تحالف شركات تقنية يسعى إلى خفض كلفة الاتصال بالإنترنـت لـ 5 ملايين مستفيد

مبادرة تتيح الإنترنت لفقـــــراء الدول النامية

دول آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية تمثل سوقاً مهمة لشركات التقنية مع مـــلايين المستخدمين المحتملين. أرشيفية

وصل عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» إلى نحو 1.15 مليار مستخدم، ما يعني أن واحداً من كل سبعة أشخاص في العالم يستخدم الموقع، في وقت ترغب فيه شركة «فيس بوك» ــ بالاشتراك مع غيرها من الشركات التقنية ــ في جذب نحو خمسة ملايين شخص لا يستطيعون الوصول إلى الإنترنت.

وكشفت «فيس بوك» قبل يومين عن مبادرة «إنترنت دوت أورغ» التي تضم فضلاً عنها، شركات: «سامسونغ»، و«نوكيا»، و«أوبرا»، و«إريكسون»، و«كوالكوم»، و«تك ميديا».

وتهدف المبادرة إلى خفض كلفة الاتصال بالإنترنت، خصوصاً في الدول النامية التي تضم جمهوراً واسعاً من المستخدمين المحتملين، وتبسيط تطبيقات الهواتف المحمولة بالنظر إلى الانتشار المتزايد للهواتف الذكية، إضافة إلى تحسين الهواتف والشبكات، ما يسمح بنقل قدر أكبر من البيانات مع توفير استهلاك الطاقة.

وفي بيان إطلاق المبادرة، أشار أحد مؤسسي «فيس بوك» والرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربيرج، إلى العقبات الضخمة التي تواجه الدول النامية في سبيل الاتصال بالإنترنت وانضمامها إلى اقتصاد المعرفة، لافتاً إلى أن المبادرة ستعمل على تجاوز التحديات القائمة، وتوفير الإنترنت للأشخاص الذين يعجزون عن ذلك حالياً.

إلا أنه ومع الأهداف التنموية المُعلنة للمبادرة، لا تخفى منها المصالح الواضحة للشركات المتحالفة، إذ إن من الطبيعي أن زيادة مستخدمي الإنترنت تعني حاجة المستخدمين إلى خدمات وأجهزة جديدة، ومزيد من الإعلانات، وبالتالي مزيد من الأرباح. والمبادرة التي يقودها زوكربيرج تصب في فلسفة تمزج بين الغايات الإنسانية والربح، بحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

وتستهدف الشركات المتحالفة بشكل مبدئي خفض كلفة الاتصال بالإنترنت عبر الهواتف المحمولة إلى 1% فقط من كلفتها الحالية في غضون فترة تراوح بين خمس و10 سنوات، كما تأمل في تطوير نماذج عمل جديدة تسمح لشركات الهاتف بتوفير خدمات، مثل الشبكات الاجتماعية، والبحث والبريد الإلكتروني مجاناً، أو مقابل رسوم بسيطة.

ومثال ذلك، تعمل شركة «فيس بوك» على تطوير تقنيات للحد من كمية البيانات التي يستخدمها تطبيق الموقع المتاح لهواتف «أندرويد»، وتستهدف الوصول إلى 1 ميغابيت في اليوم، مقارنة مع استخدامها 12 ميغابايت حالياً، مع مراعاة عدم تأثر المستخدمين، إضافة إلى تطبيق «فيس بوك» المتاح للهواتف العادية الذي أطلقته عام 2011، ووصل عدد مستخدميه إلى 100 مليون مستخدم في يوليو 2013.

وعلى مستوى الشركات المصنعة، قدمت «كوالكوم» التي تحتل معالجاتها المرتبة الأولى في فئة الهواتف المتقدمة، تصميمات جديدة تُسهِم في إطالة عمر البطارية، والتقليل من كمية البيانات اللازمة لنقل فيديو، كما تعمل على مد نطاق شبكات المحمول بواسطة أجهزة صغيرة شبيهة بالمُوجِّهات اللاسلكية.

وتختبر بعض الشركات المُساهِمة في مبادرة «إنترنت دوت أورغ» أساليب جديدة لخفض الرسوم التي يدفعها مستخدمو الهواتف المحمولة؛ منها تجربة اشتركت فيها كل من «نوكيا» و«فيس بوك»، إضافة إلى شركة «تيلسيل» التي تقدم خدمات الهواتف المحمولة في المكسيك. وأتاحت التجربة للمستخدمين الدخول مجاناً لموقع «فيس بوك» في بعض هواتف «نوكيا» العادية من طراز «آشا». وأثمرت التجربة عن ارتفاع ملحوظ في المبيعات، ما دفع الشركة الفنلندية لتقديم عروض مماثلة لمتعاملي شركة «بهارتي إيرتيل» التي توفر خدمات الاتصالات في الهند وإفريقيا.

وتعكس مبادرة «إنترنت دوت أورغ» والمبادرات الشبيهة، جانباً من سعي الشركات التقنية للنمو وتلبية متطلبات وجودها في سوق الأوراق المالية، وذلك من خلال جذب المستهلكين من خارج الأسواق المشبعة في الولايات المتحدة وأوروبا، حتى إن كانت الوسيلة هي إسهامهم في تطوير الخدمات والبُنى التحتية في أفقر مناطق العالم، وأقلها تطوراً من الناحية الرقمية.

وواقعياً، لا تجد الشركات التقنية أمامها خيارات وفيرة سوى التطلع إلى الأسواق الناشئة؛ ففي دولة مثل الولايات المتحدة يستخدم ما يزيد على نصف السكان موقع «فيس بوك» لمرة واحدة في الشهر حداً أدنى، ولا تختلف كثيراً نسبة الاستخدام في بقية الدول المتقدمة.

يأتي هذا في الوقت الذي يتسع فيه انتشار الهواتف المحمولة، فمقابل كل شخص على وجه الكرة الأرضية يوجد هاتف محمول مُفعل، كما تزايد استخدام الهواتف الذكية حتى ان مبيعاتها تعدت للمرة الأولى مبيعات نظيرتها العادية خلال الربع الثاني من عام 2013 وفق شركة «غارتنر» للأبحاث، ما يجعل من البلدان الفقيرة في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية بمثابة فرصة عظيمة للشركات، إذا ما تمكنت من جذب مستهلكين جدد، وإيجاد وسيلة لتوفير الاتصال بالإنترنت بكلفة منخفضة.

ومثال على محاولات الشركات في هذا الشأن، وقعت شركة «تويتر» التي تتأهب لطرح بعض أسهمها للجمهور، اتفاقات مع نحو 250 من شركات الهواتف المحمولة في أكثر من 100 دولة حول العالم لتوفير الدخول المجاني لموقع التدوين المصغر «تويتر»، كما تسعى الشركة للتأكد من سهولة استخدام موقعها حتى بواسطة أرخص أنواع الهواتف المحمولة.

أما «غوغل» فقد أطلقت العام الماضي مشروع «فري زون»، بالاشتراك مع بعض الشركات المقدمة لخدمات الهواتف المحمولة في عددٍ من البلدان النامية، وتوفر لمستخدمي الهواتف العادية الدخول مجاناً لبعض خدماتها، مثل بريد «جيميل»، ومحرك البحث.

كما أعلنت الشركة عن مشروع «لوون» بهدف إتاحة الاتصال بشبكة الإنترنت في المناطق «المحرومة»، ويعتمد على بالونات تُحلق على ارتفاع نحو 20 كيلومتراً عن سطح الأرض بمساعدة تيارات الرياح البطيئة، وتحصل البالونات على الطاقة بواسطة ألواح الخلايا الشمسية، وتتيح المعدات الإلكترونية في كل بالون الاتصال بالبالونات الأخرى، وبهوائيات الإرسال والاستقبال في المحطات الأرضية المزودة بخدمة الإنترنت، كما تتصل بأجهزة المشتركين.

وفي حال نجح مشروع «غوغل»، فإنه يمكن للشركة أن تستفيد منه بأكثر من طريقة؛ إذ إن زيادة عدد مستخدمي الإنترنت يؤدي بالضرورة إلى تنامي مستخدمي خدماتها، مثل محرك البحث وموقع «يوتيوب» ومتجر «غوغل بلاي»، ما يقود إلى نمو الإعلانات التي تشكل النسبة الأكبر من عائداتها السنوية.

وبغض النظر عن الأهداف المادية للشركات العاملة في مجال التقنية من وراء تلك المبادرات، تثير جهود «فيس بوك» و«غوغل»، وغيرهما، بعض التساؤلات حول جدوى إتاحة الإنترنت مع نقص الطاقة اللازمة لتشغيل وشحن الأجهزة المستخدمة في كثيرٍ من الدول، إضافة إلى التشكك في كون توفير خدمة الإنترنت في الدول النامية هو أفضل ما يمكن تقديمه لمواطنيها، الذين يعاني كثير منهم حروباً طاحنة ومجاعات وانتشار الأوبئة.

وفي ردٍ على سؤال مشابه، قال رئيس شركة «مايكروسوفت» والرئيس المشارك لمؤسسة «بيل وميليندا غيتس» الخيرية، بيل غيتس، إنه «لا يرى مشروع (لوون) والمشروعات المشابهة تمثل أفضل استثمار للموارد لمساعدة الناس في البلدان الأكثر فقراً».

وأضاف في مقابلة أجراها لموقع «بلومبرغ بيزنس ويك» أغسطس الجاري: «عندما يعاني طفل الإسهال، فإنه لا يوجد أي موقع على الإنترنت يمكنه أن يخفف ذلك».

وفي الوقت نفسه، أكد غيتس إيمانه القوي بالثورة الرقمية، وأهمية ربط المدارس والمراكز الصحية، مشيراً إلى أن الأمر يختلف بالنسبة لسكان الدول ذات الدخول المنخفضة، إذ لا تكون هذه المشروعات بالأهمية نفسها، ما لم تفعل الشركة شيئاً في سبيل مكافحة مرض مثل «الملاريا».

من جانبه، اعترف زوكربيرج بأهمية الرعاية الصحية، لافتاً إلى أهمية توفير الإنترنت للهواتف المستخدمة بالفعل، قائلاً: «إذا كنت تستطيع تحمل كلفة الهاتف، فأعتقد أنه سيكون من الجيد حقاً أن تتمكن من الوصول إلى الإنترنت».

وفي ما يتعلق بعائدات «فيس بوك» المتوقعة، أكد زوكربيرج أن أرباح الشركة الفورية نظير مد خدمات الإنترنت ستكون ضئيلة، مشيراً إلى نمو الأرباح على المدى الطويل.

وقال: «نحن نركز على ذلك لأننا نعتقد أنه شيءٌ جيد للعالم، أكثر من أنه سيكون أمراً مذهلاً حقاً بالنسبة لأرباحنا».

تويتر