يُتيح للقارئ التعليق على القصص ومراسلة المؤلف بصورة فورية

«واتباد».. منصّة إلكترونية لنشر الروايات والتفاعل مع القرّاء

صورة

أحدثت الحواسيب والإنترنت، ثم الأجهزة المحمولة، تغييرات لا يُمكن إنكارها في عالم القراءة، ليس فقط بإضافة وسيط جديد للنشر، فقد غيّرت أيضاً في طبيعة العلاقة بين الكُتّاب والقرّاء، وقربت من المسافات في ما بينهم، فلم تعد الكتابة مجهوداً فردياً يتطلب خطوات معقدة قبل النشر.

واكتسب التأليف نزعة عفوية تُنشر فيها الأعمال بشكل سريع، كما صار له خصائصه الاجتماعية الواضحة بتبادل القرّاء التعليقات مع بعضهم بعضاً، ومع المؤلفين بصورة فورية، واستعادت القصص المسلسلة مجدها القديم، خصوصاً مع مناسبتها للقراءة السريعة عبر الأجهزة المحمولة.

وتُمثل شركة «واتباد» مثالاً بارزاً على هذا الاتجاه، وتضم شبكتها مليوني كاتب، ينشرون يومياً 100 ألف مادة جديدة لجمهور واسع يضم 20 مليون قارئ بلغات مختلفة في شبكة اجتماعية دولية ومعقدة، وتقدم نموذجاً للكتابة في عصر المحمول بسمات مختلفة لطريقة الكتابة، وأهمية تفاعل المؤلفين مع جمهورهم.

ولا يعد «واتباد» مكاناً يتحدث فيه الكتاب بإسهاب عن معاناتهم لأجل الفن أو قضاء الساعات بحثاً عن كلمة مناسبة، ويضع الكُتّاب، الذين لا يتقاضون أجراً كأعضاء أي شبكة اجتماعية أخرى، أعمالهم غالباً في صورة أجزاء، ويعيدون صياغتها، ويحذفون منها أو يضيفون في عملية تبدو معها الكتب الإلكترونية التقليدية قديمة الطراز.

ويلائم نشر الأعمال والقصص في صورة سلسلة انتشار المحمول وطبيعة القراءة من خلاله.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «واتباد»، ألن لاو: «تقريباً جميع كتّابنا يسلسلون محتواهم»، وأضاف أن «2000 كلمة تستغرق نحو 10 دقائق للقراءة، ما يزيد من إمكانية استيعاب القصة، كما أنه يمكن إتمام هذا الجزء أثناء الانتظار في الصف»، حسبما تضمن تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.

وتتابع صناعة النشر التقليدية عن كثب «واتباد»، ليس فقط مصدراً للمواهب ونجوماً محتملين في الكتابة والأدب، لكن أيضاً لاستلهام تقنيات جديدة في إثراء القرّاء وضمان تفاعلهم.

واعتبر مستشار النشر، الذي يستضيف المؤتمر السنوي لمستقبل القصص، تشارلز ميلتشر، أن «(واتباد) لا تمنح فقط الفرصة لكل شخص ليكون مبدعاً، بل تبتكر طرقاً جديدة لسرد القصص وللتسلية».

ومن ملامح التطوّر تغيّر طبيعة العلاقة بين الكاتب وقرّائه، فقبل الإنترنت وُجدت هوة عميقة بين الطرفين، وبدا كما لو أن الكُتّاب يسكنون أبراجاً عاجية بعيداً عن الجمهور العام، وكلما ازداد نجاح كاتب، اتسعت المسافة التي تفصله عن جمهوره.

وعلى العكس من ذلك، تلغي «واتباد» المسافة المتبقية بين المبدع والقارئ، إذ صار هذا الأخير في مرتبة بين كونه أفضل صديق للكاتب والمحرر المثالي لأعماله، أي شخص يمنحه تعاطفه وحبه على الدوام.

من جانبهم، يتعين على الكُتّاب في «واتباد» المحافظة على علاقتهم مع الجماهير، ليس فقط بنشر الأعمال بوتيرة منتظمة، لكن أيضاً بالرد على التعليقات والأسئلة.

وتتيح «واتباد» للقرّاء إلى جانب نشر التعليقات العامة، إرسال رسائل خاصة إلى المؤلفين، والتصويت على الأعمال المنشورة، وتقديم أغلفة للكتب، وتحية المؤلفين عبر موقعي «بنترست» و«يوتيوب»، واقتراح طاقم ممثلين كما لو كان الكتاب سيتحوّل إلى فيلم سينمائي.

وقبل بضعة أشهر، أضافت «واتباد» إمكانية إدراج التعليقات مباشرة ضمن نص القصة عبر خط التعليق ليشاهدها جميع القرّاء، كما يمكن للجمهور رعاية كتّابهم المفضلين بالمال.

واعتبرت ريبيكا سكاي، التي اجتذبت روايتها «لعنة الحب» متابعة متحمسة من القرّاء في عام 2012، أن «الجمهور يُمثل أولويتها الأولى، وأرجعت السبب إلى أن ذهابها إلى ناشر والقول بأن لديها 15 ألف معجب يعد مؤثراً أفضل من شخص لديه مخطوطة مثالية من دون أن يعرفه أحد».

وأشارت سكاي (32 عاماً)، إلى دور الجمهور في تشكيل القصة، مثل اقتراحه تخفيف اللهجة المتلعثمة لإحدى الشخصيات، وقالت: «شعر الجميع بالارتياح حين قُدم التلعثم بدرجة أقل شدة»، واستدركت أن «بعضاً ممن يواجهون التلعثم وجدوا في تخفيف الدرجة حساً هجومياً».

وإذا كانت «واتباد» منصّة للنشر العام، فإن نحو نصف كتّابها مجهولي الهوية أو ينشرون بأسماء مستعارة، وقالت سكاي، التي تعمل مساعدة قانونية، إن «ذلك يمنح الشعور بالأمان».

وبدأت سكاي الكتابة بأسماء مستعارة مختلفة حتى انتهت إلى هذا الاسم، الذي يُمثل المقطع الثاني من اسمها بعد الزواج «زيلينسكاي»، وتسعى حالياً إلى إضافة سكاي إلى اسمها الرسمي، لدمج شخصيتها في «واتباد» في حياتها الحقيقية.

وبالمثل فلا يكشف مجتمع القرّاء عن هوياتهم الحقيقية، وربما ما يجعل مجتمع القرّاء في «واتباد» سبباً للدعم أكثر منه للنقد، أنه يُمكن للمؤلفين حذف التعليقات التي لا يريدونها على كتابتهم.

وعادةً ما تنتمي الأعمال المنشورة في «واتباد» إلى فئة المؤلفات الشعبية، ويعترف الكتّاب أنفسهم بأن ما ينشرونه عادة ما يكون المسودات الأولى المكتوبة على نحو عفوي من دون كثير من التحرير والمراجعة.

وذكرت الكاتبة آن تود، وهو اسم مستعار، في مقابلة ضمن التطبيق، أنها تكاد لا تُعيد قراءة فصل قبل نشره، واعتبرت أن المبالغة في إعادة التحرير ومحاولة استخدام عدد أكثر من الكلمات يُمكن أن يفسد القصة.

وتمثل أعمال آنا تود فئة خاصة من حيث الشعبية في «واتباد»، ويقرأ روايتها المسلسلة «بعد»، التي نُشر فصلها رقم 278 قبل أسبوع، ما يزيد على مليون قارئ، وتقول تود: «إن لديها 14 ألف رسالة غير مقروءة في صندوق بريدها في (واتباد)»، وأشارت إلى أهمية متابعتها، وإلا فقد يفقد القرّاء اهتمامهم.

ومن بين الأسباب العملية لعدم التركيز على مراجعة الأعمال أن اللغة الإنجليزية تُمثل اللغة الثانية لكثير من جماهير «واتباد»، ولذلك كلما كان النص مباشراً صار أفضل، كما يُجسد ذلك نهج المساواة في الموقع.

وقال المدير العام لشركة «واتباد»، كانديس فاكتور: «يقول بعض القرّاء (يمكنني أن أعلم هؤلاء الكتاب أن يصيروا كُتاباً أفضل)»، وأضاف: «ليس هذا ما يريده الجمهور، فهم يحبون عدم تدخل محرر لتغيير الكتابة».

وقد يبدو للبعض أن «واتباد» حققت شعبيتها بين عشيةٍ وضحاها، بينما في الواقع كافحت الشركة الكندية لسنوات لتجد لها مكاناً، فأطلق المؤسسان، ألن لاو، وإيفان يوين، تطبيق في عام 2006 قبل ظهور أجهزة القراءة «كيندل»، وهواتف «آي فون». ولم يُسهم إضافة 17 ألف كتاب متاحة للمجال العام في نجاح الشركة، لكن الأمر تغيّر مع نشر أعمال جديدة وموجّة الاهتمام بالمحمول. ومثلها مثل العديد من الشركات الناشئة، تمتلك «واتباد» أحلاماً كبيرة، مع قليل من العائدات يأتي معظمها من الإعلانات.

ونقل تقرير الصحيفة الأميركية عن لاو قوله: «حين يكون لدينا مليار مستخدم سيكون هناك مليون طريقة لربح المال»، وربما تكون إحداها تمثيل الكُتّاب المشهورين كوكلاء لهم، وهو ما تسعى الشركة إلى القيام به مع المؤلفة تود بالبحث عن اتفاقات لنشر «بعد» كتاباً أو فيلماً.

تويتر