رغم ربحيتها 14.4 مليار دولار في 2014 واستحواذها على 75% من سوق البحث على الإنترنت

«غوغل» قوية ولكن ليس إلى الأبد

سعر سهم «غوغل» هبط بنسبة 8% خلال عام 2014. رويترز

في معظم الأحوال لا تلقى الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا نهايتها بضربةٍ قاضية تُحدث سقوطاً مدوياً، وكثيراً من الضجة، بل يتسلل الضعف إلى كيانها شيئاً فشيئاً، وتتراجع ببطء لا يشعر به كثيرون، لكنه يبعدها عن مكانتها وأهمية منتجاتها للمستخدمين، من دون أن يظهر في اللغة الدبلوماسية المنمقة لبيانات أرباح الشركات.

ويبدو هذا في تجارب سابقة لشركات مثل «ديجيتال إكيوبمنت»، و«وانج»، إذ لم تختفيا بين عشيةٍ وضحاها، بل غرقت كلٌ منهما بينما تحمل أعباء الحفاظ على المنتجات التي صنعت الثروة والنجاح، كما لم تتمكنا من المنافسة ومواكبة وتيرة التغير التقني السريع.

ويحدث الأمر نفسه حالياً لشركة «هيوليت باركارد» أو «إتش بي» التي أعلنت انفصالها إلى شركتين. وحتى «مايكروسوفت» التي بدت في فترة سابقة لا تُهزم، تُكافح حالياً للإبقاء على نجاحها في عصر التحول من الأجهزة المكتبية إلى المحمولة، من دون أن يتنافى ذلك مع حصدها مكاسب بمليارات الدولارات في كل عام.

 

واقع «غوغل»

وحالياً، يُثار حول «غوغل» تساؤلات مماثلة بشأن قدرتها على الاحتفاظ بمكانتها الرائدة وسط شركات التكنولوجيا؛ فعلى غرار الأسماء التي خفت بريقها، يبدو وجه القوة لدى «غوغل» اليوم، وهو مداد لا ينضب من الإعلانات ضمن نتائج البحث، هو نقطة ضعفها في الغد، بحسب ما كتب فرهاد مانجو في مقال بعنوان «(غوغل) قوية الآن، لكن ليس إلى الأبد»، نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.

وأورد مانجو ما كتبه المحلل المتخصص في التكنولوجيا، بن طومسون، في مدونته «ستراتكري» Stratechery: «لا أقول إن (غوغل) في طريقها إلى النهاية تماماً كما لم تنتهِ (مايكروسوفت). الأمر فقط أن (غوغل) ستغفل الاتجاه المُقبل».

وتبدو «غوغل» للوهلة الأولى في وضعٍ ممتاز، إذ ربحت 14.4 مليار دولار خلال عام 2014، وارتفعت عائداتها بنسبة 19% عن العام السابق. وتستحوذ على ثلاثة أرباع سوق البحث على الإنترنت في العالم، كما تُصدر «أندرويد»، وهو نظام تشغيل الهواتف الذكية الأكثر استخداماً في العالم، وتمتلك موقع «يوتيوب» أكثر مواقع مشاهدة الفيديو شعبيةً على المستوى العالمي.

لكن خلف الأرقام المبهرة، تُظهِر النظرة المدققة علامات الضعف؛ إذ ثبت معدل نمو مجال العمل الرئيس للشركة، وهو الإعلانات في نتائج البحث عند نسبة 20%، على مدار السنوات القليلة الماضية. كما أخفقت النتائج المالية في تلبية إجماع توقعات المُحللين على مدى خمسة أرباع متتالية، وهبط سعر سهم «غوغل» بنسبة 8% خلال العام الماضي.

 

الإعلانات الرقمية

وعلى الرغم من تخصيص «غوغل» موارد معتبرة في الابتكار في تقنيات المستقبل، فإنها أخفقت في تحويل أي من هذه الابتكارات إلى مصدر لجني الأرباح. ويُمثل محرك البحث مصدر نحو 90% من عائداتها.

وفي الوقت الذي تتفوق الهواتف الذكية على الأجهزة المحمولة والمكتبية، وتحتل مكانتها كأجهزة الحوسبة الأهم لدى المستخدمين، يشهد مجال الإعلانات الرقمية تغيرات سريعة، واستفاد خصم «غوغل» اللدود؛ «فيس بوك»، سريعاً من هذا التحول، ما يجعل مكان «غوغل» في المستقبل أقل وضوحاً.

وجادل طومسون، في مقال بعنوان «ذروة (غوغل)»، نشره في أكتوبر الماضي، وحظي بنقاشٍ واسع، أن «غوغل» لا تتمتع بوضع مُلائم يُؤهلها للاستفادة من الميزانيات الهائلة التي يُخصصها مسؤولو التسويق لإعلانات التلفزيون، وهي أموال تتحول على نحوٍ بطيء تجاه تطبيقات الأجهزة المحمولة. وبدأت «غوغل» في عام 2000 عرض إعلانات نصية إلى جوار نتائج البحث عبر محركها، وسرعان ما تحولت إلى أحد أنجح أشكال إعلانات الاستجابة المباشرة في العالم. وخلال العام الماضي، باعت «غوغل» إعلانات في نتائج البحث بقيمة بلغت نحو 45 مليار دولار.

لكن هذا الرقم الضخم لشركة «غوغل» يُمثل شريحة صغيرة من سوق الإعلانات العالمية التي يبلغ حجمها 550 مليار دولار ،بحسب شركة «إي ماركتر» للأبحاث.

ويُخصص الجانب الأكبر من صناعة الإعلانات إلى إعلانات العلامات التجارية، كالتي تعرض عبر التلفزيون والصحف والمجلات المطبوعة. ويستهدف هذا النوع كسب مشاعر المتلقين على أمل كسب أموالهم لاحقاً. وتتفوق «غوغل» بالفعل في جمع المعلومات واستثمارها، لكنها لاتزال في بداية طريقها بخصوص إعلانات تجتذب مشاعر المستهلكين.

ويُمثل هذا جوهر حجة طومسون ببلوغ شركة «غوغل» أوجها؛ إذ يبدو مستقبل الإعلانات على الإنترنت أشبه بما يُقدمه التلفزيون، ومن المرجح أن يخضع لسيطرة خدمات مثل «فيس بوك»، و«سناب شات»، و«بنترست» التي تحافظ على انخراط مستخدميها معها لفترات طويلة.

وفي ما يتعلق بشركة «غوغل»، فلا تتفق مع فكرة مواجهتها مشكلة مع إعلانات العلامات التجارية، وقال متحدث باسم الشركة: «توجد فرصة ضخمة لإعلانات العلامات التجارية والفيديو، ونشعر بأننا في وضعٍ جيد للاستثمار بثقة وحماس».

 

«يوتيوب» ومنافسون

أما بالنسبة للفيديو، فيجذب موقع «يوتيوب» شهرياً ما يزيد على مليار زائر، وتعتقد الشركة أنه إذا كانت ميزانيات الإعلانات ستتدفق من التلفزيون إلى الإنترنت، فسينال «يوتيوب» نصيباً كبيراً منها. وأسست «غوغل» في مقر «يوتيوب»، جنوبي مدينة سان فرانسيسكو، ورشة عمل كبيرة باسم «براند لاب»، يتولى فيها مسؤولو المبيعات إرشاد مُمثلين من أبرز الشركات المُعلنة، مثل «كوكاكولا» و«تويوتا»، خلال دروس عن الإعلانات على الإنترنت.

كما طورت «غوغل» تقنية تُتيح للمسوقين قياس تأثير إعلاناتهم في المستهلكين المحتملين، وهو أمر لم يكن من السهل تنفيذه قبل العصر الرقمي. وتُواصل الشركة الاستثمار في بنيتها التحتية للإعلانات، بما في ذلك تقنية لتقديم وقياس أداء الإعلانات، وفريق عمل يضم آلافاً من موظفي المبيعات.

ورغم ذلك تستمر مشكلة «غوغل» إذ يُمكن لغيرها أن يتبع المسار ذاته. ومثلاً خلال أقل من خمسة أعوام، نجحت «فيس بوك» في تكوين بنية تحتية لتقنيات الإعلان تُثير الإعجاب، إضافة إلى فريق كبير من مسؤولي المبيعات يعمل على إقناع المسوقين بتفوق مزايا إعلانات «فيس بوك» على إعلانات التلفزيون، فضلاً عن طرق جديدة يقيس بها المعلنون فاعلية دعايتهم عبر الموقع. وسرعان ما آتت مجهودات «فيس بوك» أكلها، وباعت الشركة إعلانات بقيمة 11.5 مليار دولار خلال عام 2014، وجاء أغلبها عبر الأجهزة المحمولة بزيادة نسبتها 65% مُقارنةً مع العام السابق. ويُمكن للعديد من الشركات الناشئة التي تُحقق نمواً كبيراً مثل «بنترست» و«سناب شات» أن تُكرر المجهودات ذاتها، ولذلك فحتى إذا ما قدم «يوتيوب» أداء جيداً جداً، فربما سيكون فقط أحد الخدمات العديدة التي يرغب مسؤولو التسويق في توجيه ميزانيات الدعاية إليها.

تويتر