تحوّلت إلى شكلٍ رائج للتعبير الرقمي.. وطريق لنقل مشاعر وأفكار معقدة بما يتجاوز الكلمات والصور

الصور المتحركة.. لغة جديدة للتواصل المرئي عبر الأجهزة المحمولة

صورة

بعدما أسهم استخدام الهواتف الذكية في زيادة الإقبال على الرموز التعبيرية في الكتابة والتراسل الشخصي، أصبحت الأجهزة المحمولة حالياً تدعم لغة جديدة للتراسل البصري الفوري، تتمثل في الصور المتحركة أو «جي آي إف» GIF، على الرغم من أن ابتكارها يعود إلى عام 1987، حينما قدمها المطور في شركة «كومبيو سيرف» ستيف ويلهيت.

ومنذ ذلك الحين انتشرت الصور المتحركة بين مستخدمي أجهزة الكمبيوتر المكتبية، ودفعها تحسن تقنيات «المحمول» وتصاعد الإقبال على تطبيقات التراسل، للانتشار خارج منتديات الإنترنت، وتحولت إلى شكلٍ رائج للتعبير الرقمي، وطريق لنقل مشاعر وأفكار معقدة، بما يتجاوز الكلمات والصور الفوتوغرافية، ما منحها شعبيةً كبيرة، لاسيما بين الشباب محبي الهواتف الذكية.

 

نمو الاستخدام

تتسم الصور المتحركة عموماً باستمرار المقطع لبضع ثوانٍ، واقتصارها على الصورة دون الصوت، وتكرار تشغيلها تلقائياً، كما تتضمن في كثيرٍ من الأحيان لقطات من أفلام وبرامج تلفزيونية، وقد تضاف إليها النصوص. وتلفت منصة «تمبلر» للتدوين إلى إرسال المستخدمين 23 مليون صورة متحركة يومياً.

وفي مارس 2015، بدأ موقع «فيس بوك» دعم الصور المتحركة، إذ يشهد تطبيقه للتراسل الفوري (ماسنجر)، تبادل أكثر من خمسة ملايين صورة يومياً، كما يتبادل مستخدمو منصة التراسل في بيئة العمل «سليك» أكثر من مليوني صورة متحركة شهرياً. وتزايد الإقبال على البحث عن الصور المتحركة على شبكة الإنترنت.

وعلى سبيل المثال، اقتصر استخدام الطالبة في «جامعة ستانفورد» لوسي ديكيو على اللغة الإنجليزية والرموز التعبيرية لكتابة الرسائل، وتغير ذلك في أكتوبر الماضي مع حصولها على تطبيق «ريفسي» الذي يوفر لوحة مفاتيح بالصور المتحركة. وقالت ديكيو التي تبلغ من العمر 21 عاماً: «أستطيع الآن التعبير عن هذه المشاعر المُعقدة في غضون ثانيتين». وتجاوز استخدام الصور المتحركة التراسل الشخصي إلى المجال المهني؛ إذ أرسلت شركة «غوغل»، أخيراً، صورة لرضيع يرفع يديه كإجابة عن سؤال من أحد المحررين. وكثيراً ما تستخدم منصات رقمية للنشر مثل «بَزفيد» الصور المتحركة لرواية القصص الإخبارية. ويعتمد الموظف في شركة «غوغل»، جيرود هوليت، على الصور المتحركة للرد على رسائل البريد الإلكتروني في أكثر الأوقات، مُشيراً إلى عدم براعته في استخدام الكلمات، لذلك تفي الصور المتحركة المُناسبة بهذه المهمة.

 

تاريخ متشابه

ويتشابه تصاعد الإقبال على الصور المتحركة مع مسيرة الرموز التعبيرية المعتمدة على علامات الترقيم، للتعبير عن مشاعر مثل الفرح والحزن التي بدأ استخدامها قبل نحو 33 عاماً، تلتها الوجوه التعبيرية أو «إيموجي» emoji، وهي لغة مصورة ظهرت في نهاية التسعينات من القرن 20، وطورتها شركة «إن تي تي دوكومو» اليابانية للاتصالات اليابانية.

وتُمثل «إيموجي» وجوهاً تعبيرية صغيرة ومتحركة أحياناً، لا تتطلب من المستخدم كتابة أكثر من رمز، بل تأتي ضمن مجموعات جاهزة، وحظيت بانتشارٍ واسع في البلدان الآسيوية، كما تتوافر حالياً العديد من تطبيقات لوحات مفاتيح للهواتف الذكية تحمل رموز «إيموجي». وينتشر استخدام الوجوه التعبيرية في التراسل والتعليقات حتى أن تطبيق «إنستغرام» لمشاركة الصور، الذي يتجاوز عدد مستخدميه 300 مليون شخص، ذكر أن نحو 40% من الصور المنشورة تتضمن ما لا يقل عن رمز واحد من رموز «إيموجي» إلى جانب النص.

وتستفيد الصور المتحركة من انتشار الأجهزة المحمولة وشبكات المحمول السريعة، التي تُتيح النقل السلس للصور المتحركة. وفي عام 2014، سمحت شركة «أبل» بتثبيت لوحات مفاتيح للصور المتحركة في إصدار «آي أو إس 8»، لتيسير إضافة صور «جي آي إف» إلى الرسائل، ما أسهم في نمو الشركات الناشئة المتخصصة في الصور المتحركة.

وقالت أستاذة اللغويات في «الجامعة الأميركية» في واشنطن ومُؤلفة كتاب «كلمات على الشاشة: مصير القراءة في العصر الرقمي»، نعومي إس. بارون: «نكتب على نحوٍ مُتزايد نصوصاً أقصر وأقصر لتُقرأ على الشاشات، سواءً كانت الكميبوتر الخاص بك أو الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أو (أبل ووتش)». وأضافت أن الصور المتحركة تُوفر الرسائل، إذ لا يتعين على الأشخاص التفكير في كيفية التعبير عن أنفسهم. ويُمكن للصور المتحركة أن تُمثل شكلاً أكثر فاعلية للاتصال البصري، وبما يفوق الوجوه التعبيرية؛ نظراً لما تُوفره الحركة من قدرة على إظهار مجموعة أكبر من التعبيرات.

 

شركات ناشئة

وتُسهِم مجموعة من الشركات الناشئة، بدعم من استثمارات رأس المال المُغامر، في زيادة استخدام الصور المتحركة على الأجهزة المحمولة، منها شركة «ريفسي» Riffsy التي تُوفر لوحة مفاتيح مزودة بصور متحركة للهواتف الذكية، وجمعت أخيراً تمويلًا يُقدر بـ10 ملايين دولار.

أما شركة «جيبهي» Giphy فتتيح محركاً للبحث عن الصور المتحركة، واجتذبت تمويلاً تخطى 23 مليون دولار، في وقت تتطلع فيه شركات أخرى مثل «إيمجور» Imgur و«بوب كي» PopKey، و«كانفاس» Kanvas، إلى تعديل مقاطع الفيديو وتحويلها إلى حزم صغيرة يُمكن مشاركتها.

وحتى الآن، تُركز الشركات الناشئة على ترويج استخدام الصور المتحركة، ونجح القليل منها في تحقيق أرباح منها، كما أنها تعتقد بفرص لتحقيق الإيرادات بالتزامن مع إقبال العلامات التجارية على دمج المقاطع المتحركة في الإعلانات وغيرها من الرسائل التسويقية.

وقال الرئيس التنفيذي للعمليات في «جيبهي»، آدم ليبسون: «تُعد الكتابة وسيلة قديمة للإدخال، ولا يُمكنك التعبير عن البعد العاطفي على نحوٍ كافٍ بقليل من الوجوه التعبيرية». وأضاف: «تفوقت الصور المتحركة عليها جميعاً». وتلقى منتجات هذه الشركات رواجاً؛ إذ سجلت «ريفسي» أكثر من أربعة مليارات مُشاهدة لصورها المتحركة في كل شهر، وتحظى «جيبهي» بأكثر من 50 مليون عملية بحث مختلفة كل شهر. ومع ذلك، قالت الشركتان إنهما لا تُركزان حالياً على جني المال، دون أن يمنع ذلك التعاون مع علامات تجارية تُحاول الاستفادة من المقاطع المتحركة في الترويج لمنتجاتها. كما تعاونت «ريفسي» مع شركة «فوكس القرن 21» خلال إطلاق فيلم الحركة «تيكن 3» Taken 3، وأطلقت صوراً متحركة تعرض مقاطع من الفيلم ليستخدمها الجمهور في الرسائل. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «ريفسي»، ديفيد ماكينتوش: «يتبادل الأشخاص هذه الصور المتحركة للعلامات التجارية مثل أي نوع آخر من المحتوى»، لافتاً إلى أن طموح الشركة يتمثل في إنشاء لغة مرئية مفتوحة للجميع.

 

الإعلان والترفيه

ويتقبل بعض العاملين في مجال الإعلان والترفيه استخدام الصور المتحركة، ومنهم باميلا ريد وماثيو ريدر في نيويورك، اللذان يُخرجان مقاطع فيديو. وفي السنوات الأخيرة استعانا بصور متحركة في الحملات الإعلانية لبعض عملائهما البارزين في مجال الأزياء مثل «أديداس» و«ديزيل». وعلى الرغم من رفض البعض للصور المتحركة في البداية، إلا أن الأمر تغير حالياً، واعُتبرت جزءاً من الحملة الإعلانية الكاملة. وتجد مواقع الشبكات الاجتماعية فرصة كبيرة في مقاطع الصور المتحركة؛ إذ قدمت منصة «تمبلر» للتدوين محركاً بحثياً للعثور على الصور المتحركة المنشورة ضمن الموقع. ووفر موقع «إيمجور» لمُشاركة الصور أداةً لإنشاء صور متحركة بعدما لمس إقبالاً على إرسالها. وتختبر الشركتان نماذج إعلانية تتضمن الترويج من خلال الصور المتحركة.

ومع ذلك، يرى الرئيس التنفيذي لشركة «إيمجور»، آلان شاف، أن مثل هذه المحاولات لن تُجدي نفعاً كعملٍ تجاري ما لم يكن المحتوى المدفوع مبهجاً مثل ملايين الصور المتحركة التي يتبادلها الأشخاص في ما بينهم كل يوم. وأسس شاف فريقاً ضمن الموقع لاستخدام الصور المتحركة ضمن الإعلانات التي تُعرض لمستخدمي «إيمجور» البالغ عددهم 150 مليون مستخدم، ووصفها بالاتصال العاطفي الفوري.

تويتر