محاولات تسمح لمستخدمي الإنترنت ببيع بعض البيانات حول استخدامهم لمواقع الشبكات الاجتماعية

دراسة تبحث كيفية تقدير الأفراد لبياناتهم الشخصية التي تجمعها الهواتف

صورة

يُسجل الهاتف الذكي، الذي يُرافق مستخدمه معظم أوقات اليوم، قدراً كبيراً من المعلومات المفصلة عن حياته؛ فيمكن له تسجيل الموقع الجغرافي، والنشاط البدني للمستخدم، والمكالمات الهاتفية التي يُجريها أو يتلقاها، والصور التي يلتقطها، والأشخاص الذين يتبادل معهم الصور وغير ذلك الكثير.

وأشارت دراسات عدة إلى دور مثل هذه البيانات في توفير فهم شامل ومُفصل لعادات الفرد وأسلوب حياته، وهو ما يمنحها أهمية خاصة لدى المسوّقين والمعلنين الذين يستفيدون منها في فهم جمهورهم المحتمل وتوجيه الرسائل الإعلانية الأقرب إلى اهتماماتهم.

كما تستفيد تطبيقات الهواتف الذكية من مثل هذه المعلومات لتقديم معلومات قد تُفيد المستخدم؛ مثل تطبيق «غوغل ناو» الذي يستخدم بيانات الموقع الجغرافي ليُوفر معلومات حول اتجاهات الذهاب لمكانٍ معين أو يقترح المطاعم القريبة. وبالطبع فإن خدمة مثل هذه لا تبتغي النفع الخالص للمستخدمين، بل يُمكن استخدام البيانات نفسها لبيع الإعلانات والخدمات الأخرى.

ويُثير ذلك سؤالاً مهماً؛ إذ إنه إذا أمكن لشركات على غرار «غوغل» إنشاء نموذج عمل تجاري يعتمد على استخدام المعلومات الشخصية، فما قيمة هذه المعلومات من وجهة نظر المستخدمين أنفسهم؟ وكيف سيقررون الجهات التي ينبغي منحها إمكانية الوصول للمعلومات أو حرمانها منها؟

لذلك، سعت دراسة أجراها فريق من الباحثين من إيطاليا وإسبانيا، فضلاً عن مشاركة باحث من شركة «غوغل»، للإجابة عن هذه الأسئلة، وركزت على اقتصادات البيانات الشخصية التي تجمعها الهواتف. وحاولت الدراسة معرفة كيفية تقييم الفرد للمعلومات التي يجمعها الهاتف، وذلك من خلال الاستعانة بـ60 مشاركاً، مُنح كل منهم هاتفاً ذكياً يسجل مختلف التفاصيل الشخصية، وإنشاء سوق تمكنهم من بيع بياناتهم.

وخلال الدراسة، سجل كل هاتف ذكي المكالمات الهاتفية التي أجراها المشارك أو تلقاها، والتطبيقات التي استخدمها وفي أي وقتٍ من اليوم، والوقت الذي أمضاه مع كل تطبيق، إضافة إلى الموقع الجغرافي للمستخدم على امتداد ساعات اليوم، وعدد الصور التي التقطها.

ونظم الباحثون كل أسبوع نوعاً من المزاد يُتيح للمشاركين بيع بياناتهم الشخصية نفسها أو بعد معالجتها؛ فمثلاً قد يبيعون معلومات عن موقع معين وجدوا فيه، أو الأماكن التي زاروها في يومٍ معين، أو إجمالي المسافة التي قطعوها. واختار فريق البحث نوعاً غير تقليدي للمزاد، وهو ما يُعرف بـ«المزاد العكسي».

ويختلف هذا النوع عن المزادات التقليدية التي يسعى فيها البائعون للحصول على أعلى سعر ممكن، بينما في المزاد العكسي يتنافس البائعون من خلال تقديم أقل سعر ممكن لسلعهم، ويفوز الشخص الذي يُقدم أقل سعر، لكنه يتلقى عند الدفع قيمة ثاني أقل سعر.

ورأى الباحثون أن هذا النوع من المزادات يُشجع المشاركين على الأمانة في تقديراتهم، كما سبق استخدامه لبيع معلومات مشابهة في الماضي. وفي منتصف الدراسة، زاد فرق البحث من معدل المزادات لتُجرى يومياً بدلاً من تنظيمها مرةً في الأسبوع، وأسهم ذلك في خفض قيمة العطاءات التي قدمها المشاركون، لإدراكهم أن بإمكانهم الربح بمعدل أكثر من السابق.

وخلال 60 يوماً نُظم 596 مزاداً، ودفع فريق البحث 262 يورو للمشاركين في صورة قسائم في موقع «أمازون»، وبلغ متوسط العطاء لمختلف فئات البيانات 2 يورو، كما دفع الفريق 100 يورو لأحد المشاركين الذي حقق أعلى معدل استجابة، وجرى اختياره عن طريق السحب.

وأظهرت نتائج الدراسة اختلاف المشاركين في تقييم بياناتهم، وإعلائهم لقيمة بعض البيانات عن غيرها، وبحسب الباحثين كان الموقع الجغرافي هو الفئة الأكثر قيمة من المعلومات الشخصية القابلة للتحديد، كما مال المشاركون لمنح المعلومات المُعالجة قيمة أعلى، نظراً إلى تصورهم أنها توفر فهماً أشمل لأسلوب حياتهم.

كما أشارت النتائج إلى تأثر تقييم المشاركين لمعلوماتهم الشخصية بالظروف التي واكبت جمع كل نوع من المعلومات؛ فتزداد قيمة المعلومات في ظل ظروفٍ معينة. وغطت فترة الدراسة يومين غير عاديين، أولهما عطلة في إيطاليا تُعرف باسم «عيد الحمل بلا دنس»، والثانية يوم شهد رياحاً شديدة تسببت في حوادث عدة وإقامة حواجز على الطرق.

وقال الباحثون إن متوسط العطاءات لمختلف فئات البيانات الشخصية في هذين اليومين فاق بشكلٍ كبير بقيتها في جميع الأيام خلال الدراسة، ما يعني بكلمات أخرى أن المشاركين يُعطون معلوماتهم الشخصية قيمة أعلى في الأيام والمناسبات غير العادية مقارنةً بالأيام العادية.

كما تبين أن المشاركين لم يتفقوا في تقدير معلوماتهم الشخصية؛ فكان الأشخاص دائمو السفر أكثر ميلاً لتقييم معلوماتهم بشكل أعلى من غيرهم.

وتضمنت الدراسة أيضاً استطلاع آراء المشاركين بمعدل منتظم حول الأسباب التي دفعتهم لاختيارات معينة، بإضافة الجهات التي يثقون بها في ما يتعلق ببياناتهم. ولم تُمثل إجاباتهم عن السؤال الأخير مفاجأة؛ إذا قالوا إنهم يثقون بأنفسهم أكثر من منظمات مثل المصارف أو شركات الاتصالات أو شركات التأمين.

وتوفر الدراسة رؤية للكيفية التي يُحدد بها الأشخاص قيمة مالية لمعلوماتهم الشخصية، وهو ما سيكون له تأثيراته المهمة في المستقبل. وبالتزامن مع التركيز الواضح على سبل حماية البيانات الشخصية، يُتوقع نشأة سوق من نوعٍ ما تتيح للأفراد بيع معلوماتهم الشخصية.

وفي سياقٍ قريب، تجري محاولات، لاتزال في مهدها، تسمح لمستخدمي الإنترنت ببيع بعض البيانات حول استخدامهم لمواقع الشبكات الاجتماعية وغيرها مثل شركة «داتا كوب» الأميركية الناشئة. ويُمكن تصور أفكار مختلفة لسوق بيع البيانات الشخصية التي تجمعها الهواتف الذكية، وكذلك شركات الإنترنت الكبرى التي يهمها هذا النوع من البيانات.

وفي جميع الأحوال، يدفع ذلك الجميع إلى التفكير بعناية في قيمة البيانات الشخصية، وما تكشفه عن عاداتهم وحياتهم الخاصة سواءً كانوا من الموافقين على بيعها أم لا.

تويتر