طبيعتها تضع أمام المطوّرين مزايا وتحدّيات عديدة

الأسواق الناشئة تستفيد من تطبيقات الهواتف منخفضة الكلفة

صورة

تُسهِم الأسواق الناشئة بنصيب كبير في نمو سوق الهواتف المحمولة بسبب الإقبال الكبير على اقتنائها حتى في بعض من أفقر دول العالم، لكن طبيعة هذه الأسواق تضع أمام مطوري التطبيقات مزايا وتحديات في آنٍ واحد، فمن ناحية تُتيح لهم المجال لطرح منتجات مبتكرة تُلائم احتياجات سكان الدول النامية، ومن ناحية أخرى تفرض العديد من التحديات بسبب تنوع الهواتف وصعوبة تحقيق عائدات جيدة.

وتتوقع شركة «آي دي سي» للأبحاث أن يعيش 80% من بين 1.8 مليار شخص، ينتظر امتلاكهم هواتف محمولة في عام 2018 في مناطق تُعاني نقصاً في تغطية شبكات الاتصالات، والميزانيات المحدودة، كما يندر فيها نسبياً توافر الهواتف الذكية.

وأشارت المُحللة في شركة «أوفوم» للاستشارات في مجال الاتصالات، نيها داريا، إلى حاجة مطوري التطبيقات لمراعاة القياسات الصغيرة لشاشات الهواتف، والإمكانات المحدودة للأجهزة منخفضة الكلفة في الأسواق الناشئة، فضلاَ عن ضرورة تجاوز العقبات الثقافية للغة والأمية والمحتوى المحلي، لتحظى تطبيقاتهم بالشعبية. وقالت داريا: «ينبغي أن يسهُل فهم التطبيقات وتشغيلها، وأن تحتاج إلى أقل قدر من التفاعلات، وتستخدم القليل من طاقة البطارية».

واعتبرت الرئيسة التنفيذية لشركة «فودافون» في مناطق إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، سربيل تيموراي، أن الأسواق الناشئة لا تُلاحق مستوى الأسواق الأكثر رسوخاً وتقدماً فحسب، وإنما تفوقها كثيراً من بعض الجوانب. وضربت مثالاً بتطبيق للحواسيب اللوحية طورته «فودافون» لمُزارعي الشاي في تركيا، ويُوفر وسيلة رقمية لتنفيذ خطوات فحص التربة، ما أسهم في خفض كبير في النفقات، ومن خلال جمع البيانات في الوقت الحقيقي على نحو أسرع وأدق، أنجز التطبيق مهمة التدقيق اليدوي الذي تطلب في السابق يوماً كاملاً.

ويُظهِر مطورو التطبيقات استعداداً كبيراً للاستفادة من الفرصة المميزة التي يُتيحها وضع الهواتف المحمولة في الدول النامية، لاسيما مع عدم اعتماد تقنية المحمول كثيراً على البنية التحتية، مثل الخطوط الهاتفية الثابتة وعتاد الحواسيب والطاقة الكهربائية، ما يُتيح تقديمها بسرعة وبكلفة زهيدة.

وقالت تيموراي إنه في حين لاتزال تقنيات الدفع عبر الهواتف المحمولة تشهد بدايتها في الاقتصادات المتقدمة، فقد أثبتت نجاحها في دول عدة، ويعتمد ملايين الأشخاص في إفريقيا على خدمة «إم - بيسا» التي انطلقت في كينيا في مارس عام 2007، بالتعاون مع «سفاريكوم» التابعة لشركة «فودافون».

ومن بين الأمثلة الأخرى على تطبيقات تلبي حاجات محلية تطبيق للهواتف المحمولة يستخدم نحو 14 ألفاً من صغار مزارعي الكاكاو في ساحل العاج، ويُتيح لهم الحصول على نصائح للزراعة، وتفاصيل عن جلسات التدريب، ومعلومات في الوقت الحقيقي عن أسعار السوق. وبالإضافة إلى ذلك، يسمح التطبيق للمزارعين بتسجيل استخدامهم للأسمدة، ومتابعة رصيدهم النقدي، وقياس مساحات مزارعهم بدقة من خلال سيرهم حول محيطها.

وتُدير التطبيق شركة «أولام إنترناشيونال» الزراعية (Olam) التي تدعم صغار ملاك الأرض الزراعية في 14 بلداً، وتطمح الشركة للوصول بخدماتها إلى أكثر من 150 ألف مزارع بحلول عام 2017، والتوسع لتشمل مزارعي القهوة والقطن والكاجو.

وقال رئيس مسؤولية الشركات والاستدامة في «أولام»، كريس بريت: «نود جعل هؤلاء المزارعين الصغار أكثر استقراراً، نظراَ لأن سلسلة التوريد مجزّأة بشكل كبير، وتفتقر إلى الكفاءة، الأمر الذي يُهدد بانصراف المزارعين عن المحاصيل الأساسية».

وتُوفر «أولام» التطبيق مجاناً وباللغة المحلية، كما يعتمد قدر الإمكان على الرموز بدلاً من الكلمات. واعتبر بريت أن تحديد الخيارات أسهم في تيسير استخدامه، وحدّ من احتمالات الأخطاء، لافتاً إلى سهولة تعليم الأشخاص استخدام تطبيقات الهواتف المحمولة، عوضاً عن التعامل مع تعقيدات الحواسيب الشخصية.

وأشار المسؤول عن أعمال البرمجيات ومبادرات التكنولوجيا في شركة «أكسنتشر موبيليتي»، أبهيجيت كابرا، الى أن القيود الواقعية في العالم النامي قادت إلى ولادة فرع جديد في الهندسة باسم «الابتكار المقتصد أو منخفض الكلفة» Frugal Innovation.

ويُشير الاسم إلى محاولات تقليل مستوى التعقيد في سلعة ما، وتكاليف إنتاجها، من خلال استبعاد السمات غير الضرورية من السلع المعمرة، مثل الهواتف والسيارات، بما يُتيح بيعها في البلدان النامية ومُلاءمة ظروفها، كما قد يتضمن توفير منتجات تدوم لفترات أطول، واتباع وسائل غير تقليدية للتوزيع.

وتحدّث كابرا عن اتجاه تشهده أسواق ناشئة في تطوير تطبيقات يُمكنها من الاستفادة من أوقات لا تشهد إقبالاً كبيراً على الاتصال بالإنترنت، والتقاط محتوى مقاطع الفيديو وتخزينها لتشغيلها لاحقاً، ما يُجنب مشكلات التخزين المؤقت وفقدان الاتصال، فضلاً عن فائدته في رفع مستوى رضا المستهلكين في الأسواق الصاعدة، والاستفادة من شبكات الاتصال في الأوقات الأكثر هدوءاً. ولفت كابرا إلى تنوع الأجهزة كأحد تحديات إطلاق تطبيقات على نطاق واسع في الدول النامية، فمن الصعب تطوير تطبيقات آمنة ومواصلة تحديثها باستمرار. ولعلاج ذلك، يستخدم مطورو التطبيقات أساليب التعهيد الجماعي عبر الاستعانة بالمتحمسين للحواسيب لاختبار التطبيقات وتحسينها. وأشار كابرا إلى دور هذه الآليات في تطوير مزيد من التطبيقات الناجحة في العالم المتقدم.

وبطبيعة الحال، لا تقتصر الأسواق الناشئة على التطبيقات المطورة لها خصيصاً، بل يُقبل سكانها على بعض التطبيقات التي طُورت أصلاً لأسواق أكثر تقدماً. وأعطى كابرا مثالاً بتطبيق التراسل الصيني «وي شات» الذي يُنافس «واتس آب»، ولا يستنزف خطط البيانات في الهواتف، وقال إن التطبيق يتجاوز دوره كمنصة للدردشة ليُتيح أيضاً الألعاب والتسوق والخدمات المصرفية، ويُتيح لمستخدميه، البالغ عددهم 500 مليون مستخدم، إرسال الأموال والشراء. ويبقى تحقيق الأرباح المالية واحداً من أصعب التحديات التي تُواجه مطوري تطبيقات الأجهزة المحمولة، لاسيما في الأسواق الناشئة. ويرجع ذلك إلى حساسية هذه الأسواق للأسعار وتأثرها بها، بحسب شركة «ماغبي» Magpie التي تعرف التطبيقات الملائمة للاستخدام في الصين والمكسيك والهند.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، ستيفين كينيدي، إنه ينبغي أن تقل الكلفة السنوية للاشتراك في الخدمات عن 10 دولارات. ومع ذلك، فإن تقديم تطبيقات بمثل هذه الأسعار المنخفضة التي ستمتد إلى الدول المتقدمة، سيجعل من الصعب على مُنتجي التطبيقات جني أرباح كبيرة.

تويتر