منها مكتشفات عالمية وآثار توثق عصوراً غابرة

مواقع الشارقة الأثرية «قيــــــمة تاريخية وإرث حضاري»

باتت الكنوز الدفينة في مواقع الشارقة الأثرية المتنوعة تعلن عن مكتشفات هي الأهم عالمياً، خصوصاً أن بعضها ارتبط بمعلومات كانت مبهمة لدى الكثير من خبراء وعلماء الآثار، منها اكتشاف الطريق الذي استخدم في النزوح الإفريقي قبل 150 ألف سنة، كذلك بقايا جدار أحاط بالمنطقة يعود لـ3000 عام.

ومع تواصل عمليات التنقيب الأثرية تحت إشراف إدارة الآثار في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، فإن مواقع الشارقة الأثرية تعلن عن وجود ثروات دفينة في باطن الأرض، ولعل موقع المليحة يعد أحد أهم المناطق الأثرية في الشارقة، كونها منطقة غنية بالآثار تؤرخ المنطقة ما بين الألف الثالثة قبل الميلاد وصولاً إلى القرن الثالث للميلاد، منها سلسلة من البحيرات الجافة التي كانت مملوءة بالمياه في فترات مختلفة بالتزامن مع الاستيطان في موقع المليحة، التي أوجدها سكان المدينة القدماء لغرض الحصول على المياه الأرضية العذبة، كذلك وجود حصون وقلاع ذات أبراج وأسوار ضخمة والعديد من اللقى الأثرية إضافة إلى تسجيل مكتشفات مهمة منها مدافن وتقدر بالمئات تحت الأرض تعود للقرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

كما أظهرت التنقيبات الأخيرة التي أجرتها بعثة آثار محلية وأجنبية، وجود أدوات حجرية وآلات تؤرخ 150 ألف سنة مضت، وهذا التاريخ يتزامن مع النزوح الإفريقي، ما يدل على أن الأفارقة سلكوا الطريق الجنوبي في نزوحهم تحديداً جبل فايا في المنطقة الوسطى، ومن أهم المكتشفات العثور على بقايا الجدار الضخم الذي يحيط بالمدينة القديمة البالغ عمرها 3000 عام، إذ إن الجدار وسلسلة الخنادق المحفورة بامتداده وجدت لغرض توفير الحماية للمدينة التي شهدت نمواً سريعاً نظراً لاتساع تجارة قوافل الجمال عبر منطقة الصحراء العربية.

أما منطقة وادي الحلو فقد أظهرت تعاقباً زمنياً، إذ إن المكتشفات الأثرية التي وجدت أخيراً تعود للعصر الحجري الحديث، ما يعني أن هناك تسلسلاً زمنياً، إذ إن الآثار المكتشفة عبارة عن آلات وأدوات وتشكيلات حجرية ومدافن ومواقد نيران تدل على الاستخدام اليومي، كذلك اعتبرت المنطقة ورشة ضخمة لتعدين وصهر المعادن، وتحديداً النحاس الذي يستخرج من سلسلة الجبال المجاورة للمنطقة، والعديد من أحجار الطرق وتفتيت الحجر، إضافة إلى أفران صهر النحاس، وعدد كبير من السبائك البرونزية، منها سبيكة تزن خمسة كيلوغرامات، إذ إن أفران صهر النحاس تعود لنهاية الألف الرابعة قبل الميلاد إذ تعد أقدم أفران صهر النحاس المكتشفة في الإمارات، وهذا يدل على أن الموقع كان منطقة لإيصال النحاس بعد تعدينه وصهر وتصديره إلى بلاد الرافدين، فقد ذكر أن أباطرة العراق كانوا يستوردون النحاس من الإمارات وعمان ويصدرونه.

أما الساحل الشرقي ومناطقه ومنها كلباء وخورفكان ودبا، فهناك الكثير من الاكتشافات الأثرية التي يعود بعضها إلى الفترة الهلنستية التي تعاصر الفترة الرومانية، منها بقايا ميناء مهم كانت له صلة تجارية وثيقة مع أهالي أقاليم الإمبراطورية الرومانية والأقطار المجاورة، إذ تم العثور على لغة أثرية مستوردة من وادي الرافدين وإيران والجزيرة العربية.

وكما أظهرت المكتشفات أن سكان الموقع «الساحل الشرقي» قاموا باستيراد مادة القار من منطقة هيت في العراق، واستخدموا هذه المادة في صنع القوارب وطلاء الأجزاء الداخلية للأواني الفخارية كمواد عازلة، إضافة إلى أغراض التسقيف، كما أن المستوطن خلف في تلك المواقع أواني فخارية وقوارير زجاجية وحلياً للزينة، ولاتزال التنقيبات في تلك المناطق مستمرة وتحديداً دبا التي تشهد طفرة عمرانية كبيرة أسهمت في ضياع بعض الآثار وحدت من عمليات التنقيب.

وتزخر منطقة دبا بالكثير من الحلي التي تمتاز بوجود قطع العقيق والخرز والحلي المذهبة والفضية منها، إذ يعود بعضها إلى الفترة الهلنستية، التي تمتاز حليها بالزخرفة وتداخل البياض في الأحجار الكريمة إضافة إلى استخدام الذهب والفضة بكثرة في الدلايات من العقيق والخرز.

وفي موقع مويلح الأثري نقبت البعثة في بقايا مستوطن اثري واسع يعود إلى العصر الحديدي أو الألف الأولى قبل الميلاد، أما موقع تل الأبرق الذي يعتبر من أكبر التلال الأثرية في الدولة ويضم بقايا استيطان حضاري يمتد لـ2500 قبل الميلاد وحتى 300 قبل الميلاد، فقد أسفرت التنقيبات عن ظهور مكتشفات أثرية مهمة من أبرزها العثور على قبر منذ حضارة أم النار يؤرخ إلى نحو 2100 قبل الميلاد ويضم العديد من اللقى الأثرية المعروضة الآن في خزائن العرض في متحف الشارقة للآثار.

ويعتبر تل الأبرق من أكبر المواقع الأثرية في الدولة، إذ تم اكتشاف بناء دائري لقلعة كبيرة على شكل مدرجات مبنية من الأحجار البحرية إضافة إلى مجموعة من البرونزيات والفخاريات واللقى الأثرية، وعثر علماء الآثار الأستراليون على قبر يضم هيكلاً عظمياً كاملاً لفتاة تبلغ من العمر 18 سنة، حيث كانت عظامها مشوهة جراء إصابتها بشلل أطفال.

كما تم اكتشاف عدد كبير من اللغات الأثرية وتشمل الأواني الفخارية والأسلحة والتماثيل في موقع مليحة، التي قد تكون بمثابة دمى لاسيما الموجودة في قبور الأطفال ولها مغزى ديني كذلك تلك التماثيل الموجود في المدافن، وتمتاز المدافن بأحجامها المختلفة إذ تضم مجاميع من اللقى الأثرية المتنوعة مثل الأسلحة الحديدية كالسيوف والخناجر ورؤوس السهام، كما تم الكشف عن عدد من المدافن الأثرية المهمة التي تحتوي على حجرات للدفن مشيدة تحت الأرض تعلوها مبان صغيرة ذات شرفات مدرجة مبنية من الطابوق الكلسي ربما كانت تستعمل كمزارات أو لممارسة طقوس دينية معينة خاصة بالعبادة والدفن.

فيما يكشف موقع البحيص عن وجه الحياة في الشارقة منذ 7000 سنة، منها الحلي التي عثر عليها في جبل البحيص في وسط إمارة الشارقة، إذ إن سكان البحيص اعتادوا الاستقرار في الجبل مع نهاية فصلي الشتاء والربيع في كل عام، وذلك لإراحة القطعان ودفن موتاهم، وكانوا يصنعون أدوات حادة استطاعوا بها إحداث ثقوب في اللؤلؤ والصدف لإنتاج القلائد والحلي الجميلة.

وتدل المجوهرات والحلي الأخرى التي عثر عليها مدفونة مع الموتى، على أن أصحابها كانوا يعملون في أعمال حرفية تقليدية متطورة اتصفت بمستوى عالٍ من الفن، ويرجح أنهم قاموا بصناعة السلال والقطع الخشبية، ولكنها لم تبقَ إلى يومنا هذا، وأظهرت القبور الموجودة في جبل أميلح ومليحة وجبل البحيص أن مناطق الشارقة الداخلية كانت مأهولة بالسكان، كما أصبحت مواقع تل الأبرق وكلباء على السواحل تمثل مستوطنات ومراكز مزدهرة في العصر البرونزي.

تويتر