مشروع يحظى بتمويل من شركة «أورانج» للاتصالات.. ويدرّ دخلاً إضافياً على السكان المحليين

«ميساد» تعيد تدوير مكونات الهواتف المحمولة في ساحل العاج

منطقة «أجبوجبلشي» في غانا تعد المكب الأكبر للنفايات الإلكترونية في العالم. ويكيبيديا

يتزايد الإقبال في مختلف أرجاء القارة الإفريقية على اقتناء الهواتف المحمولة، وقد أسهم تراجع أسعار الهواتف الذكية وإغراق الأسواق بطرز جديدة في رواجها، فمثلاً في ساحل العاج، التي يقترب عدد سكانها من 24 مليون نسمة، يُفضل كثيرون شراء هواتف ذكية رخيصة بدلاً من تصليح هواتفهم المحمولة القديمة، ما يدفع إلى التساؤل عن مصير جميع هذه الأجهزة التي يتخلى عنها أصحابها.

وبحسب ما تضمن تقرير نشره موقع «بي.بي.سي»، تنتهي الهواتف القديمة إلى صندوق القمامة كما أجاب أدو فيلسين، الذي يمتلك محلاً لتصليح الهواتف في مدينة أبيدجان، العاصمة الاقتصادية لساحل العاج. وهو واحد من مئات العاملين في تصليح وصيانة الهواتف المحمولة الذين يُمكنهم مقابل القليل تصليح معظم ما يُعرض عليهم.

ولم يمنع وجود المئات من محال الصيانة، إلقاء الآلاف من الهواتف وأجزائها من البلاستيك والأسلاك والمكونات الكهربائية في مكبات القمامة، لينتهي بها الحال إلى بحيرة «إيري» في قلب أبيدجان، مع الأخذ في الاعتبار ما تحويه من مواد سامة مثل الرصاص، والزئبق، والكادميوم، والكلور، والزرنيخ ما يُؤثر سلباً في المياه وأحيائها، أو تنجرف إلى البحر.

وفي كلتا الحالتين تُخلّف النفايات وتفاعلاتها وضعاً بالغ الصعوبة ورائحةً لا تُطاق، ويبدو مشهد البحيرة هادئاً وجميلاً، لكن الاقتراب قليلاً يكشف عن السطح المزدحم بالإطارات والحقائب البلاستيكية والمكونات الكهربائية والإلكترونية، فضلاً عن عددٍ لا يُحصى من أشياءٍ غير معروفة. كما تشترك مخلفات الصرف الصحي مع الطعام الفاسد في إنتاج رائحة كريهة.

وأشار نائب المدير العام لوزارة البيئة، جورج كيه كواديو، إلى إسهام نفايات الهواتف المحمولة في المشكلة، فإذا لم تتم معالجتها فإنه يمكن أن تتحول إلى خطرٍ سام، قائلاً: «تحتوي جميع هذه النفايات الإلكترونية على مواد كيميائية داخلها، وإذا لم نهتم بها كما ينبغي، أو نستخدمها بالطريقة الصحيحة، فإنها تُشكل خطراً على صحة السكان».

إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأ الوضع يتغير نظراً إلى إدراك العديدين في ساحل العاج إمكانية جني بعض المال نظير بيع الهواتف المحمولة القديمة، إذ تُدير مؤسسة «ميساد» Mesad الخيرية، المهتمة بالصحة والتعليم والتنمية، مثلاً، أول مركز في البلاد لإعادة تدوير مكونات الهواتف المحمولة.

ويجمع المركز أجزاء الهواتف القديمة من محال التصليح، ثم تُنقل إلى مركز إعادة التدوير، إذ ينهمك العاملون في تصنيفها وفصل مكوناتها مثل البلاستيك والبطاريات والشاشات والأجزاء الكهربائية والمعادن الثمينة، كلٌ على حدة، قبل أن يجري وزنها وتعبئتها لتُرسل إلى فرنسا لإعادة تدويرها.

ويعمل «كونستانت أكيم» مع مؤسسة «ميساد» في جمع الهواتف المحمولة غير المستخدمة من محال الصيانة المنتشرة في مختلف أرجاء أبيدجان. وأشار «أكيم» إلى استغراب أصحاب المتاجر في البداية، إذ لم يصدقوا إمكانية حصولهم على المال نظير كل كيلوغرام من نفايات الهواتف المحمولة، وهو ما اختلف لاحقاً قائلاً: «هم الآن سعداء أننا تخلصنا منها لمصلحتهم، إنه فقط قليل من المال، لكنه يعمل على هذا النحو».

وعلى الرغم من رفض فيلسين تحديد ما يجنيه أسبوعياً نظير بيع قطع الهواتف المحمولة القديمة، فإنه وصفها بأنها طريقة مفيدة لمحال تصليح الهواتف، ومربحة للمسؤولين عن إعادة التدوير، مؤكداً توقفهم عن إلقاء أجزاء الهواتف في المياه، ما يُنهي القلق بشأن الأطفال الذين يعملون وسط النفايات الخطرة. بدورها قالت مديرة مشروع النفايات الإلكترونية التابع لمؤسسة «ميساد»، إيسوبلي جابو، إن «من المهم حقاً أن نُعيد التدوير لأننا ندرك أكثر وأكثر معاناتنا أمراضاً لا نستطيع أن نجد لها تفسيراً».

وأضافت: «ربما يرجع ذلك إلى تلوث المياه لأنهم يرمون فيها بكل شيء»، لافتة إلى دور إعادة التدوير في توفير دخل إضافي، قائلة: «لسنا دولة غنية، نحن دولة نامية، ولذلك فإن إعادة التدوير تعد أمراً مهماً جداً؛ لأنها تتيح للناس العمل على نحو أفضل».

وغادرت الشحنة الأولى من نفايات الهواتف المحمولة ميناء أبيدجان في يوليو الماضي، ومن المُقرر أن تُغادر الشحنة الثانية مطلع العام المُقبل. ويحظى المشروع بتمويل من شركة «أورانج» للاتصالات، وهو المركز الخامس الذي تُقيمه الشركة في إفريقيا. وتشتهر منطقة غربي القارة الإفريقية بالعديد من مكبات النفايات الإلكترونية، لاسيما منطقة «أجبوجبلشي» في غانا التي تعد المكب الأكبر في العالم.

وتُواصل الدول المتقدمة إرسال شحنات من أجهزة التلفزيون والثلاجات وأجهزة الكمبيوتر، التي يستغني عنها مواطنوها لمصلحة طرز أحدث، إلى الدول النامية. وتستخدم هذه الأجهزة في بلدان مثل ساحل العاج، لكن إفريقيا تبقى بحاجة إلى منشآت لإعادة التدوير، إذ ينتهي الحال بمعظم النفايات الكهربائية إلى المكبات الكائنة على أطراف المدن والبلدات.

وقد نجح مركز إعادة التدوير في ساحل العاج في جمع 10 ملايين طن من نفايات الهواتف المحمولة وشحنها إلى أوروبا، لكن ذلك يقل عن 1% مما يتوافر في البلاد، ولا يكاد يُؤثر في جبال النفايات الكهربائية التي يتصاعد حجمها في مختلف أنحاء العالم.

تويتر