التحليل يُفيد في التحقيقات القضائية للجرائم عبر الإنترنت

دراسة: محتوى البريد الإلكتروني يكشف عن شخصيات المستخدمين

الدارسة تفيد في تحليل الرسائل التي يبعث بها متعاملون إلى الشركات للكشف عن المشاعر الغاضبة.

على امتداد سنوات طويلة، وفرت الرسائل المكتوبة التي يتبادلها الناس بالبريد، وسيلة مهمة للتعرف إلى أفكارهم ومشاعرهم، كما أنها مثلت مصدراً مهماً للدراسات التاريخية المعنية بالبحث في حياة إحدى الشخصيات أو التأريخ لفترة زمنية، وكثيراً ما كشف التأمل في لغة ومفردات الرسائل، عن مشاعر كُتابها.

وفي أيامنا هذه، يتبادل الناس ملايين من رسائل البريد الإلكتروني التي أتاحت قدراً كبيراً من النصوص، ويمكن لتحليل اللغة المستخدمة فيها أن يكشف عن جوانب مختلفة من بينها جنس الكاتب، ومشاعره، وسمات شخصيته، وعن الاختلافات بين الجنسين في كتابة رسائل العمل، بحسب ما أشارت إليه دراسة حديثة.

وعملت الدراسة، التي أجراها الباحثان في «مجلس البحوث الوطني» في كندا، سيف محمد، وتوني يانغ، على الكشف عن المشاعر الكامنة في رسائل البريد الإلكتروني من خلال تحليل الكلمات المستخدمة فيها، واتجه الباحثان بدايةً إلى تأليف ما أسموه «معجم» يربط بين الكلمات والمشاعر التي تُعبر عنها، لتقترن كل كلمة بشعورٍ معين، على غرار الارتباط بين «الآيس كريم» وشعور «الفرح»، و«العناية بالحدائق» وشعور «السلام».

واعتمدت الدراسة في تأليف المعجم، الذي تضمن 24 ألفاً و200 كلمة، على «التعهيد الجماعي» من خلال موقع «أمازون ميكانيكال ترك» الذي يتيح الاستعانة بأشخاص لقضاء مهام بسيطة تتطلب أداءً بشرياً مقابل مبلغ من المال.

وبعدها اتجهت الدراسة إلى تحليل ما يزيد على 32 ألف رسالة بريد إلكتروني متاحة على الإنترنت ولأغراض البحث، ونُشرت هذه الرسائل عقب فضيحة إفلاس شركة «إنرون» للطاقة عام 2001، وتعود إلى 150 من كبار مديري الشركة الأميركية، ونشرتها «لجنة تنظيم الطاقة الفيدرالية» أثناء التحقيقات.

ومن خلال مقارنة الكلمات الواردة في المعجم بالرسائل البريدية، تمكن الباحثان من تقييم اللهجة العاطفية المستخدمة في الكتابة، واكتشاف مدى تنوعها وفقاً لجنس المرسل والمستقبل.

وأظهر التحليل فروقاً جلية بين الجنسين، إذ تميل النساء إلى استخدام الكلمات الدالة على الفرح والحزن، في حين يُفضل الرجال الكلمات التي ترتبط بالثقة أو الخوف. كما تبينت اختلافات في طريقة الكتابة بحسب جنس المتلقي، إذ يُكثر كلا الجنسين من استخدام الكلمات المرتبطة بالفرح والبهجة عند الكتابة إلى النساء، ومن الكلمات المعبرة عن الثقة عند الكتابة إلى الرجال. كما أشارت إلى تفضيل المرأة مشاركة ما يقلقها مع بنات جنسها، بينما يميل الرجل إلى استعمال لغة الاستباق والتوقع عند الكتابة إلى النساء، وترد فيها أفعال مثل «يأمل»، و«يُجهز».

وأشارت الدراسة إلى عدد من فوائد تحليل وتتبع المشاعر عبر رسائل البريد الإلكتروني لأشخاص مجهولين منها، رصد إشارات على الإصابة بالاكتئاب، أو على تكرر محاولات الانتحار، كما يمكن أن يُفيد في التحقيقات القضائية في الجرائم عبر الإنترنت.

يُضاف إلى ذلك دوره في تفهم اختلاف أسلوب النساء والرجال في استخدام البريد الإلكتروني في بيئة العمل، ودراسة العلاقة بين المحتوى العاطفي للرسائل والتغيرات في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للشخص، إضافة إلى تحليل الرسائل التي يبعث بها المتعاملون إلى الشركات للكشف عن المشاعر الغاضبة وتحسين الخدمات المقدمة. ووصف الباحث، سيف محمد، الذي تُركز أبحاثه على معالجة اللغة الطبيعية، تحليل محتوى رسائل البريد الإلكتروني بأنه «وسيلة فعّالة لتوليد بيانات حول المحتوى العاطفي من خلال قدر ضخم من النصوص».

وقال: «لقد ركزت بحوث كثيرة على المشاعر الإيجابية والسلبية، إلا أنه بالاستعانة بجميع هذه البيانات المتاحة، فإنه يكون من المعقول فهم ما يمكن أن نعرفه عن جميع العواطف».

وسعى محمد في دراسة أخرى إلى محاولة تمييز السمات الشخصية من خلال دراسة المشاعر التي يتضمنها أحد النصوص، قائلاً: «إذا كنت غاضباً في بعض الأحيان، فهذا أمر جيد، ولكن إذا كنت غاضباً طوال الوقت، فهذا جزء من شخصيتك». واستعانت الدراسة بقاعدة بيانات تتألف من 585 عاطفة ترتبط بكلمات مستقاة من تغريدات نُشرت في موقع «تويتر»، وطورت مع فريق البحث «خوارزمية» بهدف تحديد أنماط الشخصية بناءً على نص قصير مكتوب.

وجرى تطوير الخوارزمية لتربط بين العواطف والسمات الشخصية، بالاستعانة بآلاف العينات من المقالات التي حدد علماء النفس تمثيلها لواحدة من السمات الخمس الرئيسة للشخصية الإنسانية، وتشمل: الانبساطية، والعصابية، والضمير، والطيبة، والانفتاح. وعند اختبار الخوارزمية تطابقت تحليلاتها للنصوص مع آراء علماء النفس في 99% من الحالات.

وعلق الباحث من جامعة «ولفرهامبتون» في المملكة المتحدة، مايك ثيلوال، على تحليل مشاعر محتوى رسائل البريد الإلكتروني بقوله: إن «الأمر يحتاج للمزيد من العمل قبل أن تُستخدم النتائج على نطاقٍ أوسع». وأضاف لمجلة «نيو ساينتيست» العلمية البريطانية: «بشكلٍ عام، إنه بحث مؤثر للغاية ومثير للاهتمام»، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن نتائج الدراسة قد لا تنطبق على مدى أوسع، نظراً لأنها تعود لمجموعة محددة من المستخدمين.

تويتر