منشطون مسرحيون: الزمان والمكان والمشرف أهم صعوبات تطوره

سلبيات من شأنها قتل المسرح قبل أن يولد

صورة

هناك الكثير من العوائق والعراقيل التي تقف أمام تطور أي فن، إلا أن المسرح بشكل خاص يعاني الكثير من الصعوبات التي يسعى القائمون إلى تذليلها، منها المسرح المدرسي الذي يشكو الكثير من العقبات، التي ظهرت أخيراً مع انطلاق مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي.

وعلى الرغم من أن المسرح المدرسي يعد تمهيداً للمسرح الاحترافي لما يضمه من مواهب وطاقات يفترض أن تستغل وتشكل منذ الصغر، كما انه سبب في ارتفاع نسبة التحصيل الدراسي واظهار المسؤولية العلمية، إلا أن الكثير من إدارات المدارس مازالت لا تعير اهتماماً بهذا النشاط، وإن أظهرت الدراسات أن المسرح أحد أهم النشاطات التي تهذب الطالب وتنمي التحصيل العلمي لديه من خلال امتصاص الطاقة الفائضة لديه وتفريغها في حصة النشاط المسرحي.

ومن خلال مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، قامت إدارة المسرح التابعة لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة بخطوة جيدة في وضع اللبنة الأساسية الأولى لمشروع بناء المسرح المدرس الذي بدأ بالخطوة الأولى في العمل مع المدارس لتحقيق الأهداف المرجوة والمتعلقة ببناء الإنسان الذي يحتاج إلى الكثير من الوقت والمراجعة والتدقيق، لاسيما أن استعجال النتائج المنتظرة من هذا المشروع لن يحقق المطلوب إذ إن فن المسرح يعد عنصراً تراكمياً.

واستعانت الدائرة بالعديد من الخبرات المسرحية العربية والمحلية للإشراف على الورش التأهيلية والتدريبية التي شملت جميع مفردات العرض المسرحي من فن الكتابة والتأليف والسينوغرافيا والإخراج، وقد نُظِمت هذه الفعاليات في مدينة الشارقة والمنطقة الشرقية، وذلك وفق برنامج أكاديمي متخصص شارك في إعداده كوكبة من المسرحيين المتميزين.

وكانت منافسات وتصفيات قد بدأت في ‬24 أبريل الماضي وحتى الثامن من مايو الجاري، إذ بلغ عدد المدارس المشاركة نحو ‬56 مدرسة تنتمي إلى ثلاث مناطق في الإمارة، منها ‬23 مدرسة في الشارقة و‬10 مدارس في المنطقة الوسطى و‬23 مدرسة في المنطقة الشرقية بمختلف الحلقات (الأولى والثانية والثانوية)، وبحسب إحصاءات إدارة المسرح فإن عدد الطلاب المشاركين في المهرجان تجاوز ‬554 طالباً وطالبة بمعدل ‬223 طالباً في مدينة الشارقة و‬98 طالباً في المنطقة الوسطى و‬233 طالباً في المنطقة الشرقية، فيما بلغ عدد المشرفين المشاركين والمسؤولين عن الطلبة ‬193 مشرفاً من مختلف المدارس المشاركة.

صعوبات واضحة

‬80 ٪ طلاب خام

أكد الفنان المسرحي والمنشط، هاني الطمباري، أن «‬80٪ من الطلاب المشاركين في مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي لأول مرة يصعدون على خشبة المسرح فهم طلاب خام، لذلك كان من الواجب أن نعطيهم أولويات المسرح وآدابه ورسالته وأخلاقه، إذ إن الهدف الأساسي من المسرح هو استفزاز المواهب المكنونة لدى الطالب، إذ من خلاله يتم تحويل السلوك السيئ وتفريغ الطاقات الموجودة لدى الطالب المشاكس». وحول الصعوبات قال الطمباري «واجهتنا صعوبات أهمها انتقاء الطلبة من قبل المشرفين بشكل محايد، وإيجاد المشرف الكفؤ، وتعويد المدارس على النشاط المسرحي، إذ كان من الممكن التعامل مع تلك السلبيات بشكل إداري مناسب، خصوصاً أن التعامل الإداري الجاف قد يؤدي إلى موت المسرح المدرسي قبل أن يولد».

فريق المنشطين المسرحيين، الذي باشر في مشروع الدائرة، منذ يناير الماضي، واجه الكثير من الصعوبات التي حالت دون نقل الكثير من خبراته المسرحية للمشرفين وطلبة المدارس، كل بحسب المدارس المناطة إليه، إذ أجمع معظم المنشطين على أن ضيق الحصة المسرحية وعدم تخصيص مسارح المدارس للنشاط المسرحي من أبرز المعوقات.

وحول هذا الموضوع قال المشرف الفني للمهرجان، الرشيد أحمد عيسى، إن «الصعوبات التي يواجها المسرح المدرسي باتت واضحة، وتكشفت أخيراً في وجود المنشطين المسرحين، إذ إن أهم تلك الصعوبات يكمن في عدم توافر زمن مناسب للمسرح المدرسي، خصوصاً أنه لا يوجد اهتمام مباشر من قبل الإدارات المدرسة للنهوض بالمسرح المدرسي».

لافتاً إلى أن «عدم وجود حصة في الجدول المدرسي من شأنه تعطيل النهوض بالمسرح، فضلاً عن غياب الأستاذ المتخصص، خصوصاً أن معظم المشرفين الذين يشتغلون في تدريب الطلبة هم أساتذة لغة عربية وليسوا مختصين في المسرح».

وطرح عيسى فكرة مطبقة في عدد من الدول العربية، وهي جمعيات النشاط المدرسي، قائلاً «يجب تنظيم مسألة النشاط المدرسي من خلال ايجاد جمعيات خاصة بالنشاط المدرسي مهما كان هذا النشاط، وهنا نركز على النشاط المسرحي، إذ إن تلك الجمعيات توفر الوقت والمكان لمزاولة هذا النشاط من قبل الطالب المهتم بتطوير مهاراته وموهبته الفنية، كما أن تلك الجمعيات تعزز ارتباط الطالب بالمدرسة، الذي اقتصر في الوقت الحالي على الدراسة فقط، فمن خلال ايجاد حصتين أسبوعياً للنشاط يمكن ان نعمق تلك العلاقة».

وتابع عيسى أن «إدارة المسرح قامت في إطار تطوير المسرح المدرسي بوضع خارطة طريق للنهوض بالمسرح، من خلال الاستعانة بمنشطين من ذوي الخبرة في المسرح للإسهام في نقل خبراتهم وتجاربهم للمشرفين وطلبة المدارس، إذ تم تقسيم المنشطين على المدارس البالغ عددها ‬56 مدرسة، وذلك بشكل عشوائي في محاولة لاستقراء واقع المسرح المدرسي».

مشيراً إلى أن «وجود منشط مسرحي يسهم في نشر المعرفة ودعمها من خلال قيادة المشرفين والطلاب لحالة من الممارسة المسرحية، إذ إنهم يقومون بوضع الأسس الأولية بشكل متخصص، لذلك نحن بحاجة إلى عدد كبير من المنشطين لتغطية كل المدارس، خصوصاً أن المرحلة الأولى للمشروع تمكنت من تغطية ‬75٪ من مدارس الشارقة وحصرها».

بداية متأخرة

قالت الفنانة المسرحية والمنشطة، هويدا الحسن، إن «هناك صعوبات كثيرة واجهت المنشطين أثناء زياراتهم للمدارس واحتكاكهم بالمشرفين والطلاب، منها بدء البرنامج التنشيطي متأخراً، إذ لو كان انطلاق البرنامج باكراً مع بداية العام الدراسي لكانت النتائج أفضل بكثير، رغم انها جيدة نوعاً ما، فقد بدأ في يناير الماضي». وتابعت أن «المنشط لا يجد المكان المناسب في المدرسة ليتمكن من الإشراف على المسرحيات ومراجعة البروفات لأن المسرح إذا توافر في المدرسة فإنه غالباً ما يرتبط بجميع النشاطات الأخرى، بالتالي لا يكون حكراً على النشاط المسرحي، لذلك يجب أن يكون هناك اهتمام من قبل إدارات المدارس بأهمية المسرح».

ولفتت إلى أن «من أكبر المشكلات التي تواجه المنشط هي مشكلة الوقت، إذ لا توجد فترة زمنية مناسبة تخصص للنشاط المسرحي، فلا تتجاوز مدة الحصة المسرحية ‬40 دقيقة، وقد تضيع ‬10 دقائق منها في تجميع الطلبة، خصوصاً أنه يصعب السيطرة والاشتغال مع الطلبة كون الأعداد كبيرة والمدة الزمنية قصيرة، فضلاً عن ذلك لا يوجد مدرس متفرع للنشاط المسرحي».

وذكرت الحسن انها أشرفت على ‬13 مدرسة، منذ يناير الماضي، إذ بدأت قراءة النصوص المسرحية والتعامل مع المشرفين والطلبة المختارين لأداء المسرحية، بعدها تم التحضير وتقسيم الأدوار وقراءة الشخصيات ضمن قراءة الطاولة وتفهم النص، بعدها تم الالتزام بتدريب الطلبة على التخيل وتمارين النفس والنطق وتطور الشخصيات وقدرتهم على مواجهة الجمهور، وكسر حاجز الخوف على خشبة المسرح، لافتة إلى أن اجمالي العروض هذا العام كانت متماسكة فنياً، هناك لمسة من المسرح الاحترافي، خصوصاً أن الجوانب الفنية كانت متوافرة، رغم انه لا يوجد عمل متكامل، لكن هناك أعمالاً متناسقة.

تجربة ممتعة

اعتبرت الفنانة المسرحية والمنشطة، أمل حويجة، أن تجربة الاشراف على المسرح المدرسي تجربة ممتعة، من خلال العلاقة المباشرة مع الاطفال ومحبتهم للفن وتجاوبهم، حتى ولو لم يملكوا الموهبة، إلا أنه طوال فترة الاشراف رافقنا هاجس وهو كسر المعلومات البديهية السائدة في المسرح، إذ إن المهم هو التمثيل وكيفية أداء الشخصية وتخيلها ولا يتم ذلك إلا بالتمارين والاشتغال على الشخصية». وتابعت حويجة أن «أطفالنا ليست لديهم ثقافة الجسد، معتبرين أن المسرح عبارة عن كلام، وهذا المفهوم خاطئ، كما أن إحدى أبرز الصعوبات التي واجهتني منشطاً هي اعتماد الطلاب على الحفظ، إذ يفترض أن يتعلم الطفل بطريقة تلقائية حركة الشخصية التي سيؤديها وليس حفظ الدور فقط، ولا يتم ذلك إلا بالتمارين التي تساعده على تقليد الشخصية وحفظ الحركة»، لافتة إلى أن «الأطفال تعودوا على تسجيل الأغنية وليس الغناء بصورة مباشرة، كما انهم تعودوا في المدرسة على الكلام وتأدية الحوارات عن طريق الامساك بالميكروفون، لذلك قمنا بتدريبهم على الصوت والتنفس والغناء المباشر».

ووجهت حويجة إلى مسألة تخصيص الوقت الكافي لأداء البروفات واختيار الطلاب الموهوبين، وليس فقط الطلاب المتفوقين، كما نوهت بأهمية اختيار المشرفين الجيدين، وليس لأنه معلم لغة عربية فقط، وأن تحصل العروض الجيدة على فرصة لعرضها في المدارس الأخرى وأمام أولياء الأمور، إضافة إلى عرضها في جميع إمارات الدولة، كما شددت حويجة على أن تكون هناك متابعة جادة من قبل الفرق المسرحية المحترفة للطلاب الموهوبين لاحتوائهم.

تويتر