الهواتف الذكية تساعد حالياً على الوصول إلى الخدمات المصرفية دون أن تصير الوسيلة الرئيسة لها

طريق طويل أمام تطوّر خدمات الدفع عبر «المحمول»

صورة

كما هو المعتاد، نالت خدمات دفع الأموال التي طرحتها كل من شركتي «أبل» و«سامسونغ» اهتماماً إعلامياً واسعاً، وتناولت تحليلات كثيرة مستقبلها وتأثيرها في التطبيقات المصرفية. وتُتيح خدمتا «أبل باي» و«سامسونغ باي» للمستخدمين من أصحاب الهواتف الذكية الراقية الدفع مقابل البضائع في المتاجر بلمسات قليلة على شاشات هواتفهم.

لكن في الواقع سلطت التطورات الجارية في أنظمة دفع الأموال عبر الهواتف المحمولة في بلدان آسيوية وإفريقية، يفترض أنها أقل تقدماً، الضوء أكثر على مستقبل الخدمات المصرفية عبر «المحمول»، ووفرت لمستخدميها بالفعل خدمات أكثر تنوعاً تلائم افتقار الأسواق النامية إلى خدمات مصرفية راسخة وشاملة. وعلى الرغم من وصول حجم التعاملات المالية من خلال «سامسونغ باي» في كوريا الجنوبية خلال الشهر الأول من إطلاقه إلى 30 مليون دولار، إلا أن نائب رئيس «سامسونغ باي»، توماس كو، يرى أن ذلك لا يكفي لتقديم بديل قابل للنمو والاستمرار لحافظة النقود.

وفي حين أن خدمات المدفوعات المالية من كلٍ من «سامسونغ» و«أبل» ستُسهم دون شك في انتشار هذا النوع من الخدمات، إلا أن الواقع يشير إلى أن الهواتف المحمولة لاتزال وسيلة محدودة نسبياً لدفع المال، وهو واقع يمتد أيضاً إلى أسواق الدول المتقدمة.

وعلى سبيل المثال، في المملكة المتحدة يستخدم 1% فقط من الأشخاص هواتفهم للمدفوعات بمعدل يومي، حسب شركة «ديلويت» للاستشارات. ويأتي ذلك في ظل إقبال عدد أكبر من الأشخاص على التجربة المتقطعة لخدمات الدفع عبر «المحمول»، نظراً إلى اتجاه عدد متزايد من متاجر التجزئة الكبيرة لتوفيرها.

وتعتمد عروض دفع الأموال عبر «المحمول»، غالباً، على نسخ الأفكار الأساسية للدفع بواسطة البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم، فضلاً عن محافظ الأموال النقدية التي لاتزال تُرافق كثيرين، ولذلك يراها البعض بديلاً يستخدم تقنية متقدمة وليس تحديثاً متميزاً، على الرغم من توفير خدمات الدفع عبر «المحمول»، عادة، لدرجة أفضل من التعريف والتوثيق تتفوق على النقود والبطاقات. ويتوقع محللون تحولاً كبيراً في ضوء إضافة المزيد من الخدمات المالية والتفاعل، وحينها فقط ستتحول خدمات الدفع عبر الهواتف المحمولة إلى خدمات مصرفية. وفي حين تعاني البلدان الإفريقية، الواقعة جنوب الصحراء، وبعض بلدان آسيا، نقص الخدمات المصرفية التقليدية، أثبتت تجربتها مع خدمات الدفع عبر «المحمول» إمكانات هذا المجال.

ولا يرغب مستخدمو الهواتف المحمولة في الدول النامية، باستخدام هواتفهم لدفع المال نظير الطعام في متاجر البقالة، كما لا يمتلك كثير منهم حسابات مصرفية. وبالنسبة لهم، يضطلع الهاتف المحمول بمهام إضافية كوسيلة للحفاظ على أمن النقود ونقلها بيسر، والحصول على خدمات مالية متنوعة من جهات موثوقة.

وتحولت محافظ الأموال عبر الهواتف المحمولة في الأسواق الناشئة إلى وسيلة لحساب القيمة، واستقبال التحويلات عبر الهاتف، وتحويلها إلى نقود من خلال وكلاء معتمدين. ووفقاً لشركة «جونيبر» للأبحاث، أتاحت الأجهزة المحمولة في الأسواق التي تفتقر إلى نقص الخدمات المصرفية تحقيق الشمولية المالية للمرة الأولى. ويتجاوز عدد الحسابات المالية عبر الهواتف المحمولة الحسابات المصرفية في أكثر من 15 بلداً.

وتعتمد الكثير من خدمات الدفع عبر «المحمول» في القارة الإفريقية على توفير وسيلة لتحويل الأموال، تتيح لمستخدميها تحويل المال والدفع مقابل البضائع، كما هو الحال في خدمة «إم-بيسا» M-Pesa الرائدة في كينيا وتنزانيا وبلدان أخرى. وفي الآونة الأخيرة تضيف هذه الخدمات خيارات أخرى، منها صرف القروض والتأمين المصغر. وتعتبر شركة «جونيبر» الهند نموذجاً، ففي حين تتفوق خدمة «بايتم» Paytm من ناحية الشعبية، حصلت شركات جديدة على موافقات لتقديم خدمات متنوعة، مثل قبول الودائع والتحويلات المالية.

وحتى في أسواق الدول الغربية، من المتوقع توفير الهواتف المحمولة المزيد من الإمكانات المالية في المستقبل. وقالت الرئيسة التنفيذية لاستراتيجية الأعمال في «فيزا أوروبا»، بولا فيلستد، إن الدفعة الأولى من التطبيقات المصرفية عبر «المحمول» ركزت على خدمات مصرفية خالصة، مثل تحويل المدفوعات بين الحسابات.

وأضافت فيلستد أن سلوك المستهلكين، إلى جانب التطورات التقنية، قد يغير ذلك الوضع، ويضيف سبلاً جديدة لتحويل النقود، ما يعني فهماً أوسع كثيراً لتعريف الخدمات المصرفية عبر «المحمول» لتحظى بالانتشار، وبالتالي تطوير ما تحتاجه التطبيقات لتحقيق ذلك.

ويرى شريك الخدمات المالية والمتخصص في المدفوعات في شركة «ديلويت»، ستيفين لي، أن تطبيقات «المحمول» المصرفية تجاوزت بالفعل التفاعلات عبر الإنترنت مع المستهلكين، حتى إن تركزت أغلب الأنشطة على التحقق من الرصيد. وقال: «خلال السنوات القليلة المُقبلة ستصبح تطبيقات (المحمول) المصرفية السبيل الأكثر شيوعاً للوصول إلى مختلف الخدمات المصرفية التقليدية، مثل التقدم للحصول على قرض، أو زيادة السحب على المكشوف، وإخبار المصرف بتغيير مكان الإقامة». ويعتقد مسؤولون في القطاع بحاجة المصارف إلى قيادة التغيير في سلوكيات المستهلكين، نظراً لما تحظى به من ثقة وتراخيص حازمة للتوسع وتقديم خدمات مالية أخرى. وقال رئيس «ماستر كارد» في المملكة المتحدة وإيرلندا، مارك بارنت: «في كل يوم يُحاط المستهلكون بخيارات جديدة للدفع، لكن حتى في هذا العصر الرقمي فإنهم يواصلون الثقة بمصارفهم لاحتياجاتهم المالية».

وأضاف بارنت أنه إلى جانب تعاونهم الوثيق مع شركات كبيرة، مثل «سامسونغ» و«أبل»، لمساعدتها في طرح خدماتها المالية، فإنهم يتعاونون مع المصارف لتقديم خيار الدفع ضمن تطبيقاتهم المصرفية واسعة الشعبية.

ومع ذلك، يعتبر المدير في شركة «آرثر دي. ليتل» الأميركية للاستشارات، جوليان دوفاد - شيلنست، أن الخدمات المصرفية عبر الأجهزة المحمولة لاتزال في مهدها، متوقعاً توسع السوق إلى مجالات جديدة، مثل مدفوعات الخصم المباشر. ولفت شيلنست إلى استعمال ما يزيد على نصف مستخدمي الهواتف الذكية في الولايات المتحدة للخدمات المالية عبر «المحمول» حتى نهاية العام الماضي، لكن المحمول حتى الآن لايزال يُمثل، بحسب رأيه، قناة تكميلية للأنشطة الأساسية، مثل التحقق من الرصيد، دون أن يصير المسار الرئيس للأنشطة المصرفية.

ويبدو أنه في ما يتعلق بتقديم مجموعة متنوعة ومتكاملة من الخدمات المصرفية، لايزال أمام الهواتف المحمولة طريقاً طويلاً وحافلاً لتقطعه.

تويتر