مع تنامي الإقبال عليها عبر الهواتف الذكية

«فيس بوك» يتبنى الاتجاه لتطبيقات التراسل الفوري

صورة

قبل 10 سنوات أسهم موقع «فيس بوك» في رواج فكرة الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، لكن تنامي الإقبال على تطبيقات التراسل الفوري عبر الهواتف الذكية يمثل تحولاً مع اتجاه المستخدمين إلى تفضيل التواصل المباشر بين شخص وآخر، بعكس فكرة التواصل أو النشر من شخص واحد إلى كثيرين، كما يُقدمها «فيس بوك».

وبحسب شركة «كويترا» الناشئة المُتخصصة في البيانات، تشغل تطبيقات التراسل الفوري ستة مراكز بين أكثر التطبيقات شيوعاً في العالم. وتُستخدم تطبيقات التراسل في المتوسط تسع مرات يومياً مقارنة مع 1.9 مرة لبقية التطبيقات، وفقًا لشركة «فلوري» للأبحاث التابعة لشركة «ياهو».

وضمن التطبيقات المملوكة لشركة «فيس بوك»، تُقدر شركة «دويتشه بنك» مراجعة المستخدمين لتطبيقي «واتس أب» و«ماسنجر» ما بين 25 إلى 30 مرة يومياً، مقابل 15 مرة لتطبيق «فيس بوك» الرئيس.

ويتوقع مُحللون وصول عدد مستخدمي «واتس أب» إلى مليار مستخدم بحلول مطلع العام المقبل، ما يعني بلوغه هذا العدد أسرع من «فيس بوك» بعامين.

ويرى دارسو الاتصال في نمو تطبيقات التراسل أمراً طبيعياً، باعتبار أن المحادثات بين شخص وآخر تعكس بشكل وثيق كيفية تفاعل الناس في الحياة اليومية، ولا يعني ذلك تخلي المستخدمين عن «فيس بوك»، بل تغير أغراض استعماله.

وقال أستاذ اتصالات المحمول في «جامعة ميتشيغان» الأميركية، سكوت كامبل: «يلبي (واتس أب) حاجةً أكثر أهمية من الإعلام الاجتماعي»، مشيراً إلى أنه ربما يعبر هذا عن نوع من التطور، وشكل من الاتجاه إلى الارتباط بالعائلة والمجموعات المقربة.

وتقبل موقع «فيس بوك» نفسه هذا الاتجاه، وفضلاً عن الاستحواذ على تطبيق «واتس أب» نظير 22 مليار دولار في عام 2014، طور تطبيق «ماسنجر» وروج لاستخدامه ليصل عدد مستخدميه حالياً إلى 700 مليون مستخدم. وفي العام الماضي، وخلال جلسة علنية للأسئلة، قال الرئيس التنفيذي لشركة «فيس بوك»، مارك زوكربيرغ: «نعتقد أن التراسل في الواقع أحد الأمور القليلة التي يقوم بها الناس أكثر من التواصل الاجتماعي».

ومع ذلك، يضع هذا التحول العديد من التحديات أمام شركة «فيس بوك» التي تجني أرباحها أساساً من خلال عرض الإعلانات في قسم «خلاصات الأخبار» الخاص بكل مستخدم، ويتضمن منشورات أصدقائه والصفحات التي يتابعها. ولا تتضمن العديد من تطبيقات التراسل أقساماً مشابهة لعرض الرسائل، ما يزيد من صعوبة نشر الإعلانات خلالها.

وتجني بعض تطبيقات التراسل الآسيوية إيراداتها بسبل مختلفة. ويستخدم نحو 550 مليون شخص في الصين تطبيق «وي شات» شهرياً لأغراض متنوعة، مثل التحدث مع أصدقائهم، واستخدام الألعاب، ومشاهدة مباريات «الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين». وتحصل شركة «تينسنت» المالكة للتطبيق على رسوم مقابل مشتريات المستخدمين من البضائع الحقيقية والافتراضية، كما تعرض بعض الإعلانات ضمن قسم «مومنتس» الشبيه بقسم «خلاصات الأخبار» في «فيس بوك».

ويحصل تطبيق «لاين»، الذي يلقى رواجاً في كل من اليابان وتايلاند وتايوان، على عائداته من خلال عمليات الشراء ضمن التطبيق، وبيع مجموعات الملصقات أو الصور نظير مبلغ يقترب من 1.99 دولار لكل منها، ويصل عدد مستخدميه النشطين شهرياً إلى 205 ملايين مستخدم، لكن حتى الآن لم تحقق أي من هذه المبادرات أرباحاً تقترب مما يجنيه «فيس بوك».

ووفقاً للمحلل مارك ماهاني في شركة «آر بي سي كابيتال ماركتس» حقق كل من «لاين» و«وي شات» و«كاكاو توك»، الذي يشيع استخدامه في كوريا الجنوبية، ما يراوح بين دولار ونصف الدولار إلى ثلاثة دولارات نظير كل مستخدم نشط شهرياً في العام، ويقل هذا عن ثلث ما يكسبه موقع «فيس بوك» مقابل كل مستخدم، وبلغ 9.45 دولارات في عام 2014. وألمح «فيس بوك» إلى جانب من تخطيطه المستقبلي لتطبيق «ماسنجر» في مارس الماضي، حين أعلن عن السماح للمطورين الخارجيين بتقديم تطبيقات تعمل ضمن منصة تطبيق التراسل «ماسنجر»، وتتوافر بالفعل تطبيقات للصور والفيديو والألعاب، كما أضاف ميزة تُتيح للمستخدمين متابعة طلباتهم من متاجر التجزئة على الإنترنت، لكن حتى الآن لم تُفلح أي هذه التحديثات في تحقيق عائدات.

وقال الرئيس المسؤول عن «ماسنجر»، ديفيد ماركوس، إن «فيس بوك» يتفهم ما يواجهه من تحدي، ويتوجب عليه تخطي تطبيقات التراسل الآسيوية. وأضاف: «في الوقت الراهن لم نجن أي أموال من (ماسنجر)، لكننا نأمل أن نكتشف بمضي الوقت نموذج عمل جيداً حقاً لتطبيق (ماسنجر)، ويكون مستداماً للغاية».

ولا يعني ذلك تراجع موقع «فيس بوك»، فيزوره نحو 1.44 مليار شخص لمرة واحدة على الأقل في كل شهر، وينضم إليه شهرياً عشرات الملايين من المستخدمين الجدد، وينتمي الكثير منهم إلى البلدان النامية، يعتبرون فيها «فيس بوك» مُرادفاً للإنترنت.

وحالياً يميل مستخدمو «فيس بوك» إلى مشاركة قدر أقل من المحتوى. وبحسب دراسات أجرتها شركة «غلوبال ويب إندكس» لأبحاث السوق، قال نحو 42% من مستخدمي «فيس بوك» إنهم نشروا تحديثاً لحالة أو علقوا على أحد المنشورات خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنسبة 69% في الربع الأول من عام 2013.

وقال مدير الاتجاهات في «غلوبال ويب إندكس»، جاسون ماندر: «يسبب صعود (ماسنجر) و(واتس أب) وغيرهما في سلوكيات في الشبكات التقليدية تجعلها أكثر سلبية بكثير»، وأضاف: «لن نغادر مواقع مثل (فيس بوك) لذاتها، لكننا نستخدمها في أغراض أقل».

فمثلاً تركزت استخدامات جاستن باك، الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، لموقع «فيس بوك» قبل خمسة أعوام على متابعة أصدقائه وعائلته، بينما يفضل حالياً اللجوء إلى واحد من بين ستة تطبيقات للمراسلة على هاتفه الذكي. وشبه النشر في «فيس بوك» بوضع ورقة على باب صديق والأمل أن يراها، بعكس الرسائل التي غلب فيها التوقعات بتلقي رد.

ويقر ديفيد ماركوس من شركة «فيس بوك» بتغير استخدام الإعلام الاجتماعي، لكن مع زيادة كل من أعداد مستخدمي «فيس بوك» والوقت الذي يقضونه في الموقع، فلا يعتقد بوجود مشكلة.

ويجرب بعض مستخدمي تطبيقات التراسل استعمالها بطريقة مختلفة لنموذج التواصل بين شخص وآخر، ما ينشئ نوعاً معدلاً من الاتصالات. ويجري مثال على ذلك في مدرسة «لوثر بربانك» الثانوية في مدينة سكرامنتو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، ويستعين المعلمون بتطبيق «واتس أب» لمُساعدة الطلاب من غير المتحدثين باللغة الإنجليزية على تعلم اللغة. ويستخدم معظم الطلاب «واتس أب»، وأنشأ المعلمون مجموعة دردشة في التطبيق، وينشرون سؤالًا يومياً باللغة الانجليزية من خلال النصوص والرسائل الصوتية، ويمنحون الطلاب فرصةً للإجابة حتى الصباح.

وقال المعلم لاري فيرلازو، الذي يدرس اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها منذ 11 عاماً، إن «واتس أب» يسمح للتلاميذ بكتابة أسئلتهم ونطقها، وهما ميزتان أساسيتان لتعلم لغة ثانية. وأضاف أنه سيكون من الصعب استخدام «فيس بوك» بطريقة مماثلة، لأنه سيتعين على المعلمين حينها صداقة جميع طلابهم في الموقع، ما قد يمثل ضغطاً غير ضروري على الطلاب بمصادقة أساتذتهم في «فيس بوك».

تويتر