بين توفير الإنترنت عبر الطائرات من دون طيار والذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع الافتراضي

تنوّع اهتمامات «فيس بوك» استجابة للمنافسة في عالم الإنترنت

«فيس بوك» عرضت خلال المؤتمر مشروعها لاستخدام الطائرات ذاتية القيادة لتوفير الإنترنت للمناطق النائية. من المصدر

للوهلة الأولى، ربما يغيب الرابط بين الطائرات من دون طيار وشركة «فيس بوك»، صاحبة الشبكة الاجتماعية الأوسع انتشاراً على الإنترنت، بعدد 1.4 مليار مستخدم، التي تعتمد إيراداتها على بيع الإعلانات، ويبدو نموذج عملها أقرب إلى شبكة «إن بي سي» التلفزيونية منه إلى شركة «بوينغ» لصناعة الطائرات.

لكن الواقع أن استخدام الطائرات من دون طيار لتوفير الاتصال بالإنترنت يقع ضمن اهتمامات «فيس بوك» الرئيسة، خلال الأعوام المُقبلة، ضمن مساعيها لتعزيز مكانتها وتوسيع تأثيرها، ولا يُعد ذلك غريباً بالنظر إلى المنافسة المستعرة للريادة في عالم الإنترنت، وفي وقت تتعدّد مجالات عمل الشركات المنافسة واهتماماتها البحثية.

في هذا السياق، تعمل «غوغل» على توفير الإنترنت، من خلال بالونات على ارتفاعات عالية، وشبكات الألياف الضوئية عالية السرعة، وتختبر «أمازون» الاستعانة بالطائرات من دون طيار لتوصيل الطلبات، كما تبني مراكز عملاقة للبيانات، وبالتالي تُواجه «فيس بوك» ضغوطاً لإثبات قدرتها على إنجاز مشروعات تتضمن قدراً كبيراً من المغامرة يفوق المنتجات العادية، وربما يكون النجاح حليفاً لواحدة من تلك الأفكار غير التقليدية والمثيرة للاهتمام، كما تضمن تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.

وقال إد لازوسكا، الذي يشغل مقعد «بيل وميليندا جيتس» لعلوم الحاسب والهندسة في جامعة واشنطن الأميركية، إن كلاً من «أمازون» و«غوغل» و«فيس بوك» يسبرون أغوار أشياء جديدة تماماً ستُغير من طريقة حياتنا، مضيفاً أنه «على الرغم من وجود شركات أخرى، مثل (هيوليت باركارد) و(آي بي إم)، إلا أن تلك الشركات لم تعدّ تنجز أموراً كبيرة حقاً الآن». وخلال مُؤتمرها السنوي للمطورين، الذي نظمته «فيس بوك» في مدينة سان فرانسيسكو يوميّ 25 و26 من مارس الجاري، مثّل الاتصال العنوان الرئيس لليوم الثاني، وعرضت «فيس بوك» مشروعها لاستخدام الطائرات ذاتية القيادة لتوفير الإنترنت للمناطق النائية، ضمن خطتها الأوسع لإتاحة الإنترنت لنحو خمسة ملايين شخص.

وتحمل الطائرات من دون طيار اسماً رمزياً هو «أكويلا»، ويرتبط الاسم في الأساطير اليونانية والرومانية الكلاسيكية بالنسر «أكويلا»، الذي يحمل صواعق من «زيوس» أو «جوبيتير»، وتشبه الطائرة حرف «في» V، وتعمل بالطاقة الشمسية، وتقترب المسافة من أقصى الجناح الأيمن إلى طرف الجناح الأيسر من حجم طائرة «بوينغ 767»، في حين يقل وزنها عن سيارة صغيرة الحجم. وكانت «فيس بوك» استحوذت العام الماضي على شركة «أسنتا» Ascenta البريطانية، ويعتقد فريق الشركة، الذي انضم إلى «فيس بوك»، أن طائراتهم التي تعمل بالطاقة الشمسية يُمكنها التحليق لثلاثة أشهر كل مرة، وبث بيانات بسرعة عالية من ارتفاعات تراوح بين 60 و90 ألف قدم للمناطق النائية من العالم بواسطة الليزر، ومن المُقرر أن تبدأ الرحلات التجربيية خلال الصيف المُقبل، بينما ستستغرق سنوات عدة قبل استخدامها على نطاق تجاري كامل. وأشار رئيس «مختبر الاتصال» في «فيس بوك»، يائيل ماغواير، إلى رغبة الشركة في خدمة كل شخص في العالم بتوفير إنترنت ذي سرعة عالية، وبافتراض موافقة الجهات التنظيمية في مختلف أنحاء العالم، تسعى «فيس بوك» إلى جمع أسطول يضم 1000 طائرة من دون طيار لتوفير الاتصال بالإنترنت، كما ستتولى الأقمار الاصطناعية هذه المهمة في المناطق النائية جداً، التي لا ينجح فيها عمل الطائرات ذاتية القيادة. وقال ماغواير: «هل يمكننا بلوغ نقطة يتلقى فيها كل شخص على سطح الأرض الرسالة ذاتها في وقت واحد؟ أتطلع إلى ذلك اليوم».

ومع إدراك المسؤولين في «فيس بوك» أن ذلك اليوم قد لا يكون قريباً جداً، فإنهم لا يعرفون الكُلفة النهائية لطائرات «أكويلا»، لكنهم يبدون ارتياحاً لإنفاق مليارات الدولارات لتحقيق رؤيتهم.

ولا يتفق جميع المعلقين في التيقن من توجه «فيس بوك»، وأشار المُحلل في شركة «إس آند بي كابيتال آي كيو» للأبحاث والتحليلات المالية، سكوت كيسلر، أن لدى «فيس بوك»، على غرار «غوغل» مساحة للحركة لتحديها الانتقادات، ورؤى قادتها الذين يتطلعون إلى السنوات الخمس أو الـ10 المُقبلة، ومع ذلك، يرغب الناس في معرفة هذه التكاليف، وما إذا كانت ستُحقق عائدات.

إلى جانب الطائرات من دون طيار، تشمل قائمة اهتمامات «فيس بوك»، نظارات الواقع الافتراضي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وخطوة حديثة كشفت عنها خلال المؤتمر الأخير بإتاحة تطبيق «ماسنجر» للمطورين، ما يعني السماح لهم بتقديم تطبيقات تعتمد على تطبيق التراسل «ماسنجر»، ويُعدّ هذا عنصراً مهماً ضمن جهود «فيس بوك» الرامية لتعزيز مكانتها المتقدمة بالفعل في مجال أجهزة الحوسبة المحمولة.

وعرضت «فيس بوك» شكلاً جديداً من المنشورات ضمن قسم «خلاصات الأخبار» أو «نيوز فيد»، يسمح للمستخدمين بالنقر واستكشاف المشهد من زاوية 360 درجة. وفضلاً عن ذلك، تسعى «فيس بوك» إلى اجتذاب الشركات لطريقة جديدة لتطوير الحواسيب في مراكز البيانات التابعة للشركة، وترى أنه في حال انفتاحها على الشركات الأخرى، والسماح لها باستخدام تلك المعلومات وتجربة النماذج الأولية الخاصة بها، ستُقبل المزيد من الشركات على تبني التقنيات نفسها، وتصطف إلى جانبها.

وتحقق جانب من ذلك، أخيراً، حين أعلنت شركة «هيوليت باركارد (إتش بي)» بيعها خوادم للحواسيب تعتمد تصميمات «فيس بوك»، ومن شأن ذلك تقليل النفقات التي تتكبدها «فيس بوك» عند شراء هذه الخوادم، وكذلك عند شرائها أشباه الموصلات من المورّدين المشتركين بينها وبين «إتش بي». وفي ما يتعلق بمجهودات «فيس بوك» في تقنيات الذكاء الاصطناعي، فتندرج ضمن إطار ما يُطلق عليه «التعلم العميق»، وتتعلق بمستويات متعددة من التحليل النقدي للمعلومات، ومن خلال التعرف إلى السياق ستتمكن «فيس بوك» من رصد اهتمامات الأشخاص على نحو أفضل، والتوصل إلى سبل أفضل لحثهم على المشاركة. وتتعاون «فيس بوك» مع «تويتر» و«غوغل» وغيرهما في تطوير برمجية مفتوحة المصدر تعتمد الذكاء الاصطناعي باسم «تورش» Torch، وأشارت الشركة إلى ترحبيها بالعمل مع مُنافسيها، لأن بإمكانهم المساعدة في تحسين التقنية في نهاية الأمر. وقال مدير أبحاث الذكاء الاصطناعي في «فيس بوك» الأستاذ بجامعة «نيويورك»، يان لوكون: «لا يُوجد شيء يُمكن لشركة واحدة حله من تلقاء نفسها». ويأمل زوكربيرغ أن يُتيح تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل ترجمة اللغات فورياً، وتعريف الأشخاص بالغرباء الذين قد يلتقون بهم، وبالتأكيد عرض الإعلانات الأعلى قيمة، وبطبيعة الحال، يبقى الأمر مرتبطاً بتعريض المستخدمين لمزيد من الإعلانات. وقال الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في «فيس بوك»، مايكل شوربر، إن «الجانب الأساسي في الإعلانات يتصل بدفع المال مُقابل وضع الرسالة أمام المستخدمين، وهو ما لم يتغير على الرغم من احتمال تنوّع الشكل».

تويتر