عبر تطبيقات تستفيد من ارتباط المستخدمين بهواتفهم وتسجيلها جوانب مختلفة من حياتهم اليومية

الهواتف الذكية تساعد في الكشف عن الإصابة بالاكتئاب

صورة

في الوقت الذي تُتابع بعض منتجات الحوسبة القابلة للارتداء، وسوارات متابعة الأنشطة البدنية، بيانات حول ضربات القلب وحرق السعرات الحرارية، تبحث تطبيقات أخرى للهواتف الذكية في جوانب أخرى كعدد الرسائل النصية، وطول المكالمات الهاتفية، ونبرة الصوت، ونمط النوم، في محاولة استكشاف حالة الصحة النفسية للمستخدمين، التي يعتبرها الأطباء وثيقة الصلة بالصحة الجسدية.

ولا تسلم محاولات الاستعانة بتطبيقات الهواتف الذكية لتشخيص علامات الاكتئاب من انتقادات أو تساؤلات من جانب أطباء ومختصين بالرعاية الصحية، يرون أنها إلى الآن لم تُثبت فاعليتها، إلى جانب مخاوف أوسع تتعلق بخصوصية وأمن بيانات المرضى، كما تضمّن تقرير نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية.

ويعد تطبيق «غينغر.آي أو» Ginger.io مثالاً على الجيل الجديد من تقنيات المتابعة الصحية التي تجتذب الأطباء والمستشفيات وشركات التأمين.

وتستعين بعض هيئات التأمين ببرمجيات مُتخصصة لتحليل أصوات المتعاملين أثناء المكالمات الهاتفية، للتعرف إلى احتمالات مواجهتهم مشكلات نفسية.

واعتبر الرئيس التنفيذي لشركة «غينغر.آي أو»، أنمول مادن، أنه بوجود أربعة مليارات هاتف يستخدمها البشر حالياً، فإنها تُمثل سجلاً مُذهلاً للحياة اليومية لكل مستخدم. وحسب الشركة، التي تتخذ من مدينة سان فرانسيسكو الأميركية مقراً لها، يستخدم تطبيقها 30 مركزاً طبياً، منها مركز «كايسر برماننت» الطبي، و«جامعة كاليفورنيا» في سان فرانسيسكو.

كما قدمت «المعاهد الوطنية للصحة» في الولايات المتحدة، منحةً بقيمة 2.42 مليون دولار إلى باحثين في «كلية الصحة العامة» في «جامعة هارفارد» لتطوير تطبيق للهواتف الذكية يُحلل جوانب عدة، منها الوقت الذي يُغلق فيه المستخدمون هواتفهم، ووقت فتحها لرصد أنماط النوم لدى المرضى الذين يُواجهون اضطرابات نفسية. ويُطور فريق من الباحثين في «جامعة ميشيغان» تطبيقاً للهواتف الذكية يتولى تسجيل وتحليل الأنماط الصوتية للمرضى أثناء المكالمات الهاتفية، للتنبؤ باحتمالات الإصابة بالاكتئاب أو الهوس.

ويهدف تطوير جميع هذه التقنيات إلى المساعدة في علاج الأمراض النفسية، لكن استخداماتها قد تمتد إلى مجالات طبية أخرى، ويقول الأطباء إن العلامات المحتملة للإصابة بالاكتئاب، مثل توقف الشخص بشكل مفاجئ عن الاتصال بعائلته، وعدم مغادرة المنزل لأسبوع قد تُؤشر أيضاً إلى افتقاد مرضى السكري أو القلب الحافز لتناول علاجاتهم والالتزام بالتمرينات أو أنظمة إعادة التأهيل.

وفي الوقت نفسه، يتعامل العديد من الأطباء والمديرين التنفيذيين في المستشفيات بحذر مع هذه التقنيات، على أساس غياب ما يكفي من الأدلة التي تُبرر الوقت والنفقات اللازمة لاستخدامها، إضافة إلى اعتبارها أحياناً وسيلة لانتهاك خصوصية المرضى والتطفل عليهم، ومخاوف بشأن درجات الأمان المتوافر لبيانات المرضى.

وقال طبيب الأمراض الباطنية ونائب الرئيس الأول لشؤون صحة السكان في شركة «بارتنرز هيلث كير»، أكبر مُزودي خدمات الرعاية الصحية في ولاية ماساتشوستس، الدكتور تيموثي فيريس «أتساءل كيف ستُطمئن الشركات الأشخاص تجاه تنزيلهم تطبيقاً يمكنه تتبع كل ما يقومون به، بأن هذه البيانات لن تُستخدم ضدهم أبداً».

وأشار فيريس إلى كثرة عدد الشركات التي تُحاول تسويق تقنياتها كسبيل لتخفيض التكاليف المتزايدة للرعاية الصحية، في حين نادراً ما تتوافر أدلة دامغة تُساند هذه الآراء. وقال إن تقنيات المتابعة مثل تطبيق «غينغر.أو آي» واعدة، لكن اعتمادها قبل أن تصل لمرحلة الإتقان قد يزيد من تكاليف الخدمات الصحية من دون أن يُسهِم في تحسينها.

ومن بين هيئات الرعاية الصحية التي تستعين بأدوات تقنية لمتابعة الحالة النفسية، شركة «نوفانت هيلث» Novant Health غير الهادفة للربح في ولاية نورث كارولينا. وتستعين بتطبيق «غينغر.آي أو» أساساً للتعامل مع المرضى الذي يُعانون من مشكلات نفسية، لكنها درست استخدامه أيضاً مع مرضى السكري والسيدات الحوامل والأمهات الجديدات، للبحث في ما إذا كانت أعراض الاكتئاب كما تُبينها بيانات الهواتف الذكية تتوافق مع نتائج استطلاعات الرأي الشخصية عن تراجع الحالة النفسية، وبالتالي يُمكنها الكشف عن «اكتئاب ما بعد الولادة»، وهو أحد أنواع الاكتئاب يصيب بعض السيدات عقب الولادة، وأحياناً ما يمضي من دون تشخيص.

ومن بين من استخدمن «غينغر.آي أو» جانسي فلورز التي قالت إنه «من الغريب أن تعتقد أن شخصاً ما بإمكانه معرفة حالتك المزاجية استناداً إلى بيانات الهاتف الذكي، لكني شعرت أن هذا شيء سيساعدني حين كنت عرضة للخطر».

وتنتقل البيانات التي يجمعها تطبيق «غينغر.آي أو» آلياً إلى حواسيب الشركة للتحليل، كما تتوجب على السيدات الإجابة عن استقصاء أسبوعي عبر هواتفهن حول حالتهم النفسية. وقارنت الشركة بين البيانات التي جمعتها من هاتف فلورز إلى جانب 200 سيدة أخرى، وإجاباتهن عن استبيان أسبوعي لتشخيص الإصابة بالاكتئاب. وقالت شركة «غينغر.أو آي» إن بعض أنماط السلوكيات، مثل قلة الخروج من المنزل في أيام نهاية الأسبوع، وطول مدة المكالمات الهاتفية، ارتبطت بإشارة السيدات إلى مرورهن بحالة مزاجية سيئة في الاستقصاءات.

وتعمل شركة «نوفانت هيلث» على تقييم نتائج البرنامج التدريبي والبحث في مدى صلاحية الهواتف الذكية كأداة لتشخيص الاكتئاب ما بعد الولادة في المستقبل. وقال رئيس قسم ممارسة طب النساء والتوليد في «نوفانت»، إيهاب شعراوي، إن النتائج الأولى أظهرت قدرة التطبيق على تحديد أعراض الاكتئاب، لكن لايزال الأمر بحاجة إلى تكرار الدراسة على نطاقٍ أوسع مستقبلاً.

وبالنسبة لشركة «أيتنا» للتأمين، تستخدم الممرضات، اللاتي وظفتهن، برمجية لتحليل الصوت منذ عام 2012، بهدف رصد علامات الإصابة بالاكتئاب أثناء إجراء المكالمات الهاتفية مع متعاملين للشركة يتلقون إعانات مؤقتة بسبب العجز، كالإصابة أو المرض. وقال الرئيس المسؤول عن الابتكار والعمليات الرقمية في «أيتنا»، مايكل بالمر، إن البرنامج يبحث عن أنماط معينة في نبرة الصوت قد تُشير إلى مشاركة الشخص في أنشطة كالعلاجات البدنية أو تلقيه العلاجات الملائمة.

وأشار بالمر إلى أن استخدام الممرضات لبرنامج تحليل الصوت زاد من قدرتهن بمعدل ست مرات على تحديد الأشخاص المصابين بالاكتئاب، مُقارنة بالممرضات اللاتي اعتمدن على خبرتهن وحدها. وفي حال توقع إصابة مريض بالاكتئاب، يحال إلى مختصين في الصحة النفسية.

وفي ما يتعلق بمعرفة المرضى بتحليل أصواتهم أثناء المكالمات الهاتفية، قالت المُتحدثة باسم «أيتنا»، تامي أرنولد، إن المرضى لا يطلعون على معلومات بشأن تحليل أصواتهم، بل يجري إخبارهم أن المكالمات يجري تسجيلها لأغراض الجودة فقط، مشيرة إلى مخاوف تحيط بتقديم تنبيهات أكثر تفصيلاً للمرضى، إذ ربما يدفعهم ذلك إلى تغيير الإجابة أو نبرة الصوت عمداً أو عن غير قصد إما للتأثير على البرنامج أو لمجرد اختباره.

وبالإضافة إلى «أتينا»، تستخدم شركة «هيومانا» للتأمين في مدينة لويزفيل في ولاية كنتاكي الأميركية البرنامج نفسه، الذي طورته شركة «كوغيتو» في بوسطن، وذلك بهدف مساعدتها في تحسين التفاعلات في مراكز الاتصالات، ولاسيما مع المتعاملين الذين يُواجهون مشكلات نفسية.

تويتر