الكائنات الفضائية تغزو الأرض

«معــركـة لــوس أنجلـــوس».. كيف نعيش بلا «مارينز»

«لوس أنجلوس» فيلم علاقات عامة مفبرك. آوت ناو

كل من أراد أن يصنع فيلماً ينتمي إلى فئة الخيال العلمي يخرج علينا بكائنات ويقول لنا إنها تغزو الأرض، وبالتالي فإننا نكون أمام معارك طاحنة بين البشر وتلك الكائنات المدججة بأسلحة خارقة أو حتى عادية لكنها تحدث دماراً كبيراً، عندها نكون قد شاهدنا فيلماً لا ينتمي إلى الخيال ولا إلى العلم، وعلى شيء من اجترار مضحك، له أن يكون أيضاً ذا أهداف محددة تقول لنا مثلاً إن «المارينز» هم الملائكة، بحيث نشاهد فيلماً من أوله إلى آخره يتحرك تحت غطاء الكائنات المريخية، وكل هدفه تقديم «بروباغندا» فاقعة في قالب فيلم ناجح جداً في جعل التثاؤب تصاعدياً في محاكاة لأحداث الفيلم.

فيلم «Battle: Los Angeles » (معركة لوس أنجلس) يقول لنا ذلك، وعلينا أولاً أن نبدد وهم أن الفيلم عن الغزو الفضائي للأرض، وتبديل ذلك باعتباره فيلم علاقات عامة مفبركاً كيفما اتفق ليضعنا أمام المثل الانسانية الفذة التي يتحلى بها جندي «المارينز»، ولعلي وطيلة مشاهدة الفيلم كنت استعيد أشهر فيلم في تاريخ السينما النازية ألا وهو «اليهودي سوس» 1940 الذي يعتبر المثال الأشد سطوعاً على استخدام السينما كأداة طيعة في خدمة أفكار الأنظمة الشمولية، لكن مع حفظ الفارق بينه وبين «معركة لوس أنجلوس» بأن الأخير بعيد عن فجاجة الأفكار النازية الواضحة والصريحة بما يتعلق باليهود، بحيث تم استخدام الفيلم كأداة تحريض للجنود الألمان في المعسكرات و«الغيتوات»، بينما يصاغ فيلم «معركة لوس أنجلوس» وفق كل المعايير الأميركية في تمرير كل ما يراد قوله على هدي الآليات الإعلانية المتطورة وإيجاد القالب المعد سلفاً لإيهامنا بأن الفيلم ليس أكثر من فيلم خيالي.

في الوقت نفسه يمكن وضع فيلم «معركة لوس أنجلس» الذي أخرجه جوناثان لايبزمان وكتبه كريستوفر برتوليني أمام فيلم سام مندس «جارهيد»، طبعاً فيلم مندس لا علاقة له بالفضاء بل الأرض وهو يقدم لنا أسطورة «المارينز» إبان حرب الخليج الأولى وكل ما يفعلونه طيلة الفيلم هو السعي لأن يخوضوا معركة بحق، أو أن يطلقوا الرصاص باتجاه عدو، الأمر الذي لا يتحقق أبداً طالما أن الطائرات والصواريخ تكون قد تولت كل شيء، ضعوا فيلم لايبزمان أمام فيلم مندس وستكون النتيجة مفارقة لطيفة.

يخبرنا فيلم «معركة لوس أنجلس» من البداية بأن هناك حدثاً جللاً ألم بالكرة الأرضية، إنها نيازك تضرب الأرض، ومن ثم سيتصاعد ذلك إلى اعتبار أن الأرض تتعرض لغزو فضائي، بما يحول الفيلم من البداية إلى ثكنة عسكرية بعد أن تحولت لوس أنجلس إلى ذلك ونحن نرى الجنود يمرحون في شوارعها، كما لو أن نزول العسكر إلى المدن يزيدها فرحاً وسعادة، وبما يؤسس أيضاً لبناء علاقة بين المشاهد والجنود الذين سيتم التركيز عليهم في الفيلم وعلى رأسهم الرقيب مايكل (آرون اكهارت) الذي نقع عليه وهو في طريقه للتقاعد من خدمته الطويلة في «المارينز» متعرفين على كونه يعيش على شيء من الذكريات المؤلمة إن تعلق الأمر بالفصيل الذي كان يرأسه وقد قتل جنوده في العراق ربما، بما لا يوضح أيضاً إن كان هذا الغزو الفضائي اللعين الذي تتعرض إليه الأرض قد حدث والعراق مازال محتلاً من الأميركيين. تركيبة الفيلم تمضي إلى وضع أولئك الجنود في مواجهة على الأرض مع الكائنات الفضائية، وذلك من خلال توجههم إلى مركز شرطة فيه مدنيون، وهناك سيتحفنا الرقيب مايكل بحزمة من قيم المارينز، وسيكون هو مثالاً ساطعاً على جندي مشاة البحرية الأصيل، الذي لا يعصي أوامر الملازم الغر الذي لم يمض على تخرجه من المدرسة الحربية بضعة أشهر بل يضع نفسه وخبرته الطويلة في تصرفه ويدفعه إلى اتخاذ القرار، فالمهم أولاً وأخيرا اتخاذ قرار سواء كان صائبا أو خاطئا وهنا أتكلم بمنطق مايكل، الذي سيجسد كل القيم الشجاعة والنبيلة المطلوبة في هذا الوقت العصيب على الكرة الأرضية، وسيشكل مثالاً يحتذى من قبل الجنود الآخرين، كذلك الأمر من خلال الملازم السابق الذكر الذي ينفذ عملية استشهادية ضد الكائنات الفضائية ويفجر نفسه فيها. بالعودة إلى مايكل فإن ما سيؤرقه أولا وأخيراً هم المدنيون، سيبذل كل ما في مقدوره لينقذهم، وهذا يمتد إلى جميع الجنود، وليكون ذلك المهمة الرئيسة في ما يقومون به، رغم فشله الطفيف مع مقتل ذاك الأب تاركاً ابنه الوحيد أمانة في عنقه. حين يتمكن البطل الفذ مايكل من إنقاذ الأبرياء سرعان ما يقفز وحيداً من الطائرة المروحية التي تقلهم مع اكتشافه أن تشويشا كبيرا قد تعرضت له الطائرة بما يؤكد له ان قيادة الكائنات الفضائية المقاتلة التي أتت إلى الأرض لتسطو على المياه موجودة في مكان قريب، وسرعان ما يتبع به جنوده ليقضوا على الأشرار الملاعين ويقيم العدل ويعيدوا للبشرية السلام والأمان. يحتوي الفيلم على مقدار كبير من الرداءة، حتى وإن تمت مقاربته من باب الترفيه الواسع، فهو يشبه تماماً المخلوقات التي يقدمها، أو أحشاء تلك المخلوقات التي يغوص مايكل بيده فيها وهو يحاول معرفة المكان أو العضو الذي يجب إطلاق النار عليه ليتمكنوا من قتلهم.

تويتر