بعد أن تفشّى الفيروس في مناطق غربي القارة الإفريقية

بيانات الهواتف المحمولة تُساعد على التنبؤ بأماكن «إيبولا»

صورة

تشهد مناطق غربي القارة الإفريقية انتشاراً واسعاً، وصل إلى حدٍ غير مسبوق بحسب وصف «منظمة الصحة العالمية»، لفيروس «إيبولا»، ما تسبب في وفاة ما لا يقل عن 1427 شخصاً، كان معظمهم في ليبيريا، وغينيا، وسيراليون، ودفع ذلك العديد من دول القارة وخارجها لاتباع احتياطات مختلفة، منها إغلاق حدودها، وحظر سفر مواطني الدول التي تشهد تفشّي المرض.

ويرى باحثون في بيانات الهواتف المحمولة للدول التي تشهد تفشّي «إيبولا» وجيرانها، فرصةً لدراسة خريطة انتشار المرض، ما قد يُسهِم في تحديد المناطق الأكثر حاجة إلى تركيز مجهودات الرعاية الصحية لمكافحة الفيروس الذي ينتقل أساساً عبر ملامسة سوائل جسم المصاب، ولا يتوافر حتى الآن أي علاج أو تحصين فعال له، باستثناء بعض الأبحاث الجارية على عقارات جديدة.

فيروس «إيبولا»

ينتقل فيروس «إيبولا»، الذي عُرف سابقاً باسم «حمى إيبولا النزفية»، عبر ملامسة سوائل وإفرازات جسم المُصاب، ويتطلب الفيروس فترة حضانة تراوح بين يومين إلى 21 يوماً، وخلال هذه الفترة قد لا يعلم الضحايا بإصابتهم بالمرض. ويُشير هذا إلى الأهمية الكبيرة لدراسة تنقلات السكان والأماكن التي سافروا إليها وجاؤوا منها.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/08/185341.jpg

وسمحت شركة «أورانج تيلكوم» لخدمات الهواتف المحمولة في غربي إفريقيا للباحثين بالوصول إلى بيانات الهواتف المحمولة في السنغال، ما يُعطي فكرة عن أنماط الانتقالات في المنطقة، وهو ما يُمكن أن يُساعد على التنبؤ بانتشار فيروس «إيبولا».

ولا يرمي بناء مخطط انتقال السكان في المنطقة إلى فرض قيود على حركة السفر، بل يهدف إلى توفير أدلة على الأماكن التي ينبغي أن تتركز فيها التدابير الوقائية وجهود الرعاية الصحية.

وفي الواقع، تُثير القرارات المحلية بتقييد تحركات الأشخاص الكثير من الجدل، وسط آراء تقول بعدم جدواها في منع تفشّي المرض.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت السنغال عن قرارها بإغلاق حدودها مع غينيا، كما قررت حظر الرحلات البحرية والجوية من وإلى غينيا، وليبيريا، وسيراليون.

وبحسب منظمة «فلوميندر» Flowminder السويدية غير الهادفة للربح، التي تولت مهمة تحليل البيانات، فقد منحت شركة «أورانج» رخصةً استثنائية لدعم جهود مكافحة «إيبولا».

وقال الطبيب ومؤسس «فلوميندر»، لينوس بنجستون، إنه «إذا ما وُجد تفشي (إيبولا) في بلدانٍ أخرى، فربما يوضح هذا أي الأماكن المرتبطة بموقع التفشي قد تكون عُرضة لخطرٍ متزايد بحدوث تفشٍّ جديد للمرض».

وتعود البيانات إلى 150 ألف هاتف محمول في السنغال في عام 2013 قبل تجهيلها، ووصلت بالفعل إلى عدد من الباحثين كجزء من مسابقة في تحليل البيانات لعام 2015، وسمحت «أورانج» بتقديمها إلى منظمة «فلوميندر»، وسيلة منها للمساعدة في مواجهة أزمة «إيبولا». وساعدت البيانات منظمة «فلوميندر» على تطوير مخطط لأنماط السفر المحلية للناس عبر غربي القارة الإفريقية.

وفضلاً عن البيانات الخاصة بالسنغال، استعان باحثو المنظمة ببيانات عن استخدام الهواتف المحمولة في «كوت ديفوار» التي وفرتها «أورانج» قبل عامين، واسُتخدمت في أبحاث عدة، منها رؤية لتحسين شبكة النقل داخل مدينة «أبيدجان». واستعان المخطط أيضاً ببيانات عن تحركات السكان من مصادر تقليدية نوعاً ما مثل استطلاعات الرأي.

وفي مسعى مقارب، نجحت «فلوميندر» في إنتاج خريطة متحركة لانتشار «إيبولا» منذ مارس الماضي، بناءً على تسجيلات للتوقيتات والأماكن التي شهدت الوفيات بفعل المرض.

ولفت بنجستون إلى أن نموذج تنقلات السكان يُمثل مسودةً أولية، كما يُحذر من كونه مبنياً على بيانات قديمة تغفل التغييرات التي قد تكون طرأت على سلوكيات السكان بفعل الأزمة الأخيرة. وقال: «من شأن البيانات في الوضع المثالي، أن تتضمن معلومات الوقت الحقيقي، لكن بالنسبة لبلدان تشهد أوبئة بالفعل، فإن هذا يعد أفضل تقدير يمكن التوصل إليه، لما سيبدو عليه شكل التنقل».

وخلال السنوات القليلة الماضية، كثُر الحديث عن دورٍ محتمل للهواتف المحمولة في التنمية والتوعية الصحية ودراسة المجتمعات، لاسيما مع انتشارها الواسع على نطاقٍ عالمي، ولا تُستثنى من ذلك الدول الفقيرة. ويُتوقع وصول عدد الهواتف المحمولة في إفريقيا إلى 600 مليون هاتف بحلول نهاية العام الجاري، أي بنسبة انتشار تقترب من 56% من السكان.

ويُميز الهواتف المحمولة ــ بصرف النظر عن إمكاناتها ــ إصدارها لإشارة فريدة لكل جهاز تصل إلى أبراج المحمول للإعلان عن وجودها، ما يُتيح للشركات المُشغلة جمع قواعد بيانات هائلة تتضمن معلومات تفصيلية حول تحركات السكان والأنماط الاجتماعية.

ويعتقد باحثون بإمكانية الاستفادة من هذه المعلومات في مجال الصحة العامة، إذ بينت عالمة الأوبئة في جامعة «هارفارد» الأميركية، كارولين بوكي، دور هذه البيانات في إظهار الأماكن التي سافر إليها السكان بعد مغادرتهم لأحد الأماكن التي تشهد تفشي أحد الأمراض، وإمكانية استخدام ذلك لتوقع المكان المُقبل لانتشار المرض.

وعرضت «بوكي»، التي تتعاون أيضاً مع منظمة «فلوميندر»، تطوير نموذج انتشار «الملاريا» في غرب إفريقيا عام 2013، ما يُثبت دور بيانات الهواتف المحمولة في مكافحة انتشار «الملاريا» بالكشف عن الأماكن التي ينبغي أن تتركز فيها جهود القضاء على البعوض؛ الناقل الأساسي للمرض. وحاول الباحثون في فترات سابقة تطوير نماذج لتنقلات السكان بالاعتماد على طرق تقليدية، على غرار إحصاء عدد الأشخاص في محطات الحافلات، وسؤال المرضى عن الأماكن التي ترددوا عليها.

ومع الدور الواعد الذي يراه البعض لبيانات الهواتف في دراسة انتشار الأمراض، فلا توجد أية إشارة الى استعانة المسؤولين عن قطاع الصحة بالنموذج الذي قدمته «فلوميندر».

وقال بنجستون إنه في وقت تُبدي فيه الوكالات الصحية العامة اهتمامها بالأمر، فإن جهات مثل «منظمة الصحة العالمية» لم تطلب من الباحثين تطوير نموذج لانتشار المرض، أو التعاون معهم على إتمامه.

ويرى المؤسس المشارك ومدير تحالف البيانات Data-Pop Alliance، إيمانويل ليتوزي، الذي يعمل على مشروعات مُشابهة، في النموذج الأخير تجربة واعدة، وقال إنه في حال وفرت الشركات المُشغلة للهواتف المحمولة جميع البيانات على مستوى مُفصل جداً، فإنه يُمكن استخلاص قيمة هائلة منها.

وفي الوقت نفسه، أشار الأستاذ الزائر في مختبر وسائط الإعلام في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، ليتوزي، إلى وجود مخاوف بارزة بشأن الخصوصية. ويرجع ذلك إلى كشف البيانات للصلات الاجتماعية والعملية، ومعلومات الموقع الجغرافي، التي يُمكن ربطها بالأفراد والتوصل إلى شخصياتهم.

تويتر