تلبية للاحتياجات الشخصية التي لا توفرها البرمجيات الجاهزة

بروز مفهوم «المطوّر المواطن» وإقبال غير المحترفين على تطوير التطبيقات

صورة

قد يبدو اقتراح مثل «إذا لم تجد التطبيق الملائم للقيام بما تريد بكفاءة، فيمكنك أن تطوّره بنفسك»، حلاً صعباً أو غير عملي لكثير من غير المختصين بالبرمجة، والعاملين بعيداً عن أقسام تكنولوجيا المعلومات، لكن الواقع أنه أحد الحلول التي يلجأ إليها عدد متزايد من الأشخاص من دون أي مهارات مُسبقة في البرمجة وتطوير التطبيقات، أو أنهم يمتلكون معرفة بسيطة بالمجال.

وتتلائم الفكرة تماماً مع الجيل الجديد من «المواطنين الرقميين» الذين تربّوا مع ألعاب الفيديو والهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، فبالنسبة لهم من الطبيعي التفكير في تأليف التطبيق الذي يحتاجونه بأنفسهم إذا لم يتوافر أمامهم بديل أفضل.

وبحسب المحلل في شركة «غارتنر» للأبحاث، إيان فينلي، فإن العديد من أفراد الجيل المعروف باسم «طفرة المواليد»، الذين وُلدوا خلال الفترة بين منتصف الأربعينات ومنتصف الستينات من القرن الـ20، يتقاعدون الآن ويحل مكانهم الأشخاص الأصغر سناً الذين استخدموا الحواسيب في المدارس، وتعاملوا مع الإنترنت وأدوات التدوين، وهؤلاء ببساطة لا يخشون التعامل مع التكنولوجيا.

ويأتي هذا الاتجاه ضمن تصاعد الاهتمام بمفهوم «المطوّر المواطن»، على غرار «صحافة المواطن»، الذي يُشير إلى قيام مستخدمين عاديين لم يتلقوا تعليماً تقليدياً يؤهلهم لبرمجة التطبيقات ويعملون خارج نطاق أقسام تكنولوجيا المعلومات بتطوير تطبيقات لغيرهم من المستخدمين، سواء من البداية أو بتجميعها.

وتُعرف «غارتنر» المطور المواطن بالمستخدم الذي يُطوّر تطبيقات يستخدمها آخرون بالاستعانة ببيئات تطوير وتشغيل توفرها شركات تكنولوجيا المعلومات.

ولا يُعد الاهتمام بالمفهوم وليد اليوم، فقد تنبأت «غارتنر» في عام 2009، أنه بحلول عام 2014 سيكتب «المطوّرون المواطنون» نسبة لا تقل عن 25% من التطبيقات الجديدة للشركات، وعلى الرغم من عدم بلوغ النسبة، يعتقد فينلي بتزايد دور «المطوّرين المواطنين»، وقال: «لقد كان تطوير تطبيقات المستخدم النهائي أبطأ في انطلاقه مما توقعنا، لكننا فقط تأخرنا بعامين أو ثلاثة أعوام عما توقعنا حدوثه».

ويُرجع فنيلي، بحسب ما تضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي»، دوافع المطوّرين المواطنين إلى اعتقادهم بأن امتلاكهم للأدوات الصحيحة سيساعدهم على زيادة إنتاجيتهم، وأيضاً إلى عدم رغبتهم في انتظار أقسام تكنولوجيا المعلومات لشراء أو تطوير التطبيقات التي يحتاجونها.

وتُوفر العديد من الشركات منصات لتطوير التطبيقات تعتمد على خدمات الحوسبة السحابية، ومنها «سيلز فورس»، و«تراك فيا»، و«ميندكس»، الأمر الذي يُعين المطوّرين المواطنين على إنجاز ما يريدون، من دون الحاجة إلى أدوات التطوير باهظة الكُلفة.

وذكر الرئيس التنفيذي لشركة «تراك فيا»، بيتر خانا، أن «معظم التطبيقات التي يُنجزها المطوّرون المواطنون تعالج احتياجات خاصة لبعض الأقسام لا تلتفت إليها أقسام تكنولوجيا المعلومات، ويستخدمها عدد يراوح بين خمسة و25 موظفاً».

وأضاف أن «مستخدمي (تراك فيا) معظم الحالات يُطوّرون تطبيقات لمتابعة العاملين والأصول أو المشروعات بدلاً من استخدام جداول البيانات، كما يبنون تطبيقات مُخصصة للتسويق والموارد البشرية، وأيضاً لملائمة حاجة فريدة لشركة أو مهمة معينة عندما تغيب البدائل المناسبة المُتاحة تُجارياً».

وعلى سبيل المثال، استعان مدير الموارد في شركة «ديرك تي في»، التي توفر خدمة البث المُباشر عبر الأقمار الاصطناعية، جون ميكغارفي، بالمنصة السحابية التابعة لـ«تراك فيا» لتطوير تطبيق يتابع المتعاقدين مع الشركة التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا الأميركية مقراً لها.

وقال ميكغارفي إنه «على الرغم من تجربة شركته منتجات البرمجيات المُتوافرة تجارياً، فلم تجد أياً منها مناسباً»، مضيفاً أن «هذه التطبيقات صُممت للعمل بطريقة معينة، لذلك وجدت نفسي بين خيارين، إما أن أغير إجراءاتي الداخلية لتناسب طريقة عمل التطبيقات، أو أعيد تشكيل التطبيق ليتوافق مع طريقة عملي».

ووجد ميكغارفي نفسه في مواجهة الانتظار لعامين قبل أن يتمكن قسم تكنولوجيا المعلومات في الشركة من تطوير التطبيق داخلياً، فقرر أن الحل الواضح يكمن في تطوير التطبيق بنفسه، وقبل أن يبدأ اختبر قسم تكنولوجيا المعلومات في «ديرك تي في» منصة «تراك فيا» من ناحيتيّ الحوكمة والمخاطرة، وتحقق مما توفره من أمن للبيانات المُخزنة سحابياً.

وبعدما تلقي ميكغارفي الضوء الأخضر لاستخدام «تراك فيا»، بدأ تحميل البيانات من جداول البيانات الخاصة به إلى منصتها السحابية، واستغرق تطوير التطبيق بضع ساعات فقط باستخدام واجهة متصفح تعتمد على السحب والإفلات، وقال: «ليس لدي أي مهارات خاصة في البرمجة، لكني لم أحتاج أياً منها من أجل بناء تطبيقي».

كما أمضى ميكغارفي ساعة أسبوعياً على امتداد الشهرين التاليين في صقل واجهة الاستخدام في التطبيق، وحالياً يستخدم التطبيق نحو 20 من زملائه في القسم، ويعتقد بأن هذه المجموعة من الموظفين أكثر إنتاجية بفضل جهوده كمطوّر مواطن، كما أن التطبيق يُكلف أقل بكثير مقارنة بالبرنامج الذي استخدمه سابقاً. وفي ما يتعلق ببعض الشركات والمؤسسات التي ترفض إسهامات المُطوّرين المواطنين بدعوى الخوف من المخاطر الأمنية ومخالفة التعليمات التنظيمية، يرى فنيلي أنه من الضروري أن تُعد أقسام تكنولوجيا المعلومات برامج للمطورين المواطنين.

ويتضمن ذلك توفير أدوات تطوير مقبولة للمطوّرين، ووسيلة تتيح للعاملين بقسم تكنولوجيا المعلومات متابعة عمل المطوّرين المواطنين وتطبيقاتهم، والبيانات التي يصلون إليها ويخزنونها، وعلى الرغم من إعداد مثل هذا البرنامج يستلزم عملاً إضافياً من أقسام تكنولوجيا المعلومات، إلا أنه على المدى الطويل يعفيهم من عبء جلب أو تطوير ودعم البرمجيات التي سيحتاجها هؤلاء المطوّرين المواطنين.

وحذر فينلي من أن الشركات التي تفتقر إلى برنامج يصل ويُزود المطوّرين المواطنين بالقواعد، وأيضاً تلك التي تحاول منعهم سينتهي بها الأمر إلى مطورين يعملون خارج سيطرتها، ما ينطوي على أخطار.

وقال: «تحتاج الشركات لتجنب محاربة المطوّرين المواطنين والبدء باحتضانهم».

تويتر