Emarat Alyoum

«بليد رانر 2049».. «البلوكباستر» الأجمل والأفضل هذا العام

التاريخ:: 08 أكتوبر 2017
المصدر: عرض: عبدالله القمزي
«بليد رانر 2049».. «البلوكباستر» الأجمل والأفضل هذا العام

منذ طرح فيلم Blade Runner «بليد رانر» الأصلي عام 1982 انهمك جمهور الفيلم وعشاقه في مناقشته وتحليله، ومحاولة تفسير نهايته الغامضة، وتخمين أي اتجاه ستسلك القصة لو تم صنع جزء ثانٍ. صانع الأفلام البريطاني القدير ريدلي سكوت ومخرج الفيلم، دعم تلك التخمينات بنسخ معدلة من الفيلم عام 1992 الذي صادف الذكرى السنوية العاشرة، ثم النسخة النهائية عام 2007، والنسختان تضمان مشاهد إضافية لم تحوها نسخة الاستوديو السينمائية.

نجح «بليد رانر» الأصلي في أوساط النقاد، وأخفق عند الجمهور بشدة لأسباب عدة، كان أهمها الخطأ الفادح بطرحه بعد فيلم ET الشهير لستيفن سبيلبيرغ بأسبوعين، الذي - أي ET - حقق نجاحاً كبيراً إلى درجة تسببه في إخفاق فيلمين من الصنف نفسه أي خيال علمي، طرحا في الشهر نفسه (يونيو)، كان الأول «بليد رانر» والثاني فيلم The Thing لجون كاربنتر، والأخيران طرحا في اليوم نفسه 25 يونيو 1982.

أفكار جديدة

«بليد رانر» مات سينمائياً، لكن ما أنعشه من الموت كان ثورة اختراع الفيديو التي ازدهرت في ثمانينات القرن الماضي، وتمكن الجمهور بفضلها من مشاهدة الفيلم في المنازل. اليوم ولد الجزء الثاني بانتقال سكوت من الإخراج إلى الإنتاج، وتحول ريك ديكارد (هاريسون فورد) من شخصية رئيسة إلى مساعدة.

فورد.. حالة فريدة

غوسلنغ هو المميز هنا وأداؤه صامت تقريباً، ويذكر بدوره الصامت الآخر في فيلم Drive «قيادة» 2011. أما فورد فهو حالة فريدة من نوعها لأنه بحلول عام 2019 سيكون الممثل الوحيد في تاريخ هوليوود الذي يعيد تمثيل شخصيات مثّلها منذ أربعة عقود، فورد عاد في «إنديانا جونز» عام 2008 بعد توقف 19 عاماً، وعاد في «القوة تستيقظ» 2015، وها هو في «بليد رانر» الجديد، وسيظهر في «إنديانا جونز 5» بعد عامين.


للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.



• 1982 العام الذي طرح فيه «بليد رانر» الأصلي.

بعكس ما يحدث عادة في الأجزاء الثانية التي تستعير عناصر من الأجزاء الأصلية، وتعتمد على التكرار وعامل «النوستالجيا» لجذب الجمهور، كما حدث في «حرب النجوم: القوة تستيقظ» منذ عامين. «بليد رانر 2049» الجديد يحتفي بالفيلم الأصلي، ويضيف عليه قصة وأفكاراً وعناصر جديدة.

الشخصية الرئيسة في الجزء الثاني هو «كي» (رايان غوسلنغ) وهو روبوت حديث يسمى بليد رانر، يعمل لدى شرطة لوس أنجلوس في عام 2049، أي بعد 30 عاماً من أحداث الجزء الأول. وظيفة بليد رانر كما هي؛ أي العثور على روبوتات قديمة بأشكال آدميين مختبئة وسط البشر وإحالتها للتقاعد بقتلها. الفيلم يلغي مؤسسة تايريل التي كانت في الجزء الأول، ويضع مكانها نياندر والاس (جاريد ليتو) الذي أنقذ البشرية بعد انقطاع الكهرباء الشامل (أحداث لم نرها تفصل بين الجزأين)، وهو أيضاً مخترع وصنع نوعاً من الروبوتات غير قابلة للتمرد.

يعثر «كي» على روبوت (المصارع ديف بوتيستا) يحاول العيش بسلام كمزارع ويقتله، وعند خروجه يعثر على ما سيتحول في ما بعد إلى قصة بوليسية تدفع «كي» إلى البحث عن إجابات لأسئلة تتعلق بتاريخ الروبوتات وقوة الذاكرة كعنصر يؤثر بشدة في العواطف، ومعنى الإنسان والهدف من الوجود والهوية.

معادلة

لا يمكن سرد تفاصيل أكثر لأنه سيفسد مفاجآت الفيلم، نقول فقط إن روبين رايت تظهر في دور رئيسة «كي»، والكوبية الحسناء آنا دي أرماس في دور صديقته في شكل هولوغرام، وهاريسون فورد سيظهر في دور ريك ديكارد لاحقاً في الفيلم، وهذه ليست مفاجأة لأن وجود فورد أو عودة ديكارد كانا ركيزة أساسية في الحملة التسويقية للفيلم.

«بليد رانر 2049»، البلوكباستر الأفضل هذا العام يعد عملاً مجازفاً جداً، ومخاطرة جريئة لأنه فيلم مكمل للأول المقتبس من رواية لفيليب كي ديك، بعنوانDo Androids Dream of Electric Sheep، أي إن الثاني يأخذ الشخصيات فقط من الرواية، ويضعها في قصة جديدة كلياً، وهو ما يضعه بموازاة «الإمبراطورية تعاود الهجوم» الذي بني على «حرب النجوم»، وبخلاف «القوة تستيقظ» الذي اكتفى بالتحديث فقط دون التوسع في القصة.

عدم تمكن سكوت من إخراج هذا الفيلم بسبب انشغاله بفيلم Alien: Covenant دفع منتجي الفيلم، ومنهم سكوت، لاختيار البديل، وهو الكندي الفرنسي دينيس فلنوف صاحب السيرة الذاتية الحديدية بكل جدارة.

فلنوف انطلق من فيلمه المؤلم «حرائق»، ثم انتقل إلى هوليوود، وصنع رائعتين في عام 2013، الأولى «سجناء» والثانية «عدو»، ثم عام 2015 صنع الفيلم البوليسي «سيكاريو» عن الحرب الأميركية على المخدرات، والعام الماضي شاهدنا فيلمه «وصول»، واليوم فلنوف يضيف «بليد رانر 2049» أول فيلم بلوكباستر في رصيده، وثاني فيلم خيال علمي في عامين متتاليين.

فلنوف تمكن من دفع الأحداث إلى الأمام دون الإخلال بالعناصر القديمة، بل نجح في وضع معادلة وازن بها القديم والجديد، وجعلهما يخدمان بعضهما بعضاً، فمثلاً «كي» يعثر على ديكارد بالمصادفة في إحدى مراحل التحقيق ولا يبحث عنه، والفرق بين العثور بالمصادفة والسعي للبحث عنه كبير ويؤثر في قوة السيناريو، لأن الأولى تعطي ديكارد أهمية أكبر، أما الثانية فتجعله مجرد أداة قصة وتقتل الغموض، وهذا أحد أنجح جوانب هذا الأسلوب، وهو طريقته في تناول الغموض والحفاظ عليه طوال الفيلم، وهنا مربط الفرس.

عمل فلسفي

من حيث الأسلوب، هذا فيلم فلسفي بالضبط كما كان فيلم «وصول»، فلنوف يريد المشاهد أن يفكر ويتفكر في معانيه وأفكاره، يريد طرح الأسئلة من خلال غموض الفيلم. هناك مطاردة ومشاهد عراك خفيفة لكنها كلها عناصر مساعدة، وليست ضمن المحتوى الرئيس للقصة.

هناك ثلاثة عناصر سيلاحظها المشاهد في هذا الفيلم: الأول اللقطات الفنية الغنية بصرياً والمصممة بحرفية عالية وعناية شديدة بأدق التفاصيل، وهنا نريد طرح معلومة مهمة، وهي أن «بليد رانر» الأصلي (الذي أطلق موجة مقلدين أهمهم ذا ميتريكس والعنصر الخامس وشبح في الصدفة)، هو أساساً نسخ عناصره القوية بصرياً من فيلم الخيال العلمي الألماني الصامت الأشهر في التاريخ «ميتروبوليس» 1927 لفريتز لانغ. بكلمات أخرى، «ميتروبوليس» أسس سينما الخيال العلمي التي نشاهدها اليوم، وليس «بليد رانر» كما يتصور البعض.

العنصر الثاني قوة المؤثرات الصوتية والموسيقى (تأليف الألماني البارع هانز زيمر)، التي تتسبب في توتر وقلق للمشاهد، سمعناها في فيلمين سابقين لفلنوف: «عدو» و«سيكاريو» وموسيقاه قد تؤلم البطن من شدة التوتر.

العنصر الثالث ملاحظ في كل أفلام فلنوف، وهو تمكّن هذا المخرج من أدواته بشكل رهيب، وقدرته على الغوص بالمشاهد في أجواء الفيلم بحيث ينفصل المشاهد عن الواقع، ويدخل في أعماق عالم فلنوف السينمائي.