أهمها التوزيع غير المتكافئ لأبراج «المحمول» في مناطق البحث

دراسة تُشير إلى مشكلات في تحليل بيانات الهواتف المحمولة

صورة

مع الانتشار الواسع لاستخدام الهواتف المحمولة، انضمت بياناتها إلى الأدوات التي يستخدمها الباحثون في علم الأنثروبولوجيا، المعني بدراسة الإنسان، في محاولاتهم لكشف خفايا سلوك الإنسان المعاصر. وتشمل دراستهم لأنماط التنقل داخل البلد الواحد، ما يهم أيضاً في دراسة انتشار اللهجات والأمراض والأعراف الاجتماعية وتحسين شبكات المواصلات.

وتتكون هذه البيانات من إنشاء كل مكالمة هاتفية أو رسالة نصية لسجلٍ خاص بها يشمل الوقت، واليوم، والمدة، ونوع الاتصال، إضافة إلى برج الهاتف المحمول الذي جرى الاتصال في نطاقه. وبمضي الأشهر والأعوام تتراكم بيانات عن ملايين الأشخاص في مختلف أنحاء العالم، ويُعتبر ذلك السجل الأكثر تفصيلاً لسلوك الإنسان، مقارنةً بما أمكن جمعه في أي وقتٍ مضى.

ويستخدم الباحثون هذه البيانات، من بين أغراض متعددة، لدراسة أنماط التنقل البشري، والطريقة التي يتحرك بها سكان مدينة أو دولة. ومن خلالها، يُمكن دراسة الوقت الذي يعمل فيه الناس، ونمط انتقالهم وهجرتهم، وكيفية انتشار الأمراض المعدية من مكانٍ لآخر، وكيفية تعامل السكان مع الأحداث الطارئة، مثل النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية. لكن الاهتمام المتزايد بهذا النوع من البيانات، صاحبه اتباع العلماء طرقاً مختلفة في تحليل البيانات، ما جعل من الصعب المقارنة بين الدراسات في البلدان المختلفة.

 

مفهوم التنقل

وسعت دراسة لفريق من الباحثين في «جامعة واشنطون» في مدينة سياتل الأميركية للبحث في المشكلات المرتبطة ببيانات الهواتف المحمولة، وانتهت إلى إمكانية حل الكثير منها بالاتفاق على مفهوم جديد للتنقل، وعرض الباحثون فوائد منهجهم بالتمثيل على قاعدة بيانات للمكالمات الهاتفية في «رواندا» بين الأول من يونيو 2005 والـ31 من يناير 2009.

وبدايةً، يمكن الحديث عن شبكة المحمول باعتبارها تضم عدداً من الأبراج؛ يُغطي كل منها منطقةً معينة تراوح بين مئات الأمتار إلى 10 كيلومترات مربعة. وحين يجري الهاتف مكالمةً يتصل بالبرج الأقرب إليه، وفيه تُسجل بيانات المكالمة مثل الوقت والمدة ونحو ذلك، وحين ينتقل الشخص إلى مكان آخر ويُجري مكالمةً أخرى، تُسجل بياناتها في البرج الأقرب في الموقع الجديد، ومن خلال دراسة الأماكن المختلفة التي سُجلت فيها مكالمات الأشخاص، يُمكن احتساب معدل ونمط انتقالهم.

واستخدم علماء الأنثروبولوجيا في دراستهم لبيانات الهواتف المحمولة قياسات مختلفة للتنقل؛ منها عدد الأبراج التي سجلت مكالمات الشخص، أو الخط المستقيم الواصل بينهم، كما يُعتبر نصف قطر المسار الدائري من أكثر القياسات شيوعاً، ويُحتسب من خلال تحديد المركز الجغرافي لكل الأبراج المستخدمة، ومن ثم حساب متوسط المسافات من الأبراج إلى المركز.

ويُثير ذلك مشكلات تختلف درجة ظهورها من مكانٍ لآخر؛ فتتضح مثلاً في حالة التوزيع غير المتكافئ لأبراج المحمول في دولة ما. وعادةً ما تزداد كثافة أبراج المحمول في المناطق الحضرية، وتقل كثيراً في المناطق الريفية والنائية.

وبالنظر إلى رواندا، فإنه يوجد في عاصمتها «كيجالي» 50 برجاً ضمن دائرة نصف قطرها خمسة كيلومترات فقط.

ويعني ذلك أن الشخص الذي يقطن في «كيجالي» ويتحرك بانتظام ضمن خمسة كيلومترات، سيجري تسجيل مكالماته في أبراج محمول عدة، ومن ثم سيُعتبر معدل انتقاله مرتفعاً وفقاً للمعايير القائمة التي تهتم بعدد أبراج المحمول التي استخدمها الشخص.

لكن بالنظر إلى شخص آخر يعيش في منطقة ريفية في رواندا، إذ يُغطي برجٌ واحد المساحة نفسها، أي دائرة نصف قطرها خمسة كيلومترات، فربما يسافر هذا الشخص بالمعدل نفسه لتنقل الأول الذي يسكن في العاصمة، لكن تُسجل مكالماته في برجٍ واحد، ومن ثم يُعتبر معدل انتقاله منخفضاً، ومن هنا تأتي المشكلة.

ومما يُفاقم الأمر، الميل إلى إضافة مزيد من أبراج المحمول إلى مناطق بعينها، مثل المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية المرتفعة، أو ذات الأهمية السياسية مثل العواصم، أو المناطق الثرية التي تتمتع بانتشار واسع لاستخدام الهواتف المحمولة، وهو ما يُضيف تحيزاً آخر، بحسب ما يرى الباحثون.

ويُضاف إلى المشكلة السابقة، تغير عدد أبراج المحمول بمضي الوقت، فمع توسع الشبكات تُضيف الشركات المُشغلة، أبراجاً جديدة أحياناً، تُوضع في مناطق تفتقر إلى التغطية، وأحياناً تُضاف إلى مناطق تتمتع بتغطية حالية لتحسين الخدمة.

وذكرت الدراسة في هذا الشأن أنه نظراً لاستخدام المقياس الحالي الأبراج كنقاط مرجعية للمكان، فإن هذا يتسبب في حالة من التحيز المكاني والوقتي لهذه المقاييس.

وعلاوةً على ذلك، تتسبب طريقة استخدام الناس لهواتفهم المحمولة في مشكلات أخرى؛ فكلما أجرى الشخص الكثير من المكالمات الهاتفية، صار هاتفه مُسجلاً في عددٍ أكبر من الأبراج، ما يعني أن الشخص الذي يستخدم هاتفه بشكل متكرر، من المُحتمل أن يكون لديه معدل تنقل مختلف مقارنةً بشخص آخر يتبع المسار المكاني والوقتي نفسه، لكن يُجري عدداً أقل من المكالمات الهاتفية.

ويُركز الباحثون على تجنب فكرة اعتبار أبراج المحمول نقاطاً مرجعية، واعتماد نظام يتألف من خلايا الشبكة الموزعة عبر البلاد بديلاً لها. وفي المثال المتعلق برواندا، اختار فريق الباحثين تحديد 2040 خلية، يُمثل كل منها مربعاً طول ضلعه خمسة كيلومترات، ويُوجد في بعض هذه الخلايا برج واحد فقط، بينما تتوزع في بعضها الآخر أبراج عدة، ويخلو بعضها من أبراج المحمول تماماً، وفي الحالة الأخيرة يمكن معاملتها مثل أي نوع من البيانات المفقودة. وفي حال أجرى شخص ما مكالمة هاتفية من أي من الأبراج ضمن أحد المربعات، ستُسجل باعتبارها حدثت في مركز الخلية.

 

مقترحات للتحسين

وقدمت الدراسة، التي جاءت بعنوان «معايير التنقل البشري باستخدام تسجيلات الهاتف المحمول المُعززة ببيانات نظام المعلومات الجغرافي»، مقترحات أخرى لتحسين طرق التعامل مع البيانات، ومنها افتراض استخدام الناس في السفر لشبكات طرق، بدلاً من حساب المسافات في خطوط مستقيمة.

ومن شأن القدرة على مقارنة البيانات من أماكن مختلفة أن تتيح للباحثين تقديم إجابات لأسئلة تتناول كيفية تأثير تنقل الأشخاص على الهجرة البشرية، وانتشار عدوى السل، ومدى مشاركة المرأة في قوة العمل. وأشار فريق البحث إلى ارتباط تنقل السكان بخصائصهم العامة، مثل معدلات انتشار فيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز»، ومعدلات المواليد، والأنماط الاجتماعية، والرفاهية الاقتصادية، والمشاركة السياسية.

ومن بين الأسئلة المهمة لهذا النوع من الدراسات، البحث في احتمالات تغير أنماط الانتقال خلال الأحداث الطارئة، وربما يصير من الممكن التعرف إلى وقوع زلزال أو انفجار في الوقت الحقيقي من خلال دراسة هذا النوع من البيانات، فضلاً عن إمكانات المقارنة.

 

تويتر