Emarat Alyoum

«المرض العظيم» يضخ دماء جديدة في سينما الرومانسية الكوميدية

التاريخ:: 06 أغسطس 2017
المصدر: عرض: عبدالله القمزي
«المرض العظيم» يضخ دماء جديدة في سينما الرومانسية الكوميدية

شخصان تميزا بإنتاج أفلام الرومانسية الكوميدية الجيدة: الأول منذ السبعينات وهو وودي ألين، والثاني منذ 2005 إلى اليوم وهو جود أباتاو.

أفلام أباتاو، الذي كان خلف بروز أشهر كوميديي القرن الـ21 في هوليوود؛ مثل ستيف كاريل وبول رود وسيث روغين، وهو منتج هذا الفيلم The Big Sick أو «المرض العظيم» وليس مخرجه، لها سمات مميزة: الأولى: استخدام حوارات أكثر واقعية من تلك التي عهدناها في أفلام هذا الصنف. الثانية: إلغاء الميلودراما (النكدية) أو تقليلها قدر المستطاع. الثالثة: طرح الفيلم في الصيف، وكان الاستثناء الوحيد فيلم «هذه سن الأربعين»، الذي طرح في ديسمبر 2012.

رغم كل ما ذكرناه عن أباتاو، إلا أن الفضل في نجاح هذا الفيلم يعود مباشرة إلى كاتبي النص؛ وهما كوميل نانجياني وإيميلي غوردون، اللذان كتبا القصة الحقيقية لعلاقتهما الرومانسية، التي توجت بالزواج بين باكستاني مسلم وفتاة أميركية بيضاء.

تعارف ثم عشق

روح حاضرة.. رغم الغياب

كازان حاضرة رغم غيابها، لأن مرضها وغيبوبتها محور النصف الثاني من الفيلم، فرغم غيابها إلا أنها روح حاضرة في المشاهد. ولو كان الفيلم في أيدٍ غير متمرسة، لنسينا وجود كازان بمجرد غيابها (ولو كان في دراما خليجية تعيسة، لاجتمع الممثلون حول سريرها، ليبكوا فقط دون تطور القصة).


• الفضل في نجاح هذا الفيلم يعود مباشرة إلى مبدعي النص؛ وهما كوميل نانجياني وإيميلي غوردون، اللذان كتبا القصة الحقيقية لعلاقتهما الرومانسية، التي توجت بالزواج بين باكستاني مسلم وفتاة أميركية بيضاء.

كوميل (الممثل يؤدي نفسه) ممثل كوميدي يعيش في مدينة شيكاغو، ويحاول إثبات نفسه في المهنة، ويعمل سائق «أوبر» في وقت فراغه. عائلة كوميل الباكستانية تقليدية محافظة مسلمة، تركز جهودها في محاولة ترتيب زواج لكوميل من فتيات باكستانيات يعشن في أميركا، وهو الأمر الذي يزعج كوميل.

أثناء أحد عروضه تعلق عليه فتاة من الجمهور، يذهب إليها كوميل ليتعرف بها، اسمها إيميلي (زو كازان)، وسرعان ما يبدآن في المواعدة. تتطور علاقة كوميل وإيميلي، وتذهب باتجاه العشق رغم محاولة الاثنين إنكار ذلك أثناء حديثهما، وهذا التطور أصبح مقلقاً لكوميل؛ لأنه يعلم أن عائلته المحافظة لن تقبل بهذه العلاقة حتى لو توجت بالزواج، وستتبرأ العائلة منه.

في يوم ما يدعو كوميل إيميلي إلى شقته، فتكتشف صندوقاً يحوي صور فتيات باكستانيات، وعندما تسأله يقول لها إن والدته أعطته صور هؤلاء الفتيات، بعد أن رتبت لكل واحدة منهن عشاء في المنزل بحضور كوميل، لعله يعجب بإحداهن ويخطبها والداه له. عندها يبوح كوميل لإيميلي بأنه لا يستطيع فتح موضوع علاقته بها، لوالديه لعلمه أنهما سيرفضان، فتقرر إيميلي إنهاء العلاقة فوراً.

بعد أسابيع عدة، يتلقى كوميل اتصالاً من صديقة إيميلي، تخبره بأن الأخيرة في المستشفى بعد تعرضها لإغماء. يصل كوميل إلى المستشفى فيخبره الطبيب فوراً بأن إيميلي مصابة بالتهاب حاد في الرئة، يستدعي إدخالها طبياً في حالة غيبوبة، حتى يتمكن الأطباء من السيطرة على الالتهاب، ومنعه من الانتشار في جسمها. يطلب الطبيب من كوميل توقيع ورقة الموافقة على الإجراءات الطبية فوراً، قبل أن تتدهور حالتها.

يوقع كوميل، ثم يتصل بوالديها بيث (النجمة القديرة هولي هنتر) وتيري (راي رومانو)، عند حضورهما يؤكدان لكوميل ألا حاجة لبقائه في المستشفى؛ لكنه يخالف رغبتهما ويصرّ على البقاء، وشيئاً فشيئاً تتكون علاقة صداقة بينه وبينهما.

دراما متوازنة

من سياق السرد السابق للقصة، هل نقول إنه فيلم هندي؟ نعم هو كذلك، هل نقول إنه دراما خليجية تعيسة؟ نعم أيضاً نستطيع تشبيهه بذلك، هل نقول إنه دراما تركية مبتذلة؟ نعم هو يجمع بين كل هذه الأنواع الثلاثة. تقريباً لا فرق بين الفيلم الهندي والدراما الخليجية التعيسة، فلو كانت هذه القصة في فيلم هندي أو مسلسل خليجي، لاجتهد صنّاع الأول أو الثاني في ملء المشاهد بلقطات بكاء تماسيح، سيضحك عليها حتى الطفل.

ولو كانت في دراما تركية، لبرع صنّاعها في تمديد القصة لـ200 حلقة كلها خاوية من المضمون. لكن عندما يقف أباتاو خلف الفيلم؛ فإن النتيجة هي دراما مؤثرة وحذرة ومتوازنة جداً في هوليوود الجديدة، ولو كانت القصة في فيلم منتج في هوليوود القديمة (من الثلاثينات إلى الستينات)، سيكون هناك ميلودراما وبكاء، لكنه مقنع أكثر من البؤس الذي نشاهده في الدراما العربية والهندية عموماً.

أسلوب مؤثر

هذا الفيلم مصنوع بطريقة جيدة جداً، لأنه يتناول قصة تقليدية جداً لا جديد فيها، ويعرضها بأسلوب مؤثر، يدخل البهجة والسرور إلى القلوب رغم نكسات القصة.

أولاً: لدينا قصة حب بين رجل وامرأة، من خلفيتين متناقضتين عرقياً ودينياً، وهذه أصبحت «كليشيه» في كل أنواع الدراما العالمية، وتتطلب معالجتها كتابة وإخراجاً متمرسين.

ثانياً: لدينا تحدٍّ كبير في القصة، يكمن في الكيمياء الشخصية بين كوميل وإيميلي، أو علاقتهما التفاعلية، وهذه بحاجة إلى ممثلين بارعين في الإقناع، ومخرج (مايكل شوالتر) قادر على توجيههما بشكل جيد.

ثالثاً: لدينا فيلمان في واحد: الأول رومانسي كوميدي من البداية وحتى إنهاء إيميلي العلاقة، ثم دراما اجتماعية بمجرد دخول إيميلي في الغيبوبة. الانتقال أو التحول بينهما، ناهيك عن مزجهما، عملية بحاجة إلى مخرج متمكن جداً من أدواته، يجيد المحافظة على توازن النبرة.

رابعاً: زو كازان حاضرة في النصف الأول من الفيلم، وغائبة في النصف الثاني بسبب الغيبوبة، وتركت فراغاً (ولم تترك) ملأه شوالتر بصورة ممتازة وسلسة، بإدخال هنتر ورومانو اللذين عوضا غياب كازان عن الشاشة، بارتباطهما بكوميل.

سر نجاح

نقاط قوة أي رومانسي كوميدي تتركز في قوة حضور شخصياته؛ وهذا الفيلم يرسخ كل الشخصيات بقوة في الأذهان: كوميل عفوي جداً غير متكلف ينجذب إلى إيميلي ومرتبك، بسبب خوفه من إغضاب عائلته، لكن حبه الكامن في قلبه لها هو ما يدفعه للبقاء بجوارها. عفوية كوميل الذي يؤدي قصته بنفسه سر نجاحه، فحتى في لحظة البكاء كان مؤثراً، لأنه لم يفرط في إظهار مشاعره.

هنتر ورومانو عكس بعضهما بعضاً، فهي حادة المزاج قلقة جداً، لا تتردد في اتخاذ القرار، بينما هو بارد الأعصاب يبحث عن ترفيه لينسى هول الموقف، ويلقي بالنكات هنا وهناك وفي توقيت صحيح. والأهم أنهما يفعلان أشياء مهمة، كمحاولة إحداث تغيير في موضوع ابنتهما، ولا يضيعان وقتهما في البكاء.

والدا كوميل (أنوبام كير وزنوبيا شروف) أيضاً عكس بعضهما بعضاً، فالأب طيب وأقل صرامة من الأم إلى حد كبير، بينما الأم حريصة جداً على المحافظة على نقاء دم العائلة، بتزويج كوميل من فتاة باكستانية، وترفض الحديث إليه والنظر إلى وجهه، عندما يصارحها بأنه لا يستطيع فهم لِمَ يجب عليه القبول بالتقاليد الباكستانية المحافظة، وهو يعيش في أميركا وما يراه أمامه من مظاهر حياة يناقض ما تربى عليه ولم يره في حياته أصلاً، لأنه لا يعيش في باكستان.

كل هذه العوامل تجعل «المرض العظيم» فيلماً رومانسياً كوميدياً استثنائياً؛ بل وأقوى فيلم في هذا الصنف، منذ انهياره في بداية القرن الـ21، وربما الأقوى في هذا العقد حتى اللحظة.