التناول القانوني لقضايا الحقوق الرقمية متأخر عن نمو الإنترنت وخدماته

«التخزين السحابي» للبيانات يفقد المستخدم الحق فيها

صورة

«السحابة» و«التخزين السحابي» من أكثر المصطلحات انتشاراً على الإنترنت حالياً، وتشير إلى تخزين البيانات على خوادم متعددة تمتلكها شركات، تتيح للمتعاملين مساحات محددة مجاناً، أو بمقابل مالي، كما توفر خدمات مثل تحرير الصور والنصوص، وتُتيح للمستخدمين الوصول إلى بياناتهم عبر الاتصال بالإنترنت من أي مكان دون ضرورة استخدام الكمبيوتر الشخصي أو تنصيب برامج. ويمكن اعتبارها إطاراً عالمياً توجد فيه بيانات البريد الإلكتروني، وحسابات الشبكات الاجتماعية، والصور والملفات التي يشاركها الأشخاص مع بعضهم بعضاً.

وبعيداً عن التعريف، يرتبط اسم السحابة في الأذهان بصورة شيء رقيق، وأبيض اللون، وعديم الوزن ينساب بهدوء، لكن الواقع أن السحابة المقصودة ضمن «التخزين السحابي» تتألف من غرف ضخمة تُشبه الأقبية، تملؤها الخوادم، وبمجرد أن يُقرر المستخدم تحميل بياناته وملفاته إلى هذا المستودع العالمي، يكون قد قبل بالتخلي عن الكثير من حقوقه في الملكية، بحسب مقال كتبه الكاتب البريطاني المهتم بأمور التقنية، توم شاتفيلد، في موقع «بي بي سي» الإلكتروني.

وبين حينٍ وآخر، يظهر تحذير جديد من تداعيات «التخزين السحابي»، ومن بين تلك الأصوات أحد مؤسسي شركة «أبل» الأميركية، ستيف وزنياك، الذي أشار في عام 2013 إلى ما وصفه بمشكلات مروعة ستنشأ خلال السنوات الخمس المقبلة.

وأضاف أنه «مع السحابة، فأنت لا تمتلك أي شيء. لقد تنازلت عنه بالفعل، كلما نقلنا مزيداً من الأشياء على الإنترنت، وعلى السحابة، قلت قدرتنا على التحكم فيها».

وسبقه في عام 2008، مؤسس «مؤسسة البرمجبات الحرة»، ريتشارد ستالمان، الذي وصف تبني الأنظمة المعتمدة على الخدمات السحابية بأنه أكثر سوءاً من الغباء، واعتبره حملة تسويقية سافرة. لكن هذا التحذير وأمثاله، لاقى المصير ذاته، وهو التجاهل.

وربما يكمن السر في الإقبال على خدمات «التخزين السحابي» في ما تُوفره من راحة، سواءً للأفراد أو الشركات، من خلال إمكانية الوصول إلى البريد الإلكتروني، والصور، والملفات، والمعلومات من أي مكان، فالبيانات الموجودة في حسابات البريد الإلكتروني مثل «جيميل»، «ياهو»، و«أوتلوك» توجد لدى مقدمي الخدمات، وكذلك الكتب التي تُقرأ عبر جهاز «كيندل» للقراءة الإلكترونية، والتعليقات والتغريدات، والتصويت أو تقييم أحد المواد على أي من المواقع التي يشترك بها المستخدم، ويُمثل هذا وضعاً ملائماً للجهات المسؤولة عن تشغيل هذه الخدمات، التي تُحقق أكثر إيراداتها من الاستفادة من هذه البيانات وبيعها.

لكن تسجيل المستخدم وقبوله تحميل بياناته لا يضمن حقوقه، فعلى سبيل المثال، تضرر الملايين من المستخدمين خلال العام الماضي من قرار الحكومة الأميركية إغلاق موقع مشاركة الملفات «ميغا أبلود»، واختفاء البيانات المخزنة على خدمته السحابية، سواءً كانت مشروعة أو العكس. وتكرر الأمر العام الجاري بعد قرار شركة «كوبو» الكندية، حذف جميع الكتب المنشورة ذاتياً من خدمتها للكتب الإلكترونية.

ويرجع افتقار أصحاب المحتوى إلى حقوقهم عند استخدام «التخزين السحابي» إلى طبيعته في الأصل. وكما عبر، الكاتب في مجلة «نيو ساينتست» العلمية، دوغلاس هيفين، فإن «الحياة الرقمية هي الحالة أو الصفة الفيزيائية للمادة، وليس المادة ذاتها»، ما يعني أن الفرد لا يمتلك معلوماته الخاصة بالصورة القانونية، وإنما هي مجرد حالة كهربائية لقرص تخزين يمتلكه شخص آخر، وعلى الأرجح مجموعة من أقراص التخزين تنتشر في مراكز للبيانات مُوزعة في مختلف أنحاء العالم، يحتوي كل منها جزءاً من النسخ الاحتياطية لملفات المستخدم.

ويقول كاتب المقال: «في اللحظة التي تنقر فيها على زر (أبلود) أو حمّل، فإنك تكون تقريباً قد منحت كل حق تتوقع أن تمتلكه فيما هو لك».

حكومياً، تحتفظ الحكومات بامتيازاتها على بيانات المستخدمين، إذ تسمح الولايات المتحدة لنفسها بالبحث في رسائل البريد الإلكتروني القديمة دون أمر قضائي، وفي تايلاند، فإنه يمكن للحكومة البحث عما يتعلق بإهانة الملك.

وفي مقابل ذلك، تأسست شركات على اعتقادها بصحة التحذيرات المخيفة من تقنيات «التخزين السحابي»، ومن بينها شركة «سوشيال سيف»، التي قال رئيس مجلس إدارتها، جوليان رانجر، إنه «في غضون سنوات، سيتسبب انعدام الخصوصية، بفعل الإيذاء غير المتعمد للذات وتجميع البيانات لمصلحة طرف ثالث، في ضرر أكبر وأكبر، لأنه لا يمكن للناس ترك ماضيهم وراءهم»، وهذا أحد الأضرار فقط، فضلاً عن الخطر الناجم عن فقدان البيانات، والسرقة، والخداع، والإغلاق الكلي.

وتوفر حالياً «سوشيال سيف» خدمة النسخ التلقائي للمحتوى المخزن سحابياً إلى الكمبيوتر الشخصي للمستخدم، ليمكنه إدارته والتحكم فيه وتحليله، وتغطي خدماتها بعض مواقع الإعلام الاجتماعي من «فيس بوك»، و«تويتر» إلى «إنستغرام»، و«لينكدإن».

وتُخطط الشركة بحلول نهاية العام المقبل أن تُغطي فئات مختلفة من البيانات مثل تاريخ عمليات الشراء، وفواتير خدمات المياه والكهرباء، والبيانات المالية والصحية. ويأمل رانجر في الوصول إلى نموذج نهائي يمتلك فيه الشخص بياناته الشخصية، ويمكنه إتاحتها على أجزاء يحددها، ولأغراض يُوافق عليها.

ويبدو الفكر القانوني حول الحقوق الرقمية بطيئاً في محاولته اللحاق بعبثية الوضع الحالي، الذي لا يُوفر الحق في استعادة البيانات بعد فقدها أو حذفها، فضلاً عن خضوعها لأهواء مُزوّدي الخدمات، وهو المسار الذي تجاوزه بقوة معدل انتشار المواد على الإنترنت، وبين أيدي الشركات التجارية التي تعتمد أرباحها على امتلاك واستغلال كل ما لديها.

وضمن سياق كهذا، تثير شركات مثل «سوشيال سيف» الاهتمام، لإصرارها على مسار عكسي تراه صحيحاً، فتعتقد أنه ينبغي للمستخدم التحكم في البيانات الشخصية على كمبيوتر شخصي يمتلكه، وأن تحصل الشركات الراغبة في تقديم خدماتها على إذن المستخدم.

ويبدو الوضع بمجمله مثيراً للدهشة؛ ففي الوقت الحاضر لا تُعد الخصوصية هي الخيار الافتراضي للمستخدمين، كما لا يُناضل أكثرهم للدفاع عن هذا الحق وتوفيره للجميع، وربما يكون من العسير مقاومة الراحة التي توفرها الخدمات السحابية، وما يُثيره اسمها من بعض المعاني تتصل بالرقة والجاذبية.

تويتر