مستخدمو «فيس بوك» يشاركون ‬300 مليون صورة يومياً

الصور لغة جديدة للتواصـــل على «الإنترنت»

البعض يرى في الصورة تهديداً للغات خصوصاً مع الأجيال الجديدة. غيتي

تتمدد باستمرار المساحة التي تحتلها الصور في حياتنا، إذ تُوجِّه القنوات التلفزيونية والصحف ومواقع الإنترنت جانباً كبيراً من اهتمامها إلى الصور وتنوعها، وجودتها، وطريقة عرضها في تطبيق لعبارة قديمة لم يَخفت بريقها أو تفقد قوتها تقول إن «صورة واحدة تساوي ‬1000 كلمة».

وتستطيع الصور والفيديو أن تروي قصصاً تعجز الكلمات عن شرحها في بعض الأحيان، كما قد تسكن ذاكرة المشاهدين أسرع من نصوص مطولة. ولا يقتصر ذلك على الصور الفوتوغرافية، بل يمتد إلى الخرائط والرسوم البيانية، والكاريكاتير، وحتى اللوحات الخطية.

وفي عالم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تحظى الصور ومقاطع الفيديو بإقبال كبير، وفي موقع «فيس بوك» على سبيل المثال، يشارك مستخدموه ‬300 مليون صورة يومياً، كما تنال الصور القدر الأكبر من التفاعل والإعجابات، وتحظى بفرص أفضل للظهور ضمن «خلاصات الأخبار».

وحتى فترة قريبة، جرى التركيز على استخدام الصور أداة لتسجيل الماضي، والاحتفاظ بلقطات منه، ووسيلة لنقل الأحداث مباشرةً، لكن في مواقع الإعلام الاجتماعي، تقترب الصور، ومن ثم الفيديو، يوماً بعد آخر من أن تُشكِّل لغة عالمية للتواصل بين الناس على الإنترنت، وعبر الهواتف الذكية، لا توجد لها أبجدية أو قواعد للنحو، ولا تحتاج إلى ترجمة، ويمكن لشخصين لا يتحدث أيٌ منهما لغة الآخر، التواصل من خلالها.

وبدلاً من أن يضطر الشخص الى كتابة رسالة نصية يشرح فيها ما يفعله، فإنه يكفيه الآن التقاط صورة لوجبةٍ يتناولها أو للشارع الذي يوجد فيه ويرسلها عبر العديد من الخدمات والمواقع، وفي أحيانٍ كثيرة تكفي وحدها ولا يصحبها تعليق مكتوب، على الرغم من أننا نشهد عصراً يتبادل فيه الناس مليارات الكلمات المكتوبة يومياً عبر مواقع، مثل «تويتر».

وتناول مقال نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية، أخيراً، دور المواقع الاجتماعية وتطبيقات الهواتف في إبراز دور الصور، بصفتها أداة للتواصل ولغة للحديث بين المستخدمين.

ونقل المقال عن أستاذ التصوير الفوتوغرافي في جامعة «هارفارد»، روبين كيلسي، قوله: «إن هذا وقت فاصل ننتقل فيه بعيداً عن التصوير، بصفته طريقة للتسجيل، وحفظ لحظة مضت، ويتحول فيها إلى وسيلة للاتصال».

ويُؤثِّر هذا التحول الذي تمر به مواقع الإعلام الاجتماعي، من حيث التركيز على الصور، في مستقبلها والخدمات التي يتوجب عليها تقديمها، كما سيمتد أثره إلى طرق التواصل والثقافة العامة.

وبالتالي، فإنه لا يبدو غريباً أن تستثمر أكبر شركات الإنترنت مليارات الدولارات لتقديم نفسها إلى المستخدمين كأفضل منصة يمكنهم من خلالها إرسال تسجيلاتهم المصورة، ومن بينها «ياهو» بموقع «فلكر»، و«تويتر»، و«فيس بوك» التي استحوذت في عام ‬2012 على تطبيق «إنستاغرام» لمشاركة الصور مقابل مليار دولار.

وتجتهد جميعها لتقديم خدمات تُكافئ إقبال المستخدمين المتزايد على نشر ومشاركة الصور بما يتجاوز بناء مواقع ثابتة تعرض مجموعات الصور والفيديو، ومن دون ذلك يتهددها خطر التأخر وسط محيط إنترنت سريع النمو والتغير.

ومن أحدث التحولات في طريقة استخدامنا للصور، تطبيق «سناب تشات» للهواتف الذكية بنظامي «آي أو إس» و»أندرويد»، الذي يتيح للمستخدمين إرسال صور أو مقاطع فيديو، مع التحكم في مدة بقائها بحد أقصى ‬10 ثوانٍ، وبعدها تختفي تماماً من هاتف المرسل والمستقبل، ولا تمكن استعادتها ثانية. ويرى روبين كيلسي في ذلك دليلاً واضحاً على استخدام الصور لغة للتواصل، قائلاً: «لديك الآن صور ليس لها أي حياة ممكنة في ما بعد، وببساطة هي وسيلة للتواصل».

ويذهب المقال إلى أن استخدام الإنسان للصور للتعبير عن أفكاره وتسجيل أحداث حياته ليس جديداً، فمنذ البداية سجل الإنسان بنقوشه على جدران الكهوف صوراً للحيوانات وعملية الصيد، ومنها كهف «لاسكو» في فرنسا الذي ترجع نقوشه إلى العصر الحجري القديم قبل نحو ‬15 ألف سنة قبل الميلاد. لكن الفارق بين جدران الكهوف وتطبيق «سناب تشات» الذي يحذف الصور خلال ثوانٍ قليلة، أن الأولى لم تحظَ بفرصة للانتشار بين ملايين المستخدمين في فترة وجيزة، كما هو الحال الآن.

ويشهد تطبيق «سناب تشات» نمواً متسارعاً، وبحسب أحد مؤسسيه والرئيس التنفيذي للشركة، إيفان سبيجل، فإن مستخدمي التطبيق يرسلون ‬200 مليون صورة يومياً مقارنة مع ‬50 مليون صورة في ديسمبر ‬2012. وربما يُفسِّر أحد أسباب نجاح التطبيق بتلبيته لحاجة المستخدمين الى التواصل بعفوية دون الخوف من احتفاظ الآخرين بالصور وتهديدها بأي شكل لعلاقاتهم الشخصية أو وظائفهم.

وينسحب هذا النجاح على القيمة المالية للشركة التي أسسها سبيجل مع شريكه بوبي مورفي، وتلقت الشركة الشهر الماضي استثماراً جديداً بقيمة ‬60 مليون دولار، في وقت تُقدر فيه قيمة «سناب تشات» بمبلغ ‬860 مليون دولار.

كما كشف تطبيق «إنستاغرام» في يونيو ‬2013 عن وصول عدد مستخدميه إلى ‬130 مليون مستخدم نشط شهرياً، يُشاركون في كل يوم ‬45 مليون صورة، فيما وصل عدد الصور منذ إطلاقه قبل أقل من ثلاثة أعوام إلى ‬16 مليار صورة.

وفضلاً عن ذلك، صار الفيديو عنصراً رائجاً في عالم الإنترنت. وبعيداً عن موقع «يوتيوب» لنشر مقاطع الفيديو، يُقبل المستخدمون على خدمات مشاركة المقاطع القصيرة، ربما لأنها أبسط في الاستخدام، وأقرب إلى طبيعة التواصل السريع. ومنها تطبيق «فاين» من «تويتر» الذي انطلق مطلع العام الجاري، ويتيح مشاركة مقاطع فيديو لا تزيد مدتها على ست ثوان، لكنه لم يلبث أن واجه منافسة كبيرة بعد إعلان «إنستاغرام» قبل أقل من شهر عن إتاحته لمشاركة مقاطع فيديو في حدود ‬15 ثانية، واستخدام مُرشحات لتحسينها. وبعد يوم واحد فقط نشر مستخدموه خمسة ملايين مقطع قصير.

وحتى في موقع متعدد الاستخدامات، ولا يقتصر على الصور، مثل «فيس بوك»، وصل عدد الصور التي شاركها المستخدمون خلال عام واحد إلى ‬100 مليار صورة، كما أطلق الشهر الماضي ميزة التعليقات المصورة، بما يسمح للمستخدمين بالرد على مختلف أشكال التحديثات بالصور. ولا يقتصر الإقبال على هذه الخدمات على الولايات المتحدة، إذ يأتي أكثر من نصف مستخدمي «إنستاغرام» من خارج أميركا الشمالية، كما يُقبل مستخدمو الإنترنت عموماً على المواقع الاجتماعية، ويزور أكثر من ‬63٪ منهم أحد مواقع الإعلام الاجتماعي مرة واحدة على الأقل كل شهر.

وبعيداً عن الشبكات الاجتماعية، تنال الصور حصة من الرسائل التي يتبادلها المستخدمون عبر تطبيقات المراسلة الفورية، على غرار «واتس اب» الذي يتيح إرسال النصوص والصور والفيديو والملفات الصوتية، ويستخدمه ما يزيد على ‬250 مليون مستخدم نشط شهرياً، ويعالج أكثر من ‬27 مليار رسالة كل يوم.

ويبدو أن التحول باتجاه الاعتماد على الصور يسحب من حصة الرسائل النصية القصيرة «إس إم إس». ووفقاً لتقرير لجمعية الصناعية للاتصالات المحمولة «سي تي آي إيه»، تراجع عدد الرسائل القصيرة في الولايات المتحدة إلى ‬2.19 تريليون رسالة في عام ‬2012، وهو ما يقل بنسبة ‬4.9٪ عن العام السابق. وفي المقابل تصاعد استخدام رسائل الوسائط المتعددة للهواتف المحمولة «إم إم إس» بنسبة ‬41٪ لتصل إلى ‬74.5 مليار رسالة. وينظر البعض الى شيوع استخدام الصور باعتبارها طريقة سطحية وتُشكِّل تهديداً على اللغات، خصوصاً مع الأجيال الجديدة التي ستعتمد عليها أكثر دون أن تضطر لاستخدام الكلمات المختصرة. وهو ما يبدو أنه بحاجة إلى مزيد من البحث.

ويقول أستاذ الصحافة في جامعة «نيويورك» ومؤلف كتاب «صعود الصورة.. سقوط الكلمة»، ميتشل ستيفينس: «إننا نخطو بحذر إلى ما يُحتمل أن تكون طريقة جديدة للتواصل تتسم بأنها بالغة التشويق والعمق»، لافتاً إلى أنه كحال أي شيء جديد، فإننا نسير في البداية في المياه الضحلة.

تويتر