وسط اتجاه لطرح أجهزة منها أكثر نحافة وأخف وزناً مع إمكانية تزويدها بلوحات مفاتيح منفصلة

الحواسيب اللوحية تمثل مستقبل الحوسبة الشخصية

«آي باد برو» أظهر أنه بات بإمكان الحواسيب اللوحية منافسة نظيرتها المكتبية والمحمولة كأداة رئيسة للحوسبة في مجال الأعمال. غيتي

شهدت مبيعات الحواسيب اللوحية تراجعاً في الفترة الأخيرة، ما دفع البعض للحديث عن نهايتها الوشيكة وإخفاقها في إثبات أهميتها للمستخدمين، لكن يبدو مع إعلان شركة «أبل» الأخير عن حاسوب «آي باد برو» بات بإمكانها ليس فقط الاستمرار، وإنما أيضاً منافسة الحواسيب المكتبية والمحمولة بقوة كأداة رئيسة للحوسبة في مجال الأعمال، وذلك حسب ما تناول، كريستوفر ميمز، في مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أخيراً.

ويُقيم ميمز رأيه على نزعات جديدة ستُؤثر في مجال الحوسبة الشخصية عموماً، ومنها اتجاه الشركات لتقديم حواسيب محمولة أكثر نحافة وأخف وزناً، وتزويدها بواجهات لمسية، وربما تُضيف إليها لاحقاً لوحات مفاتيح يمكن فصلها.

ويرى ميمز أن معظم الحواسيب المحمولة التي تُباع اليوم، بصرف النظر عن نوع عتادها وبرمجياتها، ستستبدل لاحقاً بحواسيب لوحية مزودة بلوحات مفاتيح، أي ما يسميه البعض «ألترا تابلت» Ultra Tablets.

ويناقض هذا التحول التراجع الراهن في مبيعات «آي باد» الذي بلغ خلال الربع الأخير مستوى لم يتكرر منذ عام 2011 بعد عام على إطلاقه، فضلاً عن توقع شركة «آي دي سي» للأبحاث نمواً فاتراً في سوق الحواسيب اللوحية ككل خلال العام الجاري، وغالباً ما يفسر ذلك بانتشار الهواتف الذكية ذات الشاشات الكبيرة، ما قلل الحاجة إلى الحواسيب اللوحية.

لكن «أبل» قدمت تبريراً لاستمرار الحواسيب اللوحية في مؤتمرها الأخير الذي عقد في التاسع من الشهر الجاري، من خلال الكشف عن «آي باد برو» بشاشة عالية الدقة 12.9 بوصة، ولوحة مفاتيح يمكن فصلها، ومعالج وصفته بأنه يتفوق على 80% من معالجات الحواسيب المحمولة التي شُحنت العام الماضي.

وحينها سمى الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، تيم كوك، الجهاز الجديد «التعبير الأكثر وضوحاً عن رؤيتنا لمستقبل الحوسبة الشخصية». ولا تعني العبارة مجرد الإشارة إلى خطط «أبل» للحوسبة المحمولة، بل تُظهر دعم «أبل» لفئة من الأجهزة لم تكن أول من ابتكرها.

ويُذكر في هذا الشأن حواسيب «سيرفيس برو» من «مايكروسوفت» التي كلفت الشركة 900 مليون دولار، نظراً إلى إفراطها في تقدير مبيعات الجيل الأول منها. لكنها صعدت بهدوء على مدار ثلاثة أعوام لتصبح منافساً لأغلب الحواسيب المحمولة بنظام «ويندوز»، وأحد بدائل الحواسيب المحمولة.

وقال المدير المسؤول عن «سيرفيس» في شركة «مايكروسوفت»، بريان هول، إن الشركة حققت 3.6 مليارات دولار كعائدات من «سيرفيس» خلال السنة المالية الأخيرة، ورفض الإفصاح عن عدد الوحدات المبيعة، لكن يمكن تقديرها بأربعة ملايين حاسوب.

ولفت هول إلى أن أغلب مستخدمي حواسيب «سيرفيس» من الأفراد والشركات الصغيرة، ما يشير إلى اختيار أشخاص لحواسيب «سيرفيس» من دون أن تفرضها أقسام تكنولوجيا المعلومات في الشركات، وعموماً لاقت قبولاً من محبي نظام «ويندوز».

وقال ميمز: «أنا على استعداد للمراهنة أن (آي باد برو) سيدعم مبيعات (سيرفيس) ومنافسيه من خلال ما تجيد (أبل) فعله باستمرار، أي إقناع الجمهور بأن ما يبدو لهم فئة غريبة من الأجهزة هي في حقيقة الأمر منتجات يتعين عليهم اقتناؤها». وبذلك قد تكرر «أبل» قصتها مع مشغلات الموسيقى والهواتف الذكية والحواسيب اللوحية العادية وريادتها في هذه الفئات.

كما تدعم هذا الرأي خطط تطوير منتجي البرمجيات والعتاد، ومن ذلك شرائح «سكاي ليك» Skylake من «إنتل». وقال الرئيس التنفيذي للشركة، بريان كرزانيتش، إنها ستُفسح المجال لحواسيب شخصية أكثر نحافة وأخف وزناً.

وتستخدم شرائح «سكاي ليك» الإلكترونية ما يقل عن 4.5 واط، حسب ما قال المُحلل المتخصص في تكنولوجيا المعلومات، بارتريك مورهيد، الذي اعتبر أن هذا القدر المُنخفض من الطاقة يعني إمكانية تصنيع جهاز من دون مراوح وبالتالي أرق. ما يُشير إلى إمكانية توفير حواسيب لوحية قوية وبلوحات مفاتيح منفصلة.

وبطبيعة الحال لن تقتصر هذه الأجهزة على نظام تشغيل «ويندوز»، فيخطط المنتجون لتوفير الرقائق الإلكترونية المطورة لحواسيب تدعم نظام تشغيل «كروم» من «غوغل»، وربما نسخة مُعدلة من «أندرويد» تلائم نظاماً متكاملاً للحواسيب المكتبية.

ويبدو أن عالم الحوسبة على مشارف مرحلة غريبة تتنافس فيها أنظمة التشغيل نفسها على مختلف الأجهزة المكتبية والمحمولة والحواسيب اللوحية باستثناء نظام «ماك». وبدأت «مايكروسوفت» مع نظام «ويندوز 10» الجديد بتخطي الحدود الفاصلة بين أنظمة تشغيل الأجهزة المكتبية والمحمولة، وتظهر «أبل» و«غوغل» استعداداً لاتباع النهج ذاته.

ومما يبين اختلاف الوضع القائم، المعايير الجديدة للاتصال اللاسلكي بالشاشات والأجهزة الطرفية أو الملحقات، وتتيح لمختلف الأجهزة ومنها الهواتف الذكية الارتباط بغيرها، وإنجاز بعض من مهام الحوسبة المكتبية أو على الأقل الوظائف البسيطة.

ويقود ذلك كله إلى وضع يبدأ مع نهاية العام الجاري أو مطلع العام المقبل، حين يتوافر أمام المستخدمين مجموعة مذهلة من الخيارات لإنجاز أعمالهم توفر لوحات مفاتيح ملموسة وكاملة، وفأرة، وشاشات لمسية، وربما أكثر من ذلك، ما ينعش فئة من الأجهزة بدا أن الإقبال عليها قد توقف.

ومن أجل تصور هذا المستقبل الوشيك، يمكن النظر إلى شركة «جيدي تكنولوجي» Jide Technology الناشئة في العاصمة الصينية، بكين. وتُوفر الشركة، التي أسسها ثلاثة من المهندسين السابقين في «غوغل»، حاسوباً لوحياً شبيهاً بجهاز «سيرفيس» من «مايكروسوفت».

وتعمل أجهزتها بنسخة مُعدلة من «أندرويد» باسم «ريمكس» Remix OS، ويبدو أقرب شبها بنظامي «ويندوز» أو «ماك» أكثر منه بنظام تشغيل للأجهزة المحمولة، ويتضمن ميزات مثل دعم تعدد المهام، والتحكم في حجم النوافذ، وإدارة الملفات وغيرها من السمات المألوفة في نظم تشغيل الحواسيب المكتبية.

وفي ظل وجود نظام مثل «ريمكس» نموذجاً وما يبدو من التزام «أبل» بتحسين قدرات الحواسيب اللوحية في الإنتاجية لتُضاهي إمكاناتها في المحتوى الاستهلاكي، لا يصعب على أنظمة التشغيل المحمولة والأجهزة التي تعتمد عليها أن تستحوذ على جانب كبير مما بقي من سوق الحواسيب الشخصية، كما أن ما سيتبقى من هذه السوق سيتحول إلى منافسة الحواسيب اللوحية «ألترا» التي هددت مكانته واقتطعت من حصته، وهو مسار كلاسيكي للتقنيات الجديدة.

وأعرب ميمز عن اعتقاده بأن أكبر العوائق أمام هذا المسار تتمثل في عقليات الأشخاص، فيصعب على بعض ممن تربوا وكبروا بصحبة أنظمة تشغيل الحواسيب المكتبية استيعاب فكرة سرعة الهواتف الذكية وبلوغها قوة الحواسيب التي يستخدمونها في العمل، وهو ما يختلف للأشخاص الذين لم يجربوا كثيراً التعامل مع الحواسيب المكتبية والارتباط بها.

وقال المؤسس المشارك في «جيدي تكنولوجي»، ديفيد كو: «الشيء المهم هو ما يمكنك إنجازه بوساطة نظام التشغيل»، وأوضح أن ثلثي سكان العالم لم يبدأوا بعد استخدام الإنترنت، وسيعتمدون في اتصالاتهم الأولى على هاتف ذكي بنظام «أندرويد»، ولذلك فحين يرغبون في التحول إلى مجال أكبر للإنتاجية والعمل فمن المحتمل توجههم إلى نظام تشغيل مألوف لديهم. واختتم ميمز مقاله بالقول: «بالنسبة للمستخدمين الفعليين للإنترنت، فإذا لم نقبل هذه الرؤية في الحوسبة، أثق بأن الجيل المقبل، أي الأطفال الذين يستخدمون حواسيب (آي باد) اليوم، سيفعل ذلك».

 

تويتر