«اختبارات إي/بي» تحتاج إلى تدقيق للفصل بين تحسين تصميم المواقع والتلاعب بالمستخدمين

المستخدمون جزء من تجارب سرّية على الإنترنت

صورة

يمكن باطمئنان اعتبار شبكة الإنترنت مختبراً كبيراً لا تتوقف تجاربه التي نشارك فيها جميعاً يومياً بشكلٍ أو بآخر، سواءً رغبنا في ذلك أم لا، أو علمنا به أم جهلناه. وفي كل يوم، تُجري الكثير من مواقع الإنترنت تغييرات على الصور والتصميمات، للتوصل إلى طريقة تجذب الزوار وتُبقي على اهتمامهم للنقر على المزيد من الروابط، وإنفاق قدر أكبر من المال.

وغالباً ما تتم هذه التجارب بصورة سرية، ودون إعلام الزوار مسبقاً، وربما لا يعرف هؤلاء أبداً أنهم كانوا جزءاً منها، وتُعرف هذه التجارب باسم «اختبارات إيه/بي» أو «A/B Test»، وتتضمن عرض محتوى وتصميم مختلف لصفحة الإنترنت نفسها.

ويعني ذلك أن الصفحة التي يراها شخص ما ليست بالضرورة الشكل والمحتوى نفسيهما اللذين يراهما شخصٌ آخر يزور الصفحة نفسها من الموقع ذاته، فربما تظهر بألوان مختلفة قليلاً، أو عنوان مختلف للمقال المنشور. وقد تعرض الشبكات الاجتماعية معلومات شخصية عن الأصدقاء والعائلة تتفاوت باختلاف الزوار، وفق ما تناول مقال نشره موقع «بي بي سي ــ فيوتشر».

وبدأت هذه التجارب ضمن المحاولات الرامية إلى تحسين تصميم مواقع الإنترنت، لكنها استدعت بمضي الوقت كثيراً من الجدل حولها، ففي بعض الحالات تسببت «اختبارات إيه/بي» في التأثير في الحالة المزاجية أو الحياة العاطفية لزوار المواقع.

وفي نهاية يونيو الماضي، كشف موقع «فيس بوك» عن استخدام هذه الطريقة، لإجراء اختبار شمل 700 ألف من مستخدميه دون علمهم، وعدل الموقع في خلاصات الأخبار «نيوز فيد» الخاصة بهم لدراسة تأثير المنشورات التي تُعرض لهم على حالتهم النفسية.

وليس بعيداً أيضاً، كشف موقع «أوك كيوبيد» OkCupid للصداقة، عن كذبه على بعض مستخدميه بشأن مدى ملاءمتهم عاطفياً لشركاء محتملين من أعضاء الموقع، ما يعني أن الموقع أخبر أشخاصاً أنهم مناسبين لآخرين، وهو ما لم يكن صحيحاً وفق أنظمة الموقع، فنسبة التوافق كانت لا تزيد على 30%، لتتبع طريقة تفاعلهم.

ويبدو أن «اختبارات إيهبي» وما شابهها بحاجة إلى تدقيق، للفصل بين ما يهدف إلى تحسين الإنترنت، وما يعتبره البعض من قبيل التلاعب الخالص بالمستخدمين. وفي الأصل، تُستخدم هذه الاختبارات ضمن ما يُشار إليه باسم «معدل التحويل الأمثل»Conversion Rate Optimization، الذي يقيس مدى نجاح موقع ما في جذب المستخدمين من خلال محاولات تحسين الموقع أو صفحة البداية، لتحويل أكبر نسبة من الزوار إلى مستهلكين.

واكتسبت «اختبارات إيه/بي» جانباً كبيراً من شهرتها، نظراً لانتهائها في بعض الأحيان إلى نتائج تختلف كلياً عن التوقعات المُسبقة. ومثلاً، كشف المدير الإداري لشركة «غوغل» في المملكة المتحدة، دان كويلي، في فبراير الماضي، أن استخدام «غوغل» لدرجة مختلفة من اللون الأزرق في روابط الإعلانات المعروضة في صفحات نتائج البحث، دفع بمزيد من الأشخاص للنقر على هذه الروابط، ما أثمر إضافة 200 مليون دولار إلى إيرادات الشركة.

وفي تجربة مشابهة، توصل موقع السفر «تريب أدفايزور» من خلال «اختبار إيه/بي» إلى دور بعض الألوان في جذب مزيد من الأشخاص. وبناءً على نتائجها، يعرض الموقع للزوار عن طريق إعلانه في «غوغل» زراً باللون الأزرق، بينما يُفضل المستخدمون الآخرون أثناء تصفحهم للموقع اللون الأصفر.

وتشير معظم الأمثلة إلى استخدام «اختبار إيه/بي» إلى تجارب غير ضارة نسبياً، ومثلاً تستهدف بعض الاختبارات التأثير في الأخبار التي نقرأها، وهو تأثير لا يتجه بالضرورة للأفضل، فتختبر مواقع مثل «سليت» Slate، و«أب وورثي» Upworthy عادةً ما يصل إلى 25 عنواناً لكل مقال بواسطة برمجية مصممة خصيصى لترى أيها سينجح في جذب عدد أكبر من الزوار.

وخلال الأشهر الأخيرة، أثارت «اختبارات إيه/بي» جدلاً متزايداً مع الإعلان عن تجارب منها ما أجرته «فيس بوك»، وما أعلن عنه «أوك كيوبيد» في يوليو الماضي، وأظهر ذلك كله ما يتوافر لدى «اختبارات إيه/بي» من إمكانات للتأثير مباشرةً في حياتنا.

وتضمنت تجارب «أوك كيوبيد»، فضلاً عن الجمع بين أشخاص غير ملائمين، اختباراً آخر غيّر خلاله عناوين إخطارات البريد الإلكتروني التي تصل إلى أعضائه.

وربما تدفع زيادة دقة الاختبارات ونجاح بعضها في جذب الزوار على المدى القصير، وتنامي الأرباح، إلى تجاهل الأصوات المعارضة لها من الناحية الأخلاقية.

ويعرض موقع DarkPatterns.org على الإنترنت، خدعاً وحيلاً «شريرة» في تصميم المواقع، يمكنها بحسب استشاري التصميم في الموقع هاري بريجنول، التلاعب بالمستخدمين بصورة غير أخلاقية لدفعهم إلى القيام بأشياء لم تكن في حسبانهم، مثل التسجيل في الموقع، والموافقة على مشاركة بياناتهم الشخصية مع أطراف أخرى.

وتتضمن الكثير من هذه الحيل استخدام لهجة مشوشة وكلمات مُربكة في إجراءات إنشاء الحساب، ومربعات قد تبدو عادية، إلا أن نقر المستخدمين عليها قد يعني موافقتهم على التنازل عن خصوصية معلوماتهم.

ومن جانب المدافعين عن «اختبارات إيه/بي»، يُؤكد «سيركور» من شركة «أوبتميزلي» أن الشركات لن تنال على المدى الطويل جراء التصرف بصورة غير أخلاقية سوى تدمير سمعتها ونجاحها العملي. وفي الوقت نفسه، أشار بريجنول إلى أن تقنيات خداع الناس لدفعهم إلى شراء أشياء معينة ليست بالحديثة، وتُستخدم منذ آلاف السنين، وتربّح منها الكثيرون عبر العصور.

وفي الواقع، واجه العالم مشكلة مماثلة خلال القرن الـ20، حين تنامت المخاوف من آثار تلاعب الإعلانات، ما دفع إلى وجود إجراءات مُنظمة لمجال الإعلان، وربما سيحدث الأمر نفسه لاختبارات «إيه/بي» في المستقبل.

وعلى الرغم من الوعي المتزايد بالتجارب السرية على الإنترنت، فإن مستخدمي الإنترنت جميعاً يُمثلون، سواءً أرادوا أم لا، جزءاً من التجارب الرامية إلى دفعهم للبقاء أطول في الموقع، أو شراء مزيد من السلع. ويبدو أن هذه التجارب ستتواصل بأي شكل.

تويتر