافد ضيوف الحدث إلى محل الأمسية المحاط برائحة الدخون والهيل، متوسطاً أسراب الجمال، وتظلله إطلالة القمر، جاءت البداية بأشعار خلود المعلا، التي تنقلت بانسياب وهدوء بين مختارات من قصائدها، لتلقي من قصيدة «محبتي دائمة»:

مازلت أحبك، ولأنني كذلك أطلقت

طيورك إلى الفضاء.

وفي قصيدة بعنوان «شيء من الحكمة» تقول:

مقدرتي أن أحيا وحيدة

ولهذا أستيقظ كل صباح بشيء من الحكمة

لأني اشعر بأني

أقول كل شيء في أي وقت

يا لها من سعادة.

كما تقول المعلا في قصيدة «افق»:

في الغيم

في المطر

في الأفق المتأرجح بيني وبينك

أرى روحي شاردة

ليتك تردها.

التماهي والانسجام بين الكلمة الشعرية واللحن الموسيقى كانا حاضرين ايضاً في قصائد المعلا، التي قرأت قصائد «هرولة» و«تحرير» و«أدوات» وغيرها، فيما جاءت تجربة الشاعر الصيني يان لي، بمثابة تحد لاجتياز حاجز اللغة، حيث قرأ الشاعر قصيدة «أنا الثلج»، التي ألقى فيها:

أنا الثلج

تحيلني الشمس لماء

أنا الماء

أحيل البذور لماء

أنا النماء

أحيل الزهور ثمار

أنا الثمار

يمنحني والداي الحياة

أنا الحياة

يحيلني خريف العمر لموت

أنا الموت

يحيلني الشتاء ثلوجاً

أنا الثلج

تحيلني الشمس لماء.

كذلك قرأ لي قصيدة «أعده لي»، نقتطف منها:

أعد لي ذلك الباب

بشباك بلا قفل

حتى وإن كنت بلا غرفة

أعده لي

أعد لي ذلك الديك

الذي يوقظني كل صباح

حتى ولئن أكلته

أعد عظام رأسه لي

أعد إلى

أغنية الجبال

حتى وإن سجلتها على شريط

فلتعدها لي.

ورغم حاجز اللغة إلا أن الموسيقى تدخلت لتنسج أجواء خصوصاً لقصيدة الشاعر الصيني، فيما حرص بعض الحضور على اصطحاب النص مترجماً، وهو ما تكرر ايضاً في نصوص الشاعر الألماني فرانك كلوتغين، قصائد «الأخضر القاتم في هذا المرج» ومنها:

غرغرينا اليوم تنساق نحو الانهاك

والشمس في أوجها يكتنفها الذهول

ومسامات الجلد تنشد الظلال

حتى الأشجار أنهكها الوهن

وانت تتنهدين، إياك أن تستسلم لجنون الارتياب

ولادة البعوض على اقتراب

على الرغم أن الشمس تعد بالخلود

لأنها منصفة بلا هوادة

الوقت يكمل مسيرته

ندركها، تساورنا الظنون حيالها، لكننا لا نحس بها

الأيام تمتطي الموت العنيد

تحيل أجمل اللحظات لأجالها.

كما قرأ كلوتغين قصيدتي «لويس» و«ثياب السيدة اليانور»، فيما قرأ لي شاعر البلاط البريطاني أندروموشن مجموعة من قصائده. تلاه الشاعر الإثيوبي ليمن سيساي، الذي قرأ قصيدتي «أنامل هشة في قبضة عصية» و«القبلات غير المرئية».

ختام الأمسية عاد إماراتياً مع الشاعر خالد البدور، الذي صاحبت قراءاته ترجمة إلى الانجليزية، فجاء التصفيق وعلامات الاستحسان بادية من ضيوف الأمسية، الذين كان معظمهم من الناطقين بالانجليزية، ومنها قصيدة «بدو مجهولون»:

قبل أن تتسلق الشمس جدران البيوت الطينية

عاد بدو مجهولون

بعدما باعوا اللبن والعسل

في سوق المدينة

كي يستريحوا في أحلامي.

ومن قصيدة «قنديل» نقتطف:

يسهر القمر

متدلياً تحت قنديل

في السواد

في قطع الغيوم الفضية

الملتفة حوله باحثاً

عن حلم قديم

نسيته

منذ كنت طفلاً.

ومن قصائد البدور التي لاقت استحساناً ملحوظاً ايضاً من الجمهور، وخصوصاً في مواضع الصور الشعرية المبتكرة التي سعت الترجمة إلى استشراف تفاصيلها قصيدة «هذا الساحل»:

سأحفر الرمل

رمل الساحل الرطب

سأغرز أصابعي عميقاً

وستهبط روحي

تهبط ببطء

وفي صمت

يتصاعد دفء

تحت الجلد

أحفر أكثر

وأحفر

هذا الساحل أعرفه

كراحة يدي.

قصيدة «ما تبقى من الليل»، جاءت بمثابة مواءمة لسياق الزمن الحاضر الذي يعيشه المتلقي، فضلاً عن الشاعر، وهو ما أضفى على التجربة المزيد من الصدق الشعري، الذي وصل بالطرفين إلى معايشة تفاصيلها :

ضباب صيفي

والصباح لم يحِن بعد

لا أستطيع تبيُن الحي النائم أمامي

هواء يهب من الغرب

أشجار النخيل واقفة في الضباب

أسمع زقزقة بينما أقف متأملاً

ما تبقى من العمر

قدماي حافيتان

وسطح البيت العُلوي بارد

يحط طائر صغير

على سعفة النخلة الطويلة

ويحدق فيّ

أكاد أسمعه يسألني

ماذا جرى

لِمَ لمْ تنم منذ البارحة.

تويتر