مع عدم التقليل من دوره وسيلة مهمة لإشباع حاجة إنسانية أساسية في التواصل الاجتماعي

دراسة: استخدام «فيس بوك» يتسبب في الشعور بالحزن

صورة

في السنوات الأخيرة غيرت وسائل الاتصال الحديثة من أساليب الحياة على نحو لم يكن متوقعاً قبل سنوات قليلة. وبينما وصف البعض هذه الوسائل بأعظم أدوات الاتصال التي طورها العقل البشري على الإطلاق، وبشّر كثيرون بتأثيراتها الواسعة في الإعلام والترفيه والتعليم، وهو ما يتضح أكثر يوماً بعد آخر، إلا أن للأمر جانباً مختلفاً، وهو ما بدا حتى قبل الثورة الحالية في الاتصالات، فكتب الشاعر والكاتب المسرحي تي إس إليوت عن التلفزيون: «إنه وسيلة ترفيه تُتيح لملايين الأشخاص الاستماع إلى المزحة نفسها في الوقت نفسه، ومع ذلك يبقون وحيدين».

وفي حين أن إليوت، كتب هذه الكلمات في بداية الستينات من القرن العشرين، ويمكنها أن تنطبق تماماً على الإنترنت والشبكات الاجتماعية؛ فعلى الرغم من إمكانات الربط بين الأشخاص حول العالم والتواصل على مدار الساعة، لا يبدو أنها قللت من شعور كثيرين بالوحدة، بل أحياناً أسهمت في زيادة الشعور بالحزن والضيق، وهو ما أشارت إليه نتائج دراسات بخصوص أكبر مواقع الشبكات الاجتماعية؛ «فيس بوك»، وعرض له مقال كتبه جاستن مولينز في موقع «بي بي سي فيوتشر». واحتفل «فيس بوك» في الرابع من فبراير الجاري بمرور 10 سنوات على انطلاقته في عام 2004، وخلال عقد واحد فقط حقق الموقع أرقاماً مُذهلة في عدد المنشورات والصور التي يتم مشاركتها يومياً، وطلبات الصداقة والتعليقات والرسائل، ونجح في جذب 1.3 مليار مستخدم، يُمضي نصفهم 18 دقيقة في المتوسط في استخدام الموقع عند كل زيارة.

ومع هذه المكانة البارزة، يرى بعض الباحثين أن لموقع «فيس بوك» آثاراً سلبية؛ فالقدرة على الاتصال لا تعني بالضرورة أن يُصبح الناس أكثر سعادة، بل يمكنها في الواقع تقويض شعورهم بالرضا عن حياتهم، وحتى وقت قريب اهتم قلة من الباحثين باختبار هذا الجانب، وأشارت الأدلة البسيطة التي توافرت إلى التأثيرات النافعة للشبكة الاجتماعية، لكن بمضي الوقت ظهرت وجهات نظر أخرى، ففي عام 2009 اتجه الباحث سيباستيان فالنزويلا وزملاؤه في جامعة «تكساس» الأميركية في أوستن إلى قياس مدى اختلاف معدل الرضا عن الحياة بين 2500 طالب من مستخدمي «فيس بوك»، وأشارت النتائج إلى علاقة إيجابية طفيفة بين استخدام الموقع والرضا عن الحياة.

وسعت دراسة، أُعلنت نتائجها في الصيف الماضي، للبحث بصورة أعمق في كيفية تغير الرضا عن الحياة بمضي الوقت مع استخدام «فيس بوك»، وقام فريق من علماء النفس في جامعتيّ «ميشيجان» الأميركية و«لوفين» البلجيكية بسؤال مجموعة من الأشخاص خمس مرات في اليوم على مدى أسبوعين عن حالتهم المزاجية.

ووفرت الأسئلة فرصة للتعرف إلى استخدام عينة الدراسة لموقع «فيس بوك» على مدار اليوم وشعورهم بالسعادة.

وأظهرت النتائج ارتباطاً بين استخدام «فيس بوك» وتراجع الشعور بالسعادة؛ فكلما زاد استخدام الأشخاص للموقع على مدى أسبوعين انخفضت مستويات رضاهم عن حياتهم بمضي الوقت، وأشارت نتائج الدراسة إلى أنه بدلاً من إسهام استخدام «فيس بوك» في تعزيز شعور الأفراد بالسعادة والرفاه، فإنه قد يضعف هذا الشعور.

ويمكن تفسير هذه النتائج بأكثر من طريقة، منها أن الأشخاص غير السعداء قد يكونون أكثر ميلاً لاستخدام «فيس بوك»، لكن فريق الباحثين استبعد هذا الاحتمال؛ لأن بيانات الدراسة أظهرت ما إذا كان الأفراد قد شعروا بتراجع شعورهم بالسعادة قبل زيارتهم الموقع.

ولم تدفع النتائج الباحثين للتقليل من أهمية «فيس بوك» باعتباره وسيلة لا تُقدر بثمن لإشباع حاجة إنسانية أساسية في التواصل الاجتماعي، ومع ذلك تشككوا في دور هذا النوع من الاتصال في جعل الأشخاص يشعرون بأنهم أفضل بمرور الوقت، وهو ما يحدث عكسه في حال الاتصال المباشر وجهاً لوجه، بحسب بيانات الدراسة، واقترح الباحثون أن السبب قد يعود إلى وجود شيء مختلف في التفاعلات الاجتماعية الرقمية.

ومن بين التفسيرات المحتملة لتراجع شعور مستخدمي «فيس بوك» أو بعضهم بالسعادة شعورهم ببعض الغيرة، بسبب رؤية الكثير من الأقارب وزملاء الدراسة السابقين يعرضون بشكل مستمر نجاحاتهم المهنية وعطلاتهم المميزة أو ميلاد أطفالهم، ما أطلق عليه بعض الباحثين «متلازمة العالم الودي»، حيث يبدو للفرد أن كل شخص يعيش وقتاً وحياةً أفضل منه.

ونشأ التعريف من ظاهرة أخرى رصدها علماء الاجتماع في السبعينات من القرن العشرين، وأشاروا إليها باسم «متلازمة العالم الدنيء»، حيث كان الأشخاص الذين يشاهدون قدراً أكبر من العنف في التلفزيون يعتقدون أن العالم أكثر عنفاً مما هو عليه في الواقع.

وربما يكون الأمر في الواقع أن الأصدقاء في «فيس بوك» قد يكونون أكثر استعداداً للإعلان عن نجاحاتهم أكثر من فشلهم، أو بكلمات أخرى يعرضون جانباً واحداً من حياتهم، ما يقدم للآخرين صورة مشوهة عن الوضع الحقيقي.

كما قد يُفسر الشعور بالضيق مع استخدام «فيس بوك» شعور الفرد بأن أصدقاءه في الموقع أكثر شعبية وتمتعاً بالعلاقات الاجتماعية منه، لكن بالعودة إلى عصر ما قبل الإنترنت فقد كشف عالم الاجتماع سكوت فيلد في عام 1991 عن مفاجأة في ما يتعلق بطبيعة الشبكات الاجتماعية في تلك الفتترة.

وشملت دراسته سؤال الأطفال في مدارس متعددة عن أصدقائهم، وما إذا كانوا يبادلونهم الصداقة، ثم رُسمت هذه الشبكات الاجتماعية يدوياً، وبعدها عدّ فيلد عدد أصدقاء كل فرد، وقارنها بعدد أصدقاء من وُصفوا بالأصدقاء، واتضح أنه تقريباً كان لدى أصدقاء كل طفل عدد أكبر من الأصدقاء بالمقارنة معه.

ومنذ ذلك الحين أشار باحثون آخرون إلى ما عُرف باسم «مفارقة أو تناقض الصداقة»، باعتبارها سمة عامة للشبكات الاجتماعية، وتنطبق على خصائصها الأخرى كالثروة أو السعادة. وعلى الرغم من أن الدور الكبير للحدس في ذلك، إلا أن للنتائج تفسيراً رياضياً مباشراً؛ فالأشخاص الذين لديهم عدد كبير من الأصدقاء أكثر عرضة لأن يدرجهم الآخرون ضمن أصدقائهم في المقام الأول، ما يرفع من متوسط عدد الأصدقاء لديهم.

وأكد صعود الشبكات الاجتماعية على الإنترنت هذا الجانب؛ لأنها وفرت للباحثين إمكانية الوصول إلى كم كبير من التفاصيل صعب معرفتها قبل الإنترنت. ومثل «فيس بوك»، رأى الباحث ناثان هوداس وزملاؤه في جامعة «جنوب كاليفورنيا» أن «مفارقة الصداقة» تنطبق على 98% من مستخدمي موقع التدوين المصغر «تويتر».

ويتيح موقع «فيس بوك» للشخص أن يرى ويقيس، على عكس العالم الحقيقي، مدى شعبية أصدقائه أو تميزهم ونجاحاتهم في الموقع حتى لو بدا أن أكثر أصدقائه مثله، وكلها أسباب قد تزيد من الشعور بالاكتئاب، ولا يختلف هذا كثيراً عن وصف إليوت للتلفزيون بأنه يبقي الأفراد في النهاية منعزلين.

تويتر