على الرغم من محدودية انتشار الأجهزة الذكية وشبكات الجيلين الثالث والرابع

ازدهار الهواتف المحمولة في إفريقيا يدعم الابتكارات

صورة

تشهد القارة الإفريقية حالياً موجة من الابتكارات تمتد لقطاعات مختلفة من التعليم إلى الطاقة، ومن الخدمات المصرفية إلى الزراعة. وتتميز جميعها بالارتباط بالاحتياجات المحلية للقارة السمراء، كما ترتبط الابتكارات الجديدة بصلة قوية بالهواتف المحمولة والإنترنت.

ونقل تقرير نشره موقع «بي بي سي»، عن رئيس تحرير وناشر نسخة جنوب إفريقيا من مجلة «ستف»، توبي شابشاك، وصفه للابتكارات في إفريقيا «أفضل أنواع الابتكار، ابتكار حل المشكلات الذي وُلد من رحم الحاجة».

وفي ما يتعلق بدور الأجهزة المحمولة والتكنولوجيا اللاسلكية، فليس من الصعب فهم سبب حضورها القوي، فإنفاق الأموال الطائلة على تركيب البنية التحتية لخطوط الاتصالات الثابتة التقليدية لا يُعد أمراً مجدياً من الناحية الاقتصادية، خصوصاً في المناطق الشاسعة ذات الكثافة السكانية المنخفضة، كما تُصعب طبيعة التضاريس أحياناً من مد البنية التحتية.

ويجعل ذلك من الهواتف المحمولة، ولا سيما العادية منها والرخيصة الثمن، الخيار الأفضل. ويمكن لمس تأثير انتشار الهواتف المحمولة في إفريقيا في أكثر من جانب، ومنها المعلومات، فقبلها عانى ملايين الأفارقة من إمكانات محدودة للوصول إلى البيانات، لكن بحلول نهاية عام 2014، فمن المرجح أن يمتلك أكثر من 600 مليون شخص في إفريقيا، أي نحو 56% من السكان، هاتفاً محمولاً، وأشار بعض الباحثين إلى أن انتشارها من الممكن أن يصل إلى 80%.

واعتبر رئيس فرع جنوب إفريقيا في «أكستنشر موبيل»، تيلمان بوتا، أن الشركات الضخمة ومتعددة الجنسيات المتخصصة في السلع الاستهلاكية تبحث حالياً عن طرق لتصل إلى مستهلكيها وموظفيها في إفريقيا من خلال قنوات المحمول، وتنظر إلى منطقة جنوب إفريقيا باعتبارها بوابتها إلى بقية القارة.

وفي الواقع، وعلى الرغم من أن ما يقرب من ثلثي الهواتف المحمولة في إفريقيا يعتمد على الجيل الثاني من شبكات الاتصالات والرسائل النصية القصيرة دون شبكات الجيلين الثالث والرابع الأسرع، إلا أن ذلك لم يمنع من إنشاء مجموعة متنوعة من الخدمات المعتمدة على الهواتف، بما غير حياة الكثير من الأشخاص.

ومثلاً، يستخدم مزارعون هواتفهم للاطلاع على الأسعار المحلية لمنتجاتهم لمواجهة استغلال الوسطاء، كما يستفيد منها المرضى والأطباء والعاملون بالتمريض في المتابعة الطبية ونشر الوعي الصحي، إلى جانب الخدمات المصرفية واستخدام الهاتف كمنصة مدفوعات، وهو من أكثر الأمثلة ازدهاراً ونجاحاً في إفريقيا.

وحالياً تتعامل منصة «إم ـ بيسا» لتحويل الأموال عبر الهواتف، التي أنُشئت بالتعاون بين شركتيّ الاتصالات «فودافون» و«سفاريكوم» في عام 2007، مع نحو 1.5 تريليون شلن كيني، أي نحو 13.25 مليار دولار، وهو ما يُعادل 35% من إجمالي الناتج المحلي في كينيا.

ونبعت الفكرة من تبادل الأفارقة رصيد الهاتف المستخدم في إجراء المكالمات واستخدامه نوعاً من العملة، وتُتيح «إم ـ بيسا» حالياً للمشتركين الدفع مقابل الحصول على إمدادات الطاقة الشمسية، مثل مشروع «إم ـ كوبا سولار» في كينيا، وفي شراء أنواع مختلفة من البضائع، وتحويل الأموال من شخصٍ لآخر.

وتتوسع منصة «إم ـ بيسا» حالياً عبر الدول الإفريقية، كما انطلقت في الهند وأفغانستان ورومانيا، في الوقت الذي يُطلق مشغلو شبكات المحمول الأخرى خدماتهم المصرفية الخاصة، ومن بين الاستخدامات الممكنة التي لها دورها في مساعدة الحكومات على مكافحة التهرب الضريبي، وتمكين الشركات من مكافحة الاحتيال.

وبالانتقال من الهواتف إلى الاتصال بشبكة الإنترنت، فإن إفريقيا تحتاج وقتاً وإمكانات إضافية لتوفيره للجميع، ففي نيجيريا، أكبر بلدان القارة من حيث السكان، يتوافر لدى نحو 42% من سكانها أحد أشكال الاتصال بالإنترنت، بحسب بيانات الوزارة الاتحادية لتكنولوجيا الاتصالات في البلاد، لكنهم يفتقرون إلى سرعات الاتصال العالية، نظراً لكلفة خدمة النطاق العريض التي تُمثل نحو 30% من دخل الأسرة، إضافة إلى معيشة نحو نصف سكان البلاد البالغ عددهم 167 مليوناً في مناطق ريفية نائية.

من جانبها، تعتقد وزيرة تكنولوجيا الاتصالات النيجيرية، أومبولا جونسون، أن المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات تُمثل الركيزة الرابعة للاقتصاد النيجيري، وتُسهِم بنحو 7.8% في الناتج المحلي الإجمالي، وتعمل وزارتها على استراتيجية للنطاق العريض ترمي إلى الوصول بمعدل انتشاره إلى 30% بحلول عام 2017 من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

وتتفاوت أساليب الدول الإفريقية في توفير خدمات النطاق العريض، فبدأ مشغلو خدمات الهاتف المحمول في أنغولا مثل «يونيتل» إطلاق نطاق عريض متنقل عالي السرعة يتطلب استخدام هواتف ذكية وحواسيب لوحية أغلى ثمناً.

في المقابل، تحاول مبادرة «فور إفريقيا» من شركة «مايكروسوفت» الاستفادة مما يُطلق عليه «الفراغات التلفزيونية البيضاء»، وهي الأجزاء غير المستخدمة من الطيف اللاسلكي الذي يستخدم عادة في التلفزيون، وتنتقل إشارات الراديو عبر مسافات طويلة في نطاقات التلفزيون أكثر من إشارات الراديو الأخرى، كما أنها تكون أقل عرضة للعقبات في طريقها، ما يُقلل الحاجة إلى إنشاء محطات، وبالتالي يُخفض من التكاليف اللازمة لنشر الإنترنت.

وأشارت الرئيس التنفيذي لشركة «هاي واتس أو»، وهي شركة إعلامية تعمل في لاغوس ونيويورك، شيشي نوكو، إلى دور آخر للتكنولوجيا في تمكين المزيد من الأشخاص من إنشاء وتسجيل وتحرير محتواهم الخاص، ثم توزيعه عبر «فيس بوك» و«تويتر».

وتمتد موجة الابتكارات في إفريقيا لتشمل قطاعات مثل الاستفادة من خرائط الأقمار الاصطناعية، ونظم تحديد المواقع الجغرافية، والطائرات من دون طيار، وقواعد البيانات القائمة على الحوسبة السحابية في مساعدة المزارعين على مراقبة مواشيهم في مواجهة الأمراض والسرقات، وتتبع بقايا المبيدات، ودراسة أنماط الطقس. ويُؤكد ذلك كله أنه إذا كانت الحاجة هي أم الاختراع في إفريقيا وغيرها، فإن التكنولوجيا هي أبو الاختراع في إفريقيا.

تويتر