الشائعات والمعلومات المغلوطة تحظى ببعض الصدقية حال انتشارها على نطاقٍ واسع

دراسة تبحث في كيفية انتشار الأخبار الخاطئة بـ «فيس بوك»

صورة

أشار «المنتدى الاقتصادي العالمي» ضمن تقرير أصدره العام الماضي إلى «التضليل الرقمي الهائل»، باعتباره أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الحديث. وفي الواقع غيرت شبكة الإنترنت كثيراً من طريقة الحصول على المعلومات واستهلاكها، حتى إن الشائعات والمعلومات المغلوطة قد تحظى ببعض الصدقية حال انتشارها على نطاقٍ واسع.

وفي الوقت الذي تُوفر الشبكات الاجتماعية مجالاً لمشاركة ونشر المعلومات، إلا أنها لا تُميز بين الحقائق المُثبتة والادعاءات الكاذبة، ما يجعل موقع مثل «فيس بوك» ليس مجرد وسيلة للتواصل مع الأصدقاء والعائلة ومشاركة الآراء والصور الشخصية، بل قد يتحول لدى البعض إلى بيئة خصبة لنشر الشائعات والأكاذيب.

وسعت دراسة أجراها فريق من الباحثين في جامعة «نورث إيسترن» بولاية بوسطن الأميركية، إلى دراسة كيفية تعرض الأشخاص للأخبار الخاطئة وتداولها في موقع «فيس بوك»، وكيفية تفاعل الأشخاص مع الأخبار الصحيحة والخاطئة، من خلال دراسة ما يزيد على 2.3 مليون مستخدم لموقع «فيس بوك» في إيطاليا، خلال فترة الانتخابات التي جرت العام الماضي.

وكمثال على كيفية شيوع الادعاءات الكاذبة، أحد المنشورات حظى بانتشارٍ واسع النطاق العام الماضي، وتحدث عن تصويت مجلس الشيوخ الإيطالي، بموافقة 257 عضواً ورفض 165 آخر، على قانون اقترحه السيناتور سيرنجا لتقديم 134 مليار دولار لصناع السياسات للعثور على وظائف حال هزيمتهم في الانتخابات. وظهر المنشور في إحدى صفحات «فيس بوك» المعروفة بمحتواها الساخر بهدف التهكم على السياسة الإيطالية، ويتضمن المنشور أربعة أخطاء رئيسة تُثبت كذبه بوضوح، فلا يوجد سيناتور يحمل الاسم المذكور، كما أن المجموع الإجمالي للأصوات يزيد على ما يسمح به النظام السياسي الإيطالي، ويتجاوز المبلغ المُشار إليه نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا، فضلاً عن أن القانون نفسه لا أساس له من الصحة. ومع ذلك، جرى مشاركة ذلك المنشور لنحو 35 ألف مرة خلال فترة تقل عن شهر، وبعدها أعادت صفحة في «فيس بوك» مُخصصة لنشر التعليقات السياسية نشره، ومرة أخرى راج المنشور عبر الشبكة الاجتماعية، لكن بعدما اكتسب مسحة من الاحترام والصدقية، واليوم يستشهد به المحتجون كدليل على فساد السياسة الإيطالية. ودرس الباحثون تعامل المستخدمين مع المنشورات خلال فترة الانتخابات، وكيف يُعجبون بها «لايك» ويُعلقون عليها، سواءً كانت من المؤسسات الإخبارية الرئيسة كوكالات الأنباء، أو من المصادر الإخبارية البديلة التي تعرض أخباراً تتجاهلها المصادر الأولى، وأيضاً من صفحات «فيس بوك» المُكرسة للتعليقات السياسية.

كما درس فريق البحث كيفية تفاعل المستخدمين مع الأخبار الخاطئة التي يبثها متصيدون في صفحات يُعرف عنها إنتاج محتوى إخباري ساخر أو بيانات كاذبة. وقاس الباحثون مدى الاختلاف في طول مدة النقاش حول منشور ما عبر قياس الفارق بين أول وآخر تعليق كُتب عنه.

ووجدت الدراسة عدم اختلاف مدة النقاش مع اختلاف نوع المحتوى، ما يعني أن الأشخاص يميلون إلى مناقشة الأفكار المعروضة على صفحات المؤسسات الإخبارية الرئيسة، والمصادر البديلة، وصفحات التعليقات السياسية للمدة نفسها تقريباً، أي أن طريقة المشاركة لا تتأثر بنوع المحتوى.

واتجه فريق البحث لدراسة مدى احتمال اندماج الأشخاص أنفسهم في نقاشات تتناول منشورات غير صحيحة كتلك التي تناولت القانون الوهمي. وأشارت النتائج إلى أن بعض الأشخاص أكثر عرضة من غيرهم للاندماج في النقاش حول محتوى مملوء بالأخطاء.

وبصورة أكثر تحديداً، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين ينخرطون في مناقشة محتوى المصادر الإخبارية البديلة أكثر عُرضة للمشاركة في مناقشة أخبار خاطئة نشرها متصيدون، فيكون هؤلاء أكثر عرضة للادعاءات غير المُثبتة.

وأشار فريق البحث إلى أن انجذاب العديد من الأشخاص إلى المصادر الإخبارية البديلة يرجع إلى عدم ثقتهم بمصادر الأخبار التقليدية في إيطاليا، التي تتأثر إلى حدٍ بعيد بهذا الاتجاه السياسي أو ذاك، ما يعني أن رغبتهم في تجنب تلاعب وسائل الإعلام الرئيسة تجعلهم أكثر عرضة للمعلومات الكاذبة.

وتُشير النتائج إلى وجود آلية لظهور نظريات المؤامرة، وذلك من خلال التعليقات الساخرة العادية أو المحتوى المملوء بالأخطاء، ويبدو أن ذلك كله يحدث ضمن مجموعات من الأشخاص يعرضون أنفسهم عمداً لمصادر أخبار بديلة. والأمر الأهم هنا هو كيفية الاستفادة من هذا الفهم الجديد، الذي لا يُعد الطريقة الوحيدة لانتشار نظريات المؤامرة، في تحسين تدفق وتعريف مصدر المعلومات أياً كان.

تويتر